23 ديسمبر، 2024 7:43 ص

فواتح السور القرآنية، عربية أم آرامية؟

فواتح السور القرآنية، عربية أم آرامية؟

مقدمة:
ما أقوم به هو، جهد فكري شخصي، لإثبات عدم صحة إسقاط نطق الأبجدية السريانية على الحروف العربية وبالأخص القرآنية المقطعة، وعليه من ظن الإمكان في وجود المعنى الصحيح لها في اللغة السريانية، فقد وقع في المحظور من الترجمة الحروف العربية المقطعة في القرآن. وقد تناولها الكثير من الباحثون بحثاً لغوياً تشريحياً، لكنهم لم يذكروا حديثاً واحداً للرسول يبلغ معناها، ولذلك ذهبوا للتصيد اللغوي، في البحوث شبه الجديدة عن لغة الأم واللغات التي تندثر، فيما عدا اللغة العربية، والتي تتضمن الإشارة الى أن (ال) هي القلب و (الراء) هي الروح، واللغات التي تبدأ بالموت علاماتها موت (الراء)، ومنه ليبينوا أسرار معاني – ألم – و ألر – القلب والروح…وطه، ون، ق، ص، الى آخره، كل هذا العبث هو لفقدهم معناها، فظنوا بها أسراراً ونسوا أن الله قال.. فَإِنَّمَا یَسَّرۡنَـٰهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ ٱلۡمُتَّقِینَ وَتُنذِرَ بِهِۦ قَوۡمࣰا لُّدࣰّا﴾ [مريم ٩٧] وليس حروف لكلمات متقاطعة عليكم ياقومي أن تحزروا معناها!

ثم قال تعالى:

وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوۡمِهِۦ لِیُبَیِّنَ لَهُمۡۖ* ٤ ابراهيم.

القرآن له غاية من النزول كما هي ذات الغاية للأقوام السابقة التي أنزل عليها كلام الله، فما هي الغاية؟

يقول تعالى:

الۤرۚ كِتَـٰبٌ أَنزَلۡنَـٰهُ إِلَیۡكَ لِتُخۡرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذۡنِ رَبِّهِمۡ إِلَىٰ صِرَ ٰ⁠طِ ٱلۡعَزِیزِ ٱلۡحَمِیدِ (١) ابراهيم.

وكذلك قال تعالى بالمثل لقوم موسى:

وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مُوسَىٰ بِـَٔایَـٰتِنَاۤ أَنۡ أَخۡرِجۡ قَوۡمَكَ مِنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ (٤- ابراهيم).
فكتاب الله تنويري أخلاقي تربوي لأصلاح النفس، فأن صلحت صلح ما سواهما، وليس للفت نظر العرب الى وجود الإشارات العلمية، لبيان عظمته! فعظمته تتجلى في النفس وفي خلقه وفي كل مكان.

لايحتاج الله بيان إشارات فلكية وفيزيائية، وبايولوجية، أوجيولوجية، وهو يعلم أنهم يسمعون لايقرأون قوله وقت التبليغ، ففهموا رسالته التنويرية من كونها خطاب لغوي بلسانٍ خبروه، لأنه يخاطب أميون في كل شيء بشهادة القرآن (هُوَ ٱلَّذِی بَعَثَ فِی ٱلۡأُمِّیِّـۧنَ رَسُولࣰا مِّنۡهُمۡ یَتۡلُوا۟ عَلَیۡهِمۡ ءَایَـٰتِهِۦ وَیُزَكِّیهِمۡ وَیُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُوا۟ مِن قَبۡلُ لَفِی ضَلَـٰلࣲ مُّبِینࣲ) (٢) الجمعة.

ليس في هؤلاء الأميين إلا كم شاعر يتحدث عن الإبل والقمر والفرس والنساء والطبيعة بما حاط حوله، وقد لا تجد في شعرهم أي إشارة لغوية عن الزراعة وأدواتها، لأنهم قوم مقاتلون يفتكون ببعضهم البعض وكل أعرافهم ليست بالمستوى الإنساني المعقول، فأراد الله أن يوقظهم ويُعقّلهم ليخرجهم من الظلمات الى النور.

فهل يعقل أن يتفاخر الله عليهم ببلاغة لغته ويتحداهم لغوياً، فيصدقوا أن القول من السماء وليس من الأرض حقا، فيؤمنوا به وبرسوله، لأن غايته هو ذاته؟

أو أن يطلب منهم أن ينظروا الى عظمة إعجازه العلمي في بطون كلماته، وهو يعلم أنهم أقوام لاتفقه لاتقرأ، فما يبلغهم الرسول هو مشافهةً ولو كانوا يقرأون ويفهمون مايقرأون لأنزل الكتاب مكتوبا، ولما سمّاه قرآنا، فتسميته قرآن؛ لأنه مما يقرأ عند التنزيل، كما ذكرناه في كتاباتنا السابقة، وعززنا رأينا من كتاب الله والذي يقول (لَا تُحَرِّكۡ بِهِۦ لِسَانَكَ لِتَعۡجَلَ بِهِۦۤ (١٦) إِنَّ عَلَیۡنَا جَمۡعَهُۥ وَقُرۡءَانَهُۥ (١٧) فَإِذَا قَرَأۡنَـٰهُ فَٱتَّبِعۡ قُرۡءَانَهُۥ (١٨) القيامة، فقرآن، هو من قرأ يقرأ قرآن، كما في قولنا، حسب يحسب حُسبان.

الله مُناه أن يتفكرون ويعقلون، لكن آثار العقلية التفكيرية الجاهلية باقية متجذرة فيهم، تجدها حتى الآن عند أصحاب الشهادات العليا.

الله لا يحتاج الإنتظار الى بحوث المستقبل لفهم لغته، من كونها منه هو، ولا يريد من خلقه إلا أن يفهموا كلماته بلسانهم، فهو لايحمل عقلية المخلوق الذي يقول كيف يفهموا لغة الله، بيوم وليلة، فلابد من قرون؟ ونسوا أنها لغتهم ولسانهم وليس لغته إذ ليس للخلق لسان أو لغة، فحدثهم بلسانهم، لا لسانه هو ولغته هو، لأنه الخالق لكل شيء صامت وناطق.

لو كان الأمر كذلك، فكل القرآن غير كامل وغير مُبلّغ، لوجود هذا النقص، والرسول لم يَصْدِق ببلاغهِ لكل القرآن، كما لم يُذكر أي حديث عن الرسول، من أنه قال: من سيقوم ببلاغ معنى فواتح السور، هم الأجيال من بعدي، فأنتظروها ولا تموتونَّ الى ذلك الحين، لتفهموا عظمة وأسرار ما أنزلت لكم من قول من ربكم!

أهذا هو غاية الله وتفكيره أم تفكير مخلوقه الذي لا يحسن الفهم والتفكير؟

دوماً التفكير الخطأ يقود الى نتائج خطأ.

…………………

نبدأ:

الحروف المقطعة أو فواتح السور، هي:

كهعيص، ألم، ألمص، ألر…الخ. التي وردت في ٢٩ سورة وعددها المكرر ٧٨ ودون التكرار ١٤ حرف فقط. تلّقاها الرسول وحياً وكتبها كتاب الوحي للرسول، لكونه أمي لايقرأ ولايكتب.
الله عندما طلب التدبر للقرآن المسموع، لم يخصه لأهل الأختصاص فقط، لأن الطلب عام، نزل للسامع له منه من العرب أولاً، من كونه خطاب شفاهي، ولذلك لا يمكن للرسول أن يخاطبهم بحروف منفردة كألف أو لام أو ميم أو يقول لهم ما لايعرفوا له من معنى أو لا يعني شيء، ولا يبينه لهم! كقوله ( كهعيص) ولو فعل لضحكوا عليه، وعدوه مجنون، فمن حوله شعراء وأصحاب أديان تتربص به على حرف، لتنال منه.

يقول تعالى:

وَلَقَدۡ یَسَّرۡنَا ٱلۡقُرۡءَانَ لِلذِّكۡرِ فَهَلۡ مِن مُّدَّكِرࣲ (٣٢) القمر.

ثم يقول:

أَفَلَا یَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَۚ وَلَوۡ كَانَ مِنۡ عِندِ غَیۡرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُوا۟ فِیهِ ٱخۡتِلَـٰفࣰا كَثِیرࣰا (٨٢) النساء

فالتدبر المراد به للغة، هو فهم مقاصد الكلام كما صيغ الكلام لأجلها وبما هو يعد لسان في النظم والتأليف، فإن قال لا تقربوا الصلاة أو لا تقربوا الزنا هو كما قال الله ولا تقربا هذه الشجرة، فليس المقصد صور القرب أو البعد عنها. ولامعنى قول الرسول: لا تستضيؤوا بنار المشركين، هو مقصد الاستضاءة بنار حطبهم!

اللسان العربي بما هو متعارف عليه، فإن غاب اللسان في النظم والتركيب غاب المعنى عند المتلقي العربي، وعليه لسنا مدعوون لفهم ما هو خارج اللسان العربي كحروف حالها كحال أية حروف لأية لغة؛ لأنها لم تدخل في قواعد تأليف لغة الكلام، ليكون لها معنى ويصح وصفها بلغة، فاللغة تصاغ وتحاك بواسطة حروف وفق قواعد لبيان معنى، ولطالما نزل القرآن بلسان عربي مبين، فلابد من إبانة لها، وإلا؛ فلماذا أنزلها الله ولمن؟
لو كان معناها هام للدين لما تركها الله دون بيان. لقوله تعالى:

ثُمَّ إِنَّ عَلَیۡنَا بَیَانَهُۥ (١٩) القيامة.
فهل ترك الله بيانه لمن أنزل عليهم القرآن؟

ثانياً:

أ. العرب سمعوا الحروف المقطعة من رسولهم، لا قرأوها من كتاب، وهذه دلالة على أنها لم تُنطق إلا باللحن العربي لا العبري أو الآرامي، ولذلك لايصح أن نقرأها اليوم كتابةً، عِبرياً أو آرامياً لحناً، لنحصل على معناها، فالقرآن أُنزل باللحن العربي، لابلحن حروف الكلمات الأجنبية سواء الآرامية أو العبرية أو الفارسية، فالقرآن هو لسان العرب ولسانهم فيه من الألفاظ الفارسية، من فردوس وسجيل وإستبرق وسندس، وكذلك الكثير من ألفاظ اللغات الأخرى، لكن الرسول لم ينطقها فارسياً أوعبرياً أو آراميا، بل عربياً، ولو فعل لتمت محاججته عن هوية اللسان، وذكرها الله في كتابه، كما ذكر الكثير مثلها، أو على الأقل دونوها كأحاديث تؤرخ موضوعها.

ب.
تشابه الأبجديات كتابياَ بين العربية والسريانية، لايعني تشابه الأصوات في النطق كما هو التشابه بين حروف اللغات بشكل عام. والتشابه الحاصل بالرسم لأي حرف سرياني وآخر عربي، لايعني أن المعنى السرياني للحرف بما هو معروف لحنه باللسان السرياني، هو المعنى الموضوع للحرف العربي. فهذا منطق غير علمي ومرفوض منطقياً ولا دليل عليها.

ولو كان الأمر كذلك فالتشابه كتابياً بين حرف روسي ولاتيني حاصل لكن القراءة مختلفة، فإن كان صوت أحدهما كاللاتيني له معنى مثلاً، والآخر لا…فهل نلجأ لمعجم اللغة اللاتينية لنخبر الروس بمعنى حرفهم الوارد في كتاب مقدس لهم بلغتهم، ونعلم أن ربهم قال أنزله بسانهم أي باللحن الروسي لحرفهم، لا اللاتيني؟

أولويتنا فهم لسانهم العربي كما صوره الله في القرآن لأنه دليل على لسانهم وليس لسان الله، فالله حدثنا بلسان عربي مبين، ولم ينزل حروف لكلمات متقاطعة ليحزرها كل منا على مزاجه! فالله ليس بلاعب، وعلى الرسول بيان ما أنزل اليه وإن لم يبلغ المعنى للحروف المقطعة، فهذا دليل على أنها لا تعني شيء مطلوب بيانه وتبليغه، فالرسول بلّغ ما هو مطلوب تبليغه وبيانه والحروف المقطعة المنفردة لاتشكل معنى أساساً كي تحتاج لبيان.

ثالثاً:

اللسان العربي ليس الحروف ذاتها! فمن تمكن منها لايعني صار له لسان عربي، فاللسان عندما تجتمع الحروف بأصواتها العربية النطق، لتؤلف الكلمة بالإضافة الى الأسلوب التعبيري المعتاد من محل الكلمات في النظم والتراكيب وروابطهم، ودونها لا يسمى, لسان عربي، فقد ننطق حروف لجمل عربية لكن الأسلوب التأليفي غير عربي مما يعد غريبا ويصعب التكهن بمقاصده ومعانيه للمتلقي، وهذا معنى اللسان على وجه الدقة.

يتساءل الناس: لماذا إذن هي غامضة المعنى ولمن نزلت؟

هل لها حقاً معنى لم تذكره الأحاديث؟

ثم بأي نطق نطقها الوحي للرسول؛ عربي أم سرياني؟

الجواب:
عربي، أي الصوت العربي للحرف وأكرر لينتبه القاري، بالصوت العربي للحروف وإلا لما كان كل القرآن عربيا؟

فهل يصح أن أقول أ ل ر..( الر) أصواتها سريانية ومنها لنستنتج من قواميس السريانية إن معناها هو (تبصر) كما فعل البعض كلؤي الشريف؟

أو (ألم ) بمعنى ( إصمت)؟
عندما نجهل معناها لا يصح تصويتها بلغة أخرى، وإلا سنقع في مطب إختلاف الحان الحروف ومنه ليقودنا الى معنى مغاير، ومثل هذا المنهج غير علمي.

رابعاَ:

أما من حيث جهلنا معنى الحروف المقطعة، فالسؤال ومن قال أن لها معنى أوحاه الله لرسوله ليبلغه للناس؟
أين دليل ذلك؟

لا يوجد دليل على أنها سر الله في القرآن ومن هذه التهيؤات الذي يحاول البعض أن يصورها. ليظهر بمظهر الفيلسوف البحر الراهب أو الفقيه المتعمق بأسرار لغة القرآن.

رأيي المتواضع هو كالتالي:

ربما تكون من ابتداع الكتبة بموافقة الرسول؛ لتبويب وحفظ تسلسل مواضيع آيات النزول ، في مرحلة ما ولذلك لم تشمل كافة السور، وربما هذا هو الواقع ، فما أدرانا، فوجودها، ربما كوجود أسماء السور توقيفية وليست من القرآن من شيء. فأسماء السور وضعت لاحقاً، ومع ذلك كتبها المدونون – ليس كتاب الوحي – أسمها ، ووجودها في القرآن لايُعد زيادة فيه ولا دلالة على أنها كلام الله ، مع فارق وجودها أعلى السورة والحروف المقطعة في بدايتها، فليس كل حرف موجود في القرآن هو وحي من الله ويعد قرآنا.

لذا أعتقد أن كُتّاب الوحي، هم من أوجدوا طرائق لحفظ الآيات كل في محلها بموافقة النبي، فقد يسأل الناس الرسول عن الزنا، أو الحيض ، أو عن الخمر، فالجواب يُبوب وفق رأي الرسول ليوضع مع آيات ذات الموضوع، لأن الرسول لم يخبرهم الرسول بأسماء السور ليضعوا كل آية في سورتها، فلا الله عن طريق الوحي أخبر ولا الرسول وضع أسماء السور، فهذه لاحقة بعد توحيد التدوين الأصح والغاء كافة المدونات السابقة للقرآن.

فوضع هذه الآية مثلاً في إضبارة سورة (كهعيص) أو إضبارة سورة (المر)، ولغياب المعلومة عنها لايعني بالضروة أنها من الوحي قرآناً، ولاعدمه، ووردها في سور دون سورة دلالة على أنها من فعل الكتّاب، بما ظنوه مناسباً وضرورة، فالقرآن أنزله الله على النبي ليبلغه ويبينه كله وليس ليخفي بعضه، ومعنى الحروف لم يبلغها والدليل لامعنى لها، ومن حقي أن أفترض إنها توقيفية وليست وحيا قرآناً من عند الله ، والله أعلم.