كانت الدقائق والساعات تسير ببطيْ شديد كأنها سلحفاة تتجه صوب مكانٍ لتضع بيوضها على الشاطيء البعيد . إختفى صوتها على حين غرة وبقيتُ وحيداً في ساعاتِ الليل الطويلة الباردة كمن فقد عزيزاً في لحظةٍ لم تكن في الحسبان. قبل لحظات كان صوتها يخترق المسافات عبر الشبكة العنكبوتية وكنا نرسم لبعضنا البعض أحلاماً لبناءِ فجرٍ جديد في ثورةٍ ممتزجةٍ بهيجان روحينا المترقبة لمستقبلٍ آخر رغم الفوارق الكثيرة بيننا. إنتظرتُ زمنا آخر كي تعود ولكن دون جدوى. تقدم الليل وراحت قطرات المطر ترسم لحناً مكتوماً على ألأشياء المبعثرة هنا وهناك قرب الدار. نهضتُ متثاقلاً أجر أقدامي بصوتٍ مسموع على ألأرض المبللةِ بقطرات المطر . تسمرتُ قرب النار المتراقصة من قرص الطباخ في المطبخ المتواضع أراقب حركة الماء المشبع بكمية قليلة – مناسبة- لصنع فنجانٍ من القهوة. بدأت جزيئات الماء تستعد للأنطلاقِ في تناسقٍ جميل. شاهدتُ صورتها بين جزيئات الماء المتفجرة بفعل حرارة النار. كانت تنادينني عبر المسافات تستنجد بي لنذوب معا كما تذوب حبيبات القهوة لحظة الغليان. حملت فنجان القهوة عائدا صوب المكان الذي إتخذت منه موطنا لتبادل الحديث معها كلما سنحت لها فرصة للحوار والحديث عن أي شيء. تقدمت الساعات وظل موضوع الحوار اليومي معلقاً ينتظر ساعة الشروع. مسكت القلم ووضعت الهاتف المحمول قربي لعله ينطق من جديد. رحت أخط مشاعري على الورقة الصامتة أستنجد بها لعلها تمنحني عشقاً كذلك العشق الكبير المنسل خلف اروقة الصمت. إنبثق الفجر ولم يكن هناك أي شيء إلا ذوبان الروح في نعاسٍ سرمدي. غبت عن العالم المرئي إلا أنني شاهدتها في أحلامي ترتدي ملابس بيضاء وتلوح لي أنها تسكن روحي رغم عواصف الزمن ومعاناة النفوس القلقة…