الحديث عن ملف الفساد في العراق لم يتوقف يوماً منذ سقوط نظام صدام قبل نحو عشر سنوات، والكل يرفع شعار القضاء على الفساد والمفسدين،ولكنه مع ذاك يتم انتخابه من قبل شعب لا أدري لماذا يظل يذهب الى صناديق الاقتراع وهو يعلم جيداً أنه سينتخب مفسدين “:
نفس الطاس والحمّام
العراق اشلون تاليّه
حته اهل اللطم والنوح
شو طلعوا حراميه
عصابه التمت ابغداد
نِصهم مو عراقيه
محابس كلها خمسه غرام
وسِبَحْهُمْ واحد وميه
أياد علاوي مثلاً … كم من المفسدين تم الكشف عنهم ممن كانوا معه في حكومته التي قاتلت الصدريين ووصل الدم للركب ( هسه دهن ودبس) ، وهربوا دون محاكمة بينما هو الآن إذا تحدث فانه ملاك الرحمة ومنقذ الشعب وصاحب الحلول السحرية وكل هذه المصائب في العراق، يتحملها رجل واحد هو نوري المالكي.
التيار الصدري يُظهر نفسه هذه الأيام أنه الوحيد الذي يقود حملة التطهير من المفسدين، وكل مايفعله أعضاؤه هو التباري على الظهور في وسائل الاعلام. والمضحك المبكي أن معظم من تراهم في الفضائيات من هذا التيار الممسك كما يبدو ب” النزاهة”،وهو يتحدث عن ملف الفساد، تشعر وكأنك في سوق”مريدي” حيث تختفي القوانين ، أو في ديوانية إنتهت تواً من عزاء حسيني تضمن فصلاً حماسياً ساخناً من اللطم.
هؤلاء المتحدثون لا أدري كيف تم انتخابهم ليصبحوا أعضاء في مجلس النواب( خانجغان)،وكيف صاروا محققين، وهم لايتمتعون بأبسط شروط المحقق الذكي فلا قانون وقواعد أدبية أو شرعية ولاهم يحزنون:
يُعلنون أي إسم يخطر على بالهم أو يرد ذكره في التحقيق ، على الهواء وبطريقة لاتخلو من السخرية والتخوين ، بينما القضية ماتزال في طور التحقيق، والقضاء لم يحسم أمره فيها مايعني أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته.
طرح الأسماء بهذه الطريقة ” العشائرية ” ، يذكرني بروايات البلجيكي (جورج سايمنون) الذي جعل “جولز ميغريت” يظهر كمحقق فرنسي يعمل في باريس، في 75 رواية و92 قصة قصيرة، مع فارق واحد هو أن محققي ” النزاهة ” عندنا لا يدخنون الغليون كما كان يفعل ” ميغريت ” عدا أنهم يستغلون المحطة التي يظهرون فيها للتمجيد ببعضهم ، ويشتمون الآخرين من التيارات الأخرى ( فماأكثر الضجيج وما أقل الحجيج)، وجميعهم يسبح ليل نهار بحمد السيد القائد مقتدى الصدر ( عليه أفضل الصلاة والسلام) الذي مايزال ملف إتهامه بإغتيال السيد عبد المجيد الخوئي ،موجوداً في إحدى أدراج رئيس الوزراء نوري المالكي، وربما يفتحه قربباً… لا أدري!.
وعلى ذكر الملفات فقد شاهدت السياسي المستقل ( طبعاً هو من طلب من القناة الفضائية التي استضافته) مثال الآلوسي زعيم حزب الأمة ( مستقل ولديه حزب ) وهو يتهم المالكي بأنه يعمل على إبتزاز خصومه السياسيين بملفات يحتفظ بها ليبتزهم ، وفي هذا الإطار قد نضع السجال بين النائب سامي العسكري والنائب الصدري ( جواد الشهيلي) فيما يتعلق بالفساد في وزارات التيار الصدري.
والمصيبة أن الشهيلي وهو يبريء وزراء تياره ( لايذكر مافعله جيش المهدي في البصرة قبل عملية صولة الفرسان ) فانه يعلن على الملأ ، إنهم إذا كانوا مفسدين فالمالكي هو رأس المفسدين وهو متواطؤ معهم .. يابه شلون؟ : فيأتي بدليله القاطع ، وهو يعلم “شارلوك هولمز” و “هرقل بوارو” وحتى ” الآنسة ماربل ” فنون التحقيق ، محركا وهو يديه ليظهر خاتمه من فص العقيق ( التختم باليمين من علامة المؤمن) ومرددا باستمرار : أنا متشرع والمالكي هو المفسد لأن القضية تضامنية ( الله… شلون دليل!!) ….وطبعاً كل ذلك على الهواء فلا حرمة لانسان لدى محققي آخر الزمان، ورحم الله الكاتبة الإنكليزية “أغاثا كريستي”، طبعاً إذا كان هو أو الشيخ صباح الساعدي ، قد سمعا بها أو باسم الكاتب الاسكتلندي “أرثر دويل”، الذي قدم “شارلوك هولمز” كمحقق يقوم بحل كل المشكلات والألغاز المحيرة عن طريق البحث المنطقي العاقل.
وأما لغة الخطاب فهي بكل المقاييس ” سوقية ” ، أي أنها لغة شارع وليست لغة محققين ، وطبعاً، فهؤلاء المحققون يختلفون (على الهواء) عن معظم مذيعات الفضائيات ” العربية ” اللائي يغرمن بالرفع! غير مبالين بقواعد اللغة مصرين على التحدث بالفصحى وهم يكسرون المرفوع ،وينصبون المكسور ، مفضلين ” النصب “، في كل الأحوال …
أما المواطن المسكين الغارق في الأوحال ، فهو مجبر” شرعاً” على أن يُعيد انتخابهم أو إنتخاب غيرهم ممن يحصل على بركة ” السيد القائد ” .. مادامت الأمور تجري في العراق بالگوترة…
مسمار :
بغداد مبنية بتمر فلَّشْ وإكلْ خِسْتاوي
فَلّشْ وكِلْ مرگة هوه ومْنِ التمرْ سهمي النوه
جلدي على عظمي التوه من طب ابو نجّاوي
الاحزاب نهبتني نهب وماعدْهَ غير زور وكذب
فرهدتْ حنطة والشلب والتّمن الخضراوي
فرهدت صوفي والدهن وسهمي من الزرع التبن
خاف احچي ويضمني السجنْ أومي ومي صنطاوي
فلَّشْ وإكلْ خِسْتاوي