23 ديسمبر، 2024 11:05 ص

أي وطن هذا الذي نريده وندافع عنه، وقد عشنا فيه غرباء وموتى ولا نزال، فيما هو يعمل ضدنا ولصالح الحاكم، أي حاكم، لا يعرف غير زجنا في حروب تظل خاسرة، ونظل نبحث عن الوطن ولا نجده؟!
هل نريد وطنا موحدا؟ أم أننا سنقتنع بالتقسيم الذي يخيم شبحه علينا منذ سقوط النظام السابق بعد أن شرخ حكامه الجدد الشعب الى مكونات قابلة للتقسيم كلما شعر الراعي الأميركي؟ أم أن علينا أن نسعى للتقسيم للحفاظ على ما هو أغلى من الوطن وهو الانسان العراقي الذي فرط بالوطن ويحسب أنه يحسن صنعا؟!
لن أعترض إذا كان التقسيم لهذا الوطن اليتيم، الذي لا أملك منه الا اسمه ولهجتي، النتيجة الطبيعية للأزمات المتواصلة في العراق الجديد، خصوصا في ما يجري بالأنبار التي لم تدخل بازار “المقاومة” الا بعد تثبيت المحتل الأميركي أقدامه في ربوع العراق.
لا أجد أية غضاضة في منح سكان الأنبار “الاستقلال” إذا كان ذلك ما يريده الشعب هناك، ويحقق لهم الأمن والأمان، ويرفع عنهم ما يشعرون به من تهميش.
تهميش السنة أكذوبة بحجم إكذوبة الوطن الواحد والديمقراطية المقننة لصالح إنتاج ممثلين عن الطوائف والأعراق، ما دامت الانتخابات تبقى دائما غير ديمقراطية مع غياب الحرية الحقيقية لهذا الوطن، وهي العنصر الأهم في أي إنتخابات نزيهة.
ومع كل اعتراضاتي على المالكي، وأدائه في مواجهة هذه الأزمات ومنها بالطبع تصرفاته إزاء “عمليات دجلة” – وهي دستورية لكنها تتعارض مع نظام تقاسم الحصص الذي جاء بالمالكي الى سدة رئاسة الوزراء- الا أنني أرفض وبشدة القول بأنه يتحمل مسؤولية ما قد تسفر عنه هذه الأزمات من نتائج أحلاها مر وهو التقسيم.
“طبْ وانا مالي طبْ وانا مالي وانا مالي مااااااااالي”.
فالمقاولون الكورد يفرضون هيمنتهم وزعامتهم التأريخية دون انتخاب على إقليم كوردستان، ويعملون فيه كاقليم مستقل بدوافع قومية من الكورد الذين قدموا تضحيات باهضة، بينما السنّة هم من يتحمل أخطاء اختيارهم لممثليهم في البرلمان والحكومة، الذين ثبت فشلهم كمقاولين سياسيين، وحولهم المالكي “طوعا أو كرها” الى متهمين بالارهاب والتحريض عليه، وكثير منهم ثبت جرمه شاء من شاء وأبى من أبى، واللي ما يعجبه يشرب من البحر!
وإذا كان لابد من ذكر أخطاء المالكي التي تُسقط اتهام خصومه له بالديكتاتورية (وهم طبعا يمارسون أبشع أنواع الديكتاتوريات مع ناسهم) لأن المالكي يستمع كثيرا الى مستشاريه “الخائبين” الذين ورطوه كثيرا فيما ليس له فيها يد، فيلزم القول بأن المالكي عجز حتى الآن في تسويق نفسه كرئيس وزراء نزيه للعراق كله، عندما لم يحاسب بجدية متهمين من أتباعه بالفساد ولم يفتح ملفات اغتيال مريبة هو متهم بها أو أتباعه، وعندما ترك الحبل على الغارب لبعثيين سابقين جرب العراقيون جرائمهم في الاعتقالات والحرب على الارهاب والتحقيق الذي انتهك في الكثير من تفاصيله حقوق الانسان.
ولمناسبة ذكر حقوق الانسان فعلى المالكي أن يختار للوزارة التي تعمل تحت إمرته باسم “وزارة حقوق الانسان” شخصا كفوءا شجاعا ذاق ويلات النظام السابق، ويملك الجرأة والشجاعة في كشف الانتهاكات الخطيرة في السجون وأثناء الاعتقال وقبله وبعده. وأن يعمل مدافعا عن حقوق الانسان لا بوقا للمالكي وللحكم الذي لا يمكن أن يكون نقيا بريئا خصوصا في هذا الوطن الميت مذ عرفناه.
وعلى العموم فان السنّة الذين ذاقوا أيضا “عدل” صدام في توزيع العذاب على العراقيين، ليسوا مهمشين في نظام تقاسم الحصص، ويمسكون بالكثير من مراكز النفوذ والسلطة في البرلمان او الحكومة، ينبغي عليهم تغيير اتجاه البوصلة في مظاهراتهم، لتكون موجهة ضد المتسللين ومن باتوا ممثلين عنهم، يستغلون معاناتهم، وأخطاء المالكي، لعقد صفقات تؤكد بالفعل أنهم مقاولون سياسيون، أو أن يرضوا بهم لكن في وطن آخر ليسموه ما شاؤوا، أما العراق فاتركوه للبائسين من أمثالي الذين يبحثون في الأصقاع عن وطن بجواز سفر لا يهش ولا ينش، يجعلني دائما متهما في المطارات حتى في أكثر الدول إدعاء بالحريات وقبول الانسان دون النظر الى عرقه ودينه ووطنه، والترك داره قل مقداره.
العراق يا جماعة وطن يباع ويشترى، ونحن لم نحصل منه غير البؤس والشقاء والغربة والموت حسرة عليه، وقد سرق سني العمر منا ونحن نردد مكابرين:
موطني / كالعَـبـيــدْ كالعَـبـيــدْ.. فأي وطن تريدون؟ / إن لم يكن بنا كريما آمنا / ولم يكن محترما / ولم يكن حُرا / فلا عشنا.. ولا عاش الوطن!
وما تضيك إلا تفرج.. والعاقل يفهم.
مسامير:
أبي الوطن / أمي الوطن / أنت يتيم أبشع اليُتم إذن / أبي الوطن / أمي الوطن / لا أمك أحتوتك بالحضن / ولا أبوك حن! / أبي الوطن / أمي الوطن / أبوك ملعون / وملعون أبو هذا الوطن! (…) نموت كي يحيا الوطن، يحيا لمن؟ من بعدنا يبقى التراب والعفن. نحن الوطن.. أحمد مطر.