18 ديسمبر، 2024 8:46 م

فلوجي السكن بغدادي الهوى عراقي الولاء

فلوجي السكن بغدادي الهوى عراقي الولاء

انا في العرف مواطن وفي الانتماء عراقي الولاء  اسكن مدينه من مدن العراق تسمى الفلوجه تتخذ من الفرات وساده لها ومن مآذنها شموخا تباهي به المدن وتناجي به الله   تمتاز كبقية شقيقاتها من مدن العراق الغالي  بطيبة اهلها وتسامحهم وكرم قلوبهم المعطاء حبا للعراق  احببتها سكن لي ومأوى لكن شاءت الاقدار ان اهجر منها  واهجرها مرغما لثلاث مرات  خلال عشر سنوات من الزمن واذا كان التهجير الاول والثاني له ما يبرره سيما اذا عرفنا بان النزوح او الهجرة الاولى والثانية وقعت تحت ظل الاحتلال الامريكي الذي لا يعنيه من امرنا شيء وجل اهتمامه تحقيق مأربه وأهدافه  بغض النظر عن الوسيلة  وربما كررها في اكثر من مكان وفي اكثر من مدينه لكن ماذا اقول عن التهجير الثالث الذي  احدث في نفسي ونفوس الكثير من العوائل المهجره  بالغ الالم واشد الاوجاع  حتى فاض الصدر كدرا ونكدا والحصره  تعصر ثنايا الفواد ونحن مودعين مدينتنا هاجرين لمنازلنا مرغمين   وكيف لا نشعر بالمرارة والأم والظلم الواقع علينا والخطر الذي يداهمنا  سيما وان ظلم ذوي القربى اشد وقعا على النفس من سواه هجرنا مدينتنا بل تركناها مهجرين وعيوننا تترقب ورقابنا مشدودة الى الخلف لا تريد ان تفارق لكن وطأه القصف الذي طال المدينه وأحياءها السكنية جعل من هجرتنا  امرا لا مفر منه . هاجرنا وبتنا نازحين او مهجرين  وصرنا موضوع للقنوات الفضائية وصورنا تملئ الشاشات وصفحات الجرائد والمجلات مقرونة بشتى انواع التعليقات بين شامت وغاضب وآخر يتمنطق بحروف وكلمات مستغلا وضعنا كمادة اعلاميه له ولكتلته و حزبه محاولا ان يجعل منا وليمة  انتخابيه دسمه  كما حاول البعض الاخر الأعتياش  والتطفل على وضعنا  والارتزاق من مأساتنا . نزحت وفي العرف بت مهجر وصار لزوما ان اتبع لوزارة الهجرة والمهجرين وأتابع اخبارها  ونشاط المنظمات الأغاثيه والانسانيه الاخرى التي لم اجد من اغاثتها شيء ولا من انسانيتها موقف  وبعد ثلاث مراحل من الترحال والتهجير من مكان الى اخر بحثا عن الامن والأمان استقر بنا الحال في بغداد المدينه التي اعشق هوائها واحترم اهلها واجلهم  المدينة التي يسحرني نهرها وتشدني للحنين ضفتيه  , بغداد السلام والوئام  المدينة الغافيه بين ذراع التاريخ والحضارة  المدينه التي لطالما تمنيت ان  يكون لي فيها بيت ومستقر لكن السكن بالإجبار ومن باب الاضطرار ليس كالسكن حين يكون بالاختيار والقرار لهذا كان هدف العوده يراود مخيلتي والرغبه تشدني الى حيث داري ومدينتي  وبالذات حين يسألني اطفالي  سؤال  الصباح التقليدي (متى نرجع الى بيتنا يابابا ) سؤال بت اتحاشى سماعه  و اتجنب الاجابة عليه وبعد خمسه وأربعون يوما من النزوح والتهجير تناقلت القنوات تصريحات عسكريه وسياسيه تفيد بوقف العمليات العسكريه وإيقاف القصف العشوائي الذي كان سبب هجرتي وآلاف العوائل الاخرى . وقد اكد الخبر من الشخصيات الحكوميه المحليه  منها والمركزية  وعلى اثر هذه الانباء عزمت العوده الى بيتي ومدينتي الفلوجه  بعد ان سألت عن الطرق المؤديه الى هناك وقد اهتديت ان اتعقب سيارة نقل عام متجه الى حيث مقصدي والسير خلفها في الطرق الوعرة وبين الممرات الضيقه عابرا القناطر والجسور المتحركة والثابتة في رحلة استغرقت اكثر من ست ساعات  في حين ان المسافة بين بغداد والفلوجه لا تتجاوز ال 65 كم فقط  وما ان وصلنا الى مدينتنا الغائبة عنا حتى وجدتها ليس كالتي تركتها او تلك التي اعرفها فشوارعها فارغة وأسواقها مهمله وبيوتها مدمره او مهدمه متنزهاتها خاليه  وحدائقها عطشى  والزجاج يملئ افرعها الداخليه  وما ان وصلت الى بيتي حتى وجدته لا يختلف عن البيوت الاخرى التي طالها القصف والتخريب والدمار ودخلت  في باحاته الداخليه  من دون الحاجه لفتح الابواب التي باتت ممرات  مفتوحة وموحشة وقفت فوق الركام  محتسبا الى الله مناجيا لعزته عبر الفضاء المفتوح الذي احدثه القصف في سقف منزلي وأنا ارقب الى الدمار والتخريب الذي احدثته القذيفة العمياء  فالأبواب لم يعد لها وجود والنوافذ لم يعد لها معنى بعد ان تحولت الى ركام من زجاج  ولعب اطفالي تبكي بعضها بعضا وهي مغمورة تحت الانقاض مهشمة الاجزاء ومقطعة الاوصال اما حديقة المنزل صارت مكب لنفايات من الاحجار والزجاج ومواد البناء الاخرى المتراكمة من جراء العصف والقصف والقطط التي كانت ترعى صغارها لم تسلم هي ولا ابناءها الرضع  بعد ان تحولت كلها الى اشلاء بلا ملامح  والحمامة التي كانت تتخذ من نخلة الدار عشا لأفراخها  خرس هديلها وتحول صغارها  الى ريش متقطع الاجزاء  …… ابكتني تلك الحمامه بقدر بكائي على داري  كلانا  عشه مهدم  من اثر القصف او العصف ….  عدت ادراجي  الى بغداد مودعا بيتي بدموع وحصره وألم  ….وصلت الى بغداد وحمدت الله على سلامتها وسلامة اهلها لكن هوائها يثير في الشوق والشجون  وحنين العوده الى مدينتي وان كانت بغداد اجمل وأروع لكن اقول ما قالته ميسون الكليبي في حنينها الى دارها وهجرها  القصر ودار الاماره
لبيت تخفق الأرواح فيه
وآكل كسيرة في كسر بيتي
         أحب إلي من قصر منيف
أحب إلي من أكل الرغيف   

[email protected]