23 ديسمبر، 2024 2:11 م

فلنتعلم من سنغافورا

فلنتعلم من سنغافورا

سنغافورة بلد صغير من بلدان اسيا كان الى ماقبل ستينات القرن الماضي بلد متخلف في جميع المجالات الخدمية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية … وكان مثالا للفقر والجهل وسؤ الادارة والفساد في جميع الميادين فالامية منتشرة والطرق متهالكة والدور العشوائية في كل مكان والخدمات الصحية تكاد تكون معدومة فضلا عن انعدام الماء الصالح للشرب ناهيك عن انتشار البطالة والمخدرات والجريمة بل تعدى الامر الى ان يشتكي رئيس وزراءها انذاك نيكوان يو من انعدام اخلاق شعبه وتصرفات اهل بلاده اللاحضارية.وسنغافورة تاريخيا كانت اقليما صغيرا انفصل واستقل عن ماليزيا عام 1965 وكان ذلك الانفصال القهري نتيجة لعوامل سياسية وتاريخية لها علاقة بقرارات المستعمر البريطاني المهيمن على مقدرات المنطقة في حينها . هذا الانفصال المفاجيء ولد صدمة وصفعة كبيرة للحكومة والشعب السنغافوري الذي لم يكن مستعدا ابدا لهكذا قرار نتيجة للفرق الكبيروالشاسع بين مقدرات ومؤهلات الماليزيين والسنغافوريين فمساحة ماليزيا كانت تعادل 480 ضعف مساحة سنغافورا تقريبا وماليزيا تحظى بموارد كبيرة ومهمة كالخشب والمطاط والثروات الطبيعية المتعددة بينما لم تكن سنغافورة تحظى بشيء من ذلك كله اضافة الى معاناتها من شح المياه الذي كان يعتبر مشكلة كبيرة تواجه السنغافوريين وتؤرقهم باستمرار هذا الانفصال والاستقلال القسري كان يعني ايجاد دولة تفتقر الى ابسط الموارد لديمومة اقتصادها وهي التي كانت تعتمد في ادامة زخم حياة شعبها على ماتجود به الدولة الام من موارد بسيطة تسير بها شؤونها اضافة لمشكلة انعدام الموارد المالية فقد كانت تواجه السنغافوريين مشكلة محبطة اخرى وهي تعدد الاعراق والاديان والاثنيات فشعبها من اصول واعراق شتى فهو يتكون من الصينيين والملايويين والهنود والاورو اسيويين اضافة الى المسلمين من اصول ماليزية هذه الاعراق والاقوام لها خصوصيات مختلفة فلكل فرقة دين ولغة وتقاليد تختلف عن خصوصيات الفرق الاخرى وقد كانت الصراعات الاثنية والعرقية تتفجر باستمرار مولدة احداثا عنيفة ومعارك متجددة تحدث في شوارع المدن السنغافورية مولدة احقادا وردود افعال تستمر اسابيع واشهر طويلة .هذه المشاكل المعقدة كانت تمثل امام رئيس الوزراء السنغافوري جبلا جليديا عاليا امام مسيرة قيام دولة حديثة باسم سنغافورة …. وادرك ان من اول الخطوات التي يجب عليه القيام بها هو اذابة هذا الجبل الضخم من المعضلات من اجل النهوض بسنغافورة وديمومة حياة شعبها ..
وضع الرجل خطواته الاولى مكاشفا الجميع ان الدولة والحكومة يجب ان تكون للسنغافوريين وحسب وان سنغافورا هي فوق كل الاعراق والاثنيات والمسميات الاخرى وان على الشعب السنغافوري من اجل ان يحيا حياة كريمة عليه ان يترك كل المسميات والالقاب والانحيازات في مقابل الدولة ومصالحها وكانت اولى خطوات تنفيذ هدفه (سنغافورة اولا ) ان غير المنهاهج الدراسية السنغافورية وفقا للهدف الجديد وبالرغم من ان رئيس الوزراء السنغافوري (نيكوان يو ) كان من الاغلبية الصينية التي تشكل اكثر من 50 % من السكان الاصليين الا انه قررالتجرد من انتماؤه وقرر ان تكون لغة الدراسة هي اللغة الانكليزية للتخلص من فرض وافضلية لغة على لغة اخرى من اللغات واللهجات المتعددة فيها
.الامر الثاني الذي قررته الحكومة السنغافورية الحديثة للدولة الناشئة ونتيجة لفهمها الواقع المتخلف والجاهل للشعب السنغافوري ومعرفته بان تطلعات شعبه لاترقى الى ما يبغيه من تطور البلد نتيجة للفوضى وعدم التنظيم التي الفها اهل البلد  هو اصدارها قوانين صارمة جدا قل نظيرها ان لم تكن لاشبيه لها في بلد اخر وشددت الدولة في تطبيقها على الكل دون استثناءات او محاباة لتكون وسيلة رادعة في تبدل الطبائع الرديئة والعادات السيئة والتقاليد الموروثة المتخلفة التي كانت تميز قطاعات واسعة من السنغافوريين حتى باتت القوانين  هناك من اشد القوانين العقابية في العالم ولهذا السبب سميت بلاد الغرامات فلا يمكن ان تجد مخالفة مهما بلغت تفاهتها الا وشرع لها المشرع غرامة شديدة تحد من ارتكابها وتردع مرتكبها .كل هذه الخطوات اضافة الى قرارات حكومية مشددة وصارمة تشمل كل هرم الدولة والحكومة في محاربة الفساد الذي كان مستشريا في كل ارجاء البلاد من موظف البريد الى الوزير وتقديم المفسد دون اعتبار لمنصبه وعرقه ومكانته الدينية او الاجتماعية ادت خلال العشر سنوات الاولى الى جلب مليارات الدولارات من الاستثمارات الاجنبية ليتغير الواقع الاسود لسنغافورا الى واقع مشرق وبناء متلاحق وبالتالي انتقلوا من شعب يستحم ويطبخ وينام وياكل ويبصق في الشارع الى شعب يعيش في انظف واجمل وانظم المدن ومن بلد يعاني من كل مشاكل الدنيا الى بلد حضاري منظم وارتفع دخل المواطن السنغافوري من 400 $ سنويا عام 1965 الى اكثر من 31000 $ عام 2010 فيما كان دخل الفرد السنوي للمواطن الماليزي عام 2010 يعلدل 12000 $ مع الفوارق التي قدمناها بين البلدين
.كل ذلك ما كان ليحصل لولا تصميم وارادة القيادة السنغافورية المتمثلة بالاداء الرائع والمميز لرئيس وزرائها نيكوان يو وتصميمه مع رفاقه المخلصين على الرقي بشعب سنغافورا وقيادتهم نحو افاق جديدة من التقدم خلال 30 سنة من حكمه بقي ان نقول ان نيكوان يو اختاره الشعب السنغافوري لرئاسة الوزارة ثماني مرات من عام1960 الى عام 1990 ولم يرشح نفسه للمرة التاسعة معتذرا لشعبه انه ماعاد قادرا على تقديم الافضل لهم بعد ان اضحت سنغافورا البلد الصغير بإمكانياته وقدراته وموارده ومشاكله الكبيرة من اهم عشر دول ذات تاثير اقتصادي واستثماري وسياحي مؤثر في العالم .

ملاحظة ((فكرة المقال ماخوذ بتصرف عن برنامج تلفزيوني اقتصادي بث على شاشة احدى القنوات الفضائية الدولية