حقاً لقد تحققت نبوءة النبي محمد ( ص ) عندما قال ( ص ) سيعود الإسلام غريباً كما بدأ غريباً .. هكذا تنبأ الحبيب المصطفى محمد أبن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قبل أربعة عشر قرناً , النبي الأمي الذي لا ينطق عن الهوى .. (( إن هو إلا وحي يوحى ))… حقيقة أصبحنا ندركها يوماً بعد يوم ونعيش كافة فصولها في مشارق الأرض ومغاربها , ويدفع ثمنها وضريبتها الباهظة جميع المسلمين يوماً بعد يوم في شتى أصقاع العالم . من بورما التي يذبح فيه المسلمون وينحرون كالخراف بالآلاف , إلى أمريكا راعيت الحريات والديمقراطيات في العالم ,التي تسمح حرية التعبير فيها بالإساءة لأشرف الخلق وخاتم الأنبياء محمد ( ص ) وللرسالة السماوية التي خص بها العرب , وحتى في بلغاريا هذا البلد الفقير الذي كان جزء من الإمبراطورية الإسلامية العربية ومن ثم العثمانية , اليوم بدأت فيه نار الحقد تخرج وتستعر من تحت الرماد الذي خفت على مدى قرن من الزمن .. شاهد أخي المسلم كيف يتم التعامل وكيف يستهدف المسلمين أثناء تأديتهم صلاة الجمعة الجامعة الموحدة التي تدعوا للسام وللسلام وللأمن وعبادة الواحد الأحد الرحمن الرحيم , شاهد كيف يتم استهدافهم والاعتداء عليهم بوحشية بدون أي ذنب , وغداً وبعد غد ستتكرر هذه المناظر وهذه المشاهد في جميع دول العالم التي تقطنها الأقليات المسلمة , وسيحدث لهم قريباً كما حدث بالأمس لمسلمي البوسنة والهرسك في تسعينيات القرن الماضي من قتل وخراب ودمار لبلدهم الآمن فقط لأنهم مسلمين , ارتكبت بحقهم مجازر وحشية بشعة لم يرتكبها حتى النازيون الألمان في أواخر ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي , من منا لم يشاهد تلك الجرائم التي ارتكبها الصرب على مدى ثلاث سنوات … لم يحرك خلالها العالم ساكناً ولم تحرك أمريكا والعرب وأكثر من مليار مسلم جيوشهم وأساطيلهم لإنقاذ المسلمين والمسلمات والأطفال الأبرياء الذين أقدموا الصرب المجرمين حتى على قطع أعضائهم التناسلية بالسكاكين الحادة لأنها تدلل على أنهم مسلمين , واغتصبوا أكثر من 70 ألف مسلمة قاصرة ليحملن في أحشائهن سفاحين صرب جدد , هذه المشاهد وهذه الجرائم ستتكرر قريباً في أمريكا وفي السويد وفي ألمانيا وفي فرنسا وفي جميع أنحاء العالم ضد المسلمين .. كردة فعل مبررة من قبل هذه الشعوب التي يعيش المسلمين بينهم كلاجئين مرغمين ومكرهين بسبب هروبهم من جحيم الحروب والفقر والعوز والفاقة وقمع الأنظمة العربية واللا إسلامية في الدول العربية والإسلامية لهم ؟.
للأسف ردة فعل المسلمين على هذا الفلم المسيء خاطئة وقاتلة وأكثر إساءة من الفلم نفسه , وهي بحد ذاتها غوغائية وغير مبررة وغير حضارية , فبدل أن تقوم هذه الجموع الغاضبة والثائرة لنصرة الدين والرسول عن طريق استهداف السفارات واستهداف موظفي السفارات والقنصليات والبعثات الدبلوماسية , وقتل السفراء الآمنين في سفاراتهم . كان يجب عليهم وعلينا كعرب وكمسلمين أن نقوم بأبسط عمل حضاري راقي يجعل العالم بأسره يتفاجئ وينبهر برقينا وحضارتنا وتسامح ونبل ديننا العظيم , وكان علينا أن نقابل الإساءة بالإحسان وليس بالقتل والخراب والدمار الذي يراد من خلاله تشويه سمعة وصورة العرب والمسلمين , كما فعلوا بالأمس القريب من خلال تنصيب حكومة طالبان على أفغانستان التي أعطت المبرر والذريعة لاحتلالها وقتل شعبها بعد الحقبة السوفيتيه السوداء .. والآن من خلال حكومة العراق الحالية المتخلفة التي تدعي الإسلام وتطبيق أحكامه من خلال استهدافها للمسيحيين وللنوادي وللكنائس على حد سواء , وكذلك من خلال وصول حكومة ملالي طهران للحكم أيضاً وإعطائهم هذه الصورة والتصور القاتم عن الدين الإسلامي الحنيف , وكذلك من خلال ما يسمى تنظيم القاعدة وغيرها من المنظمات الإرهابية المتطرفة والمتخلفة والمدعومة والممولة من قبل الغرب ومن قبل إيران , والتي تريد نشر رسالة التوحيد والجهاد التي جاء بها الإسلام ونشرها المسلمين الأوائل من خلال جز الرؤوس وتفجير الطائرات وقتل الأبرياء في المدارس والحافلات , وهذا بالضبط ما يريده ويدعمه أعداء العرب وأعداء الإسلام والمسلمين , وينفذه هؤلاء الرعاع والمندسين بينهم بكل حذافيره , فبمجرد استفزاز بسيط لنا كعرب من خلال حاقد ومندس وخائن وعميل يكره ويحقد على جميع بني البشر وعلى جميع الرسالات السماوية , نقوم بهذه التصرفات المشينة والهجينة على ديننا وعلى عادتنا العربية الأصيلة التي اتصف بها العرب حتى قبل الإسلام .
كان من الأولى والأجدر بجميع شعوب الدول العربية والدول الإسلامية للرد على أمريكا أو غير أمريكا , للتنديد بهذا الفلم البائس وكخطوة أولى أن يقوموا بمقاطعة البضائع الغربية وخاصة الأمريكية , إذا كانوا فعلاً جادين ومتحمسين لنصرة نبيهم ودينهم وتحديداً : عدم شراء السيارات والطائرات والملابس والبضائع الأخرى وغيرها ؟, وكان الأجدر بثوار ليبيا الجدد الذين كانوا ينتقدون نظام القذافي بأنه مجنون ويدعم المنظمات الإرهابية .. فبدل أن يقتلوا السفير حتى لو كان هذا السفير صهيونياً ماسونياً فلا يجوز قتله بهذه الطريقة اللا إنسانية , أن يقوموا بحمايته وإعطائه زمن محدد لترك ليبياً تمهيداً لقطع العلاقات الدبلوماسية مع بلده, وبدل من أن يحرقوا السفارة أو القنصلية , كان يجب عليهم أن يقوموا بحرق الأسلحة الأمريكية التي يقتلون بها بعضهم البعض منذ أكثر من عام , أو يقوموا بحرق السيارات أو البضائع الأمريكية , أو منع تصدير ونهب الثروات النفطية الليبية وغير الليبية إلى أوربا وأمريكا , أما قتل النفس البريئة وقتل الرسل والمبعوثين والسفراء إلى دول العرب والمسلمين يعتبر جريمة بحق البشرية وبحق الإنسانية , ولم ترتكب عبر التاريخ إلا مرة واحدة عندما بعث الرسول ( ص ) : ( الحارث بن عمير الأزدي ) إلى ملك بصرى من أرض الشام يدعوه إلى الإسلام , فما كان من ملك بصرى ( شرحبيل بن عمرو الغساني ) , إلا أن قتل الرسول الذي أرسله رسول الله ( ص ) , فاشتدّ ذلك على النبي ( ص ) كثيراً , إذ كان هذا هو أول رسول له يُقتل على خلاف ما جرت العادة من إكرام الرسل وعدم التعرض لهم , فدعا الرسول الناس للخروج ومقاتلة الروم حتى يضع حداً لهذه التصرفات الهمجية ولأجل تأديبهم , وسرعان ما تجمع عند النبي ( ص ) ثلاثة آلاف مقاتل .
فمن باب أولى لنا كمسلمين أن نقتدي ونهتدي بهدي سيد الخلق ومعلم البشرية , وأن نتعلم منه السمو والتسامح واحترام السفير أو المبعوث حتى لو كان عدواً .. وأن لا نقدم على ارتكاب مثل هذه الأعمال والأفعال الشنيعة والمشينة التي بدورها تكرس وتدعم النظرية والمقولة السائدة بأن الدين الإسلامي دين قتل وعنف وسفك دماء الأبرياء , بالضبط كما كانت ردت فعل الخميني في ثمانينات القرن الماضي على الكاتب البريطاني الهندي الأصل ( سلمان رشدي ) آنذاك , بسبب تأليفه وإصداره كتاب الآيات الشيطانية , والتي جعلت منه هذه الفتوى الشيطانية أيضاً … بأن يشتهر ويصبح أشهر من نار على علم , خاصةً بعد أن أصدر الخميني فتواه الشهيرة بهدر دمه , الأمر الذي أكسبه الشهرة العالمية , والحماية الدولية , ولكتابه الترويج والمبيعات الخرافية , وهذا الأمر يتكرر كلما هدأت عواصف الحقد والبغضاء تجاه الإسلام والمسلمين , ثم تلتها أحداث 11 أيلول سبتمبر 2001 , التي أعطت غطاء وذريعة لإحتلال بلدين عربي مسلم وآخر مسلم , لازال مئات الملايين من العرب والمسلمين يدفعون ضريبته وتبعاته المدمرة حتى هذه اللحظة , ومن ثم تبعتها الرسوم المسيئة أيضاً للرسول إلى الأفلام الإباحية إلى هذا الفلم البائس الذي يبحث من يقفون وراءه إلى الشهرة وجمع المال والتشهير بالإسلام والمسلمين وإظهارهم على حقيقتهم المتخلفة والبائسة أمام العالم , على أنهم ليسوا أصحاب رسالة ودين سماوي مسامح ودين سلام لكافة بني البشر , وستشهد الأيام والأسابيع ما يؤكد لنا بما لا يقبل الشك بأن هذا الفلم الأمريكي القبطي سيكون من أكثر الأفلام مبيعاً ومشاهدةً , ستفوق ملايين المرات عن مشاهدة فلم الرسالة الرائع الذي أخرجه الراحل المخرج السوري المرحوم ( مصطفى العقاد ) قبل ثلاثة عقود .
تصرفات المسلمين العفوية الغير مدروسة والغير محسوبة العواقب على الإسلام والمسلمين وحتى على شخصية الرسول الكريم ( ص ) , وكذلك ردة الفعل العنيفة لبعض البسطاء في عدة دول خاصة في مصر وليبيا واليمن , سيعطي أعداء هذا الدين والعرب والمسلمين عامة, تفويض قانوني وحق مشروع ستتخذ منه أمريكا والغرب والدول الطامعة بثروات وخيرات العرب الحق في التدخل والغزو والاحتلال المباشر لهذه الدول , تحت حجج وذرائع عدة , كالتي أعبقت استرجاع الكويت , وكالتي أعقبت أحداث 11 أيلول , وكالتي أعقبت البحث عن أسلحة الدمار الشامل في العراق , وكالتي أعقبت بزوخ فجر الربيع العربي , عندما أقدم الناتو على سحق وتدمير ليبيا , وسحق وحرق سوريا الآن … والحبل على الجرار بعد حرق السفارات والقنصليات الأمريكية والغربية الآن وقتل السفير الأمريكي قبل ثلاثة أيام , هذه العوامل والأسباب ستعطي أمريكا وحلفائها الحق على التدخل المباشر وإعادة النظر بمن جاءت بهم للسلطة بحجة الربيع العربي سوى أن كان في ليبيا أو مصر أو تونس , والعذر جاهز وهو عدم وجود حكومات وسلطات وجيش وشرطة تحمي المواثيق والمعاهدات الدولية وقرارات وقوانين الأمم المتحدة الموقع والمتعارف عليها من قبل جميع دول العالم , وخاصة حرمة وحصانة البعثات والهيئات والسفارات الأجنبية .
هذه الفورة .. فورة الدم .. والحمية المزعومة للدفاع عن الرسول ( ص ) بهذه الطريقة الهمجية مجافي للحقيقة والواقع وللرسالة العظيمة التي جاء بها نبي الإسلام والرحمة والمحبة محمد ( ص ) , فمتى نتعظ ومتى نتعلم من الدروس التاريخية القريبة والبعيدة .
لماذا لا تثور ثائرة وحمية شعوبنا العربية على مدى أكثر من نصف قرن …؟؟؟ فهذه فلسطين وهذا بيت المقدس الشريف أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين يحتل ويدنس منذ أكثر من ستة عقود , ويقتل ويهجر أبناء فلسطين , وتهدم البيوت على رؤوس ساكنيها ,وتبنى مكانها المستوطنات لعصابات القتل والجريمة التي تأتي من جميع أنحاء الأرض لتستوطن هناك , وهذا العراق بالأمس القريب اجتاحته الدبابات والطائرات والبارجات الحربية والمدمرات وحاملات الطائرات من الأراضي والأجواء ومياه الدول العربية كقناة السويس , يدمر ويحاصر ومن ثم يحتل ويسلم بيد دولة عدوة مارقة على طبق من ذهب , يقتل خيرة أبنائه من العلماء والأطباء والطيارين والمهندسين والقادة والضباط العسكريين , وتنهب وتسرق وتزور عملته وأرصدته إيران كما يحلوا ويطيب لها ولعملائها , وهذه سوريا اليوم تدمر وتدك على رؤوس ساكنيها ويرتكب بحقهم نفس ما تم ارتكابه بحق العراق على مدى عقدين , وهذه تركيا تمنع الماء من الوصول للعراق وباتت تقايضنا بالماء مقابل البترول , وهذه إيران تغلق مجاري الأنهار وتحول مجاريها إلى داخل أراضيها بتدخل إجرامي فج وسافر حتى بحق قوانين الطبيعة , ناهيك عن تدخلها القاتل والسافر حتى بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف وتحريفها للقرآن والسنة النبوية , عندما تقوم بتحليل القتل الطائفي , وتقوم وتفجير كل من يختلف معها بالمذهب والرأي والعقيدة , هذا بالإضافة إلى احتلالها المباشر للأحواز العربية العراقية وخطفها ومحاصرتها لعشرة مليون عربي عراقي أحوازي , تسومهم سوء العذاب وتنكل بهم وتقتل وتغتصب وتعدم متى ما تشاء على مدى 90 عاماً .
فمنذ احتلال الأحواز العربية العراقية عام 1925, واحتلال فلسطين عام 1947, واحتلال العراق عام 2003 , وحتى الآن .. قتل وأبيد من العرب والمسلمين أكثر بكثير ممن قتلوا مجتمعين من سكان العالم في الحربين العالميتين الأولى والثانية , ونهبت خيراتهم وثرواتهم وأصبحوا لاجئين في جميع أنحاء العالم يشحذون وطن وأمن وخبز , فلماذا لم يتحرك العرب والمسلمين لنصرتهم ونجدتهم بنفس الطريقة وبنفس الوتيرة التي يتم تأجيجها الآن بشكل مدروس ومقصود لإثارة الفتن والحروب , ليتم الإجهاز على ما تبقى من هذه الأمة من كرامة وسيادة وطنية , وما مجيء ما يسمى بالحكومات العربية الجديدة التي أفرزها احتلال وتدمير العراق , وكذلك ما يسمى بالربيع العربي المزعوم إلا خير دليل على ما يعد ويهيأ لهذه الأمة من سيناريو وفخ إجرامي رهيب سيجعل الدول العربية والإسلامية تتساقط الواحد تلو الأخرى في حضن أمريكا وإسرائيل وتركيا وإيران , بالتزام مع استهداف وقتل الأقليات العربية والإسلامية في شتى دول العالم والذي بدأ في بورما والآن في بلغاريا وغداً أو بعد غد ربما في ألمانيا أو السويد .
شاهد في هذا الفلم : ما جرى للمسلمين في بلغاريا أثناء تأديتهم لصلاة الجمعة , والذي سيكون غيض من فيض لعموم المسلمين المنتشرين في جميع دول العالم , وردود أفعال ستكون مبررة وغير مستهجنة على أثر الهجوم الغوغائي على السفارات الأجنبية في الدول العربية والإسلامية .