وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا*فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا
ربما وقع الفلاسفة التنويرون في رغبة الإنسان بحصر المشكلة في عنصر واحد عندما أرادوا الحديث عن النفس، فهنالك من رسم الأمر على الجسد ونسب الغرائز له، وهنالك من فصل العقل عن الدماغ في لا مكان وبنى على ذلك فسمى ذلك الروح وقال إنها خارج الجسد ومتصلة به في آن واحد، وقال إن الخلل النفسي بها لأنه اعتبر الغرائز مشكلة، بينما نسب آخرون إلى الدماغ ما يحصل من اضطراب نفسي.
تسوية النفس التي أشار إليها القرآن هي دخول النفس لقيادة الجسد وانسجامها معه، ثم انسجامها مع محيطها ابتداء من الاسم الذي أعطاه لها الأبوين، فالطفل قبل أن يقول أنا تقول نفسه فلان أو فلانة تريد، أي من تسمونه بهذا الاسم يريد، ثم تقول أنا، إن العقل ليس اسما، فالعقل لم يرد إلا كفعل في القرآن من منظومة عقلية تتكون من السمع والبصر والفؤاد وهي أجهزة حسية تحول معلوماتها إلى القلب واللب مقدمة الراس حيث التفكير والنفس التي تدير كل هذا فهي مسؤولة عن كل هذا (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِۦ عِلْمٌ ۚ إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَٰٓئِكَ كَانَ عَنْهُ مسؤولا)…. والمسؤول هنا يعني النفس التي تهيمن على القرار.
القلوب التي في الصدور مؤكدا ليست المضخة التي في الجوف والتي يمكن إبدالها بمضخة بلاستيكية، والصدر هو المقدمة، وراس الإنسان هو صدره ومقدمته هي الناصية حيث موضع القرار وفق المعلومة المتاحة والاختبار للإنسان بها فهي من تقرر ومن تنحرف بالقرار، سواء بعد علم أو بجهل.
النفس ملهمة بعوامل التقوى والفجور، تميز تماما بين الاثنين فذاك من ماهيتها وليس سؤالا فلسفيا مقلقا، لكنها في الوقت ذات مرتبطة ارتباطا متجانسا متناسقا مع الجسد (وما سواها) فهنالك أمور في طبيعة الجسد وحاجاته العضوية وهي من (القضاء) كعمل الأجهزة اللاإرادية وهنالك ما هو مسيطر عليه من حاجات وغرائز، فالغرائز كحب التملك، السيادة والنوع والبقاء، وهذه اقوى الغرائز عند الإنسان وتحتاج قدرة للسيطرة عليها باختلاف حالاتها، أما الحاجات كالمأكل والمشرب فهي من الضروريات للبقاء، كونها مواد أولية لصناعة الطاقة في الجسد، والغرائز هي دوافع لإدارة الحياة وديمومة السلالة، وما نلاحظه في القرآن إن الله يحث الإنسان على الحياة وبنائها والتمسك بفاعليتها والرسول ص يقول “إنْ قامَتِ السّاعةُ وفي يدِ أحدِكُم فَسيلةٌ فإنِ استَطاعَ أن لا تَقومَ حتّى يغرِسَها فلْيغرِسْها”
الفكر الإسلامي بأصله يعطي للحياة قيمة أساسية وهي ساحة خلق الله المكرم بمنظومته العقلية وامتحان لها بالإبداع وهو عكس ما يطرح اليوم حول تقييد الإبداع بتعريف البدع العقدية التي انتشرت نتيجة دخول الفكر اليوناني وما رافقه مع المترجمين
ما أتانا من منقول فهو يجعل الحياة وكأنها ليست مهمة وإنما الحياة ما بعد الموت، وهذا من التأثر بأفكار مستوردة أو وضعت في التعليم عمدا ليكون عنصر خضوع وهو ما انتقده نيتشه في وصفه ديانة محيطه بانها لا تعطي قيمة للحياة وإنما تجعلها كلها بعد الموت.
لن أناقش أفكار فلاسفة الإغريق الذين أثرت أفكارهم في فهم حقيقي للمفسرين والمفكرين أو أفكار العصر الحديث في تحديد ملامح هوية تملك الحل والأجوبة فعلا، فالفلاسفة الأوائل يتحدثون عن الألوهية وظهرت نظرية الفيض والأقانيم الثلاث عند أفلاطون الإغريق ق.م وأفلوطين مصر ب.م بثلاثية (الله، العقل، النفس) وهي مستمدة من نظرية الفيض وهذه أسئلة أصلا محلولة في القرآن ولا تحتاج لنقاش.
أما الفلاسفة الذين يسمون بالتنويرين، فهم وصفوا ولم يميزوا الحاجات والغرائز كذلك الفلاسفة الإغريق من قبل ذلك ومن تبنى أفكارهم من الفلاسفة كالفارابي وابن سينا وبعض الفلاسفة ووصفوها بظواهر السلوك وليس كمنظومة.
فالنفس هي أنت وما يعتمل من غرائز وحاجات وتنظيم الغرائز والحاجات والدوافع التي تسببها هو سؤال كالإعمار للمنظومة العقلية ونجاحها في اختبار الحياة، والا ما معنى الإبداع والبناء والسعي في دنيا تعلم أنك مفارقها (زرع الفسيلة ولو كان يوم القيامة)، فالغرض هو العمل وبذل الجهد لعمارة الأرض والتفوق فيها بإبداع تظهر روعة الخلق في المنظومة العقلية البشرية والموضوع أوسع من مقال.
نعرف حتما أين الخلل في أمة دين أول كلامه اقرأ، وحث على العمل لآخر لحظة، بينما هي الآن عالة على الأمم وجهل وفساد؛ كلامهم قيم وفعلهم سقم، وجل الخلل هو سوء الفهم لحقيقة يظن معظم الناس انهم يمتلكونها وهم أصلا لا يعرفوها إلا تقليدا يفعله الباحثون من النقل والشروح ثم الشروح والتأليف تكرارا مرارا على الشروح، وظنا وتقديس التراث البشري غير المقدس أصلا من عامة الناس.