18 ديسمبر، 2024 7:12 م

فلسفة الكلام اليومي عند بول ريكور : الرمز وقوة الكلما

فلسفة الكلام اليومي عند بول ريكور : الرمز وقوة الكلما

“1- الرمز:

ظاهرة لسانية يشتغل عليها التحليل في حقلين مختلفين:

– مسطح اللغة، جثة هامدة، نسق مغلق حول نفسه.

– مسطح الكلام ،من حيث هو حركة التي تتخذ من الجملة نقطة ارتكازها.

– المعنى الرمزي:

في الظاهر لا يعدو أن يكون سوى حالة خاصة من المعنى.

-الكلمات هي متعددة المعاني: إن لها أكثر من دلالة واحدة، حيث إمكانية عدة استعارات التي لها معنى مضاعف، أو معنى المعنى.

-تمثل الحلم يتطور في مشهد معين، لكن من جهة أخرى تريد صوره أن تقول شيء معين ولا تتجاوز إذن نحو ماوراء الصور ذاتها. نزيف المعنى.

-الانزياح، تشرد شعب، يعني في درجة ثانية بعد من الوضع البشري تم انتزاعه من مكان معين في حركة نحو مكان آخر.

-النور هو الوسط في مرآوية الأشياء، لكن هو أيضا رمز لشفافية الأشياء وللعلاقة بين الأشياء.

في كل هذه الحالات يتعلق الأمر بمعنى مضاعف، الذي هو في ذات الوقت حالة خاصة وحجر الزاوية في تحليل الدلالة. هذه الأخيرة تم اعتبارها طريقة في تناول الواقع، نمط في القول، لكن أيضا واقع كلام. إن تسلسل هاتين الوجهتين من النظر: وجهة نظر الكلام من حيث هو قطع مجرد من الكلام ، انتعاشة وإعادة الحركة الى الكلام، يطرح مشكل المعنى المضاعف. وفي الوقت نفسه مواتية له لأن الأمر يتعلق بمقاربتين تم توزيعهما على مستويين استراتيجيين مختلفين. ولا يتعلق الأمر بنفس المستوى الذي يكون فيه كلامنا دالا ومن جهة أخرى تكون له بنية.

الاختصاصات في التأويل:

إنها تعمل على إظهار الرمز الذي يلاحقه التفسير في مستوى الوحدات الكبرى: تلك النصوص )المسرح، الشعر، الحلم(. في حين يهتم المستوى البنيوي بالوحدات الأكثر صغرا: الكلمات، وحتى المعاني- وحدات هي تمثل عناصر من الدلالة. راجع غريماس: الدلالية البنيوية. مع النص، الوحدة العليا للجملة، يظهر الكلام الأساسي للجملة، لقول شيء ما الذي يتم أخذه من قولك عل القول، وحدة الكلام. لكن الرمز، في الوحدات الصغيرة أين يتم ترتيب العناصر الواحدة بالمقارنة مع الأخرى ليس أكثر من الكلام لا يقول شيئا. في مستوى ظهوره ، يحيل الكلام إلى الواقع. يقود التحليل إلى عناصر إلى بنية الكلام وليس إلى وظيفته ولا يتزامن طريق التحليل مع التأليف.

يمثل مستوى التأويل سطحا منسجما : حتى لو تختفي مواضيعه ، تظل قابلة للمقارنة من وجهة نظر معينة. لأن الحلم والأسطورة أو القصيدة تختلف بواسطة نمط تكوين المعنى، لكن تشترك في ظاهرة المعنى المتعدد. إنها تعني الكثير من الأشياء عندما تعني شيئا واحدا. انه المعنى المزدوج: عندما يدل الرمز على شيء فإنه يدل على شيء آخر دون أن ينقطع عن الدلالة على الأول. إننا نسمي تفسيرا، يكتب ديلتاي، فن فهم التجليات الحياتية المثبتة من طرف مؤلف النص. لكن النص لا يكشف عن تكوينه للمعنى المتعدد إلا عند مستوى معين من التعقيد. على سبيل المثال الحقبة التوراتية: قطيعة تأخذ بعين الاعتبار الكثير من الشخصيات والأحداث- هي موضوع نشر الكثير من طبقات المعنى التي بقيت مختلطة.

إنه داخل هذه المعمارية للمعنى التي تَكَوَّنَ فيها مشكل الرمز. على سبيل المثال علوم التحليل النفسي: انه برفض المعنى الأول غير المعقول يتطور الفهم في نص ثان. بالمثل تستند فنومينولوجيا الدين على تأويل للعلامات متجذرة في الكون (مارسيا ألياد(. بالمثل أيضا بالنسبة إلى الرموز الاجتماعية والكلام الشعري.

انه دائما داخل مجموع كبير يصبح المعنى المتعدد كثرة منظمة، لكن ليس في مستوى وحدة صغيرة. ان الوحدة لمختلف التأويلات تتم بانفجارها في اتجاهات كثيرة. إذا كانت للرمز وحدة صورية في التكوين بواسطة تعدد المعنى فإنه قد وقع امتصاصه بواسطة الوظيفة الخارجة عن اللغة. انه تعبير حرفي لطبقة قبل لغوية: كون، حالة نفسية، مجتمع الذي تكمن وظيفته في أن يظهر.

إذا كانت الألسنية تشتغل تحت المسلمة المنهجية لانغلاق النسق الذي يكتفي بذاته، فإن النص ،على سطح التأويل ، يكون مفتوحا على المغاير عنه.انفتاح في اتجاهات مختلفة التي تختص بها هرمينوطيقيات مختلفة. وهذا الضرب للكلام على الوجود الذي يحدث وفق أنماط مختلفة أليس من غير الممكن جمعها في معرفة مطلقة؟. الحلم يضفر بين البعد الطاقوي والبعد التفسيري، الرمز هو وسط الانبثاق والتمفصل للمعنى لأي شيء كان غير لغوي. مشكل فرويد ليس مشكلا لغويا ، بل مشكل تمثلات الرغبة التي تعلب وراء هذه الأقنعة. تكون سلطة الرمز، بين الايروتيقي والسيمنوطيقي، هي التعبير المتعدد لأقنعة الرغبة. إنها تخوف غير مباشر من تكوين التعبير لا نوجد له أي كلام مباشر. إن الأمر يتعلق بكثرة من التعبير التي لا تتجلى ليس بواسطة نقص في الوضوح، وإنما بواسطة انفجار في المعنى.

يعبر الرمز عن ظهور المعنى خارج انغلاقه: انه يوجد من أجل الآخر. وظيفته هي أن يظهر.

لا تختلف الهرمينوطيقيات المتنوعة سواء بواسطة تكوين الدلالة ولا بواسطة نمط الانفتاح. حيث هناك في ذات الوقت القوة والضعف في هذه الاختصاصات في التأويل، لأنها تأخذ الكلام في اللحظة التي يهرب فيها من نفسه. لهذا السبب يظهر على الاختصاص البنيوي الكثير من الدقة العلمية. لكن هذا الضعف هو الجانب المعاكس لقوة. لأنه في اللحظة التي يهرب فيها يأتي الكلام إلى ذاته ويقول شيء ما في حركة من الاكتشاف والاختباء. انه يلوح بالمعنى عند ماقبل السقراطيين. انه يكشف في ماوراء البني اللغوية عن غموض équivocité معنى الوجود (أرسطو(.

دياكروني diachronie وتعدد المعانيpolysémie

ماذا يحدث عندما نغير مستوى الاعتبار لوحدات الدلالة التي تتكون منها الكلمة؟

في الواقع، الكلمة لها وجهين: إنها تنتمي إلى اللغة وتأخذ معنى بتنزيلها في الجملة. تضعنا المقاربة البنيوية في مواجهة العلامات المعجمية، والفوارق في نسق وليس البتة في موضع دلالة. يظهر هنا ميكانيزم المعنى المضاعف، تعدد المعني polysémie. بيد أن كل كلماتنا هي ذات معان متعددة، الأمر الذي يتطلب استخدام محورين في وقت واحد: السانكروني synchronie والدياكروني diachronic. إنها في الزمان قد تحصل الكلمة على عدة دلالات. إن مصطلح الاستعارة نفسه هو دياكروني : انه يفترض تحويلا في المعنى. والمعنى المتعدد لكلمة هو تسريع لعدة استعمالات. ما ندركه في مقاربة سانكرونية ، هذه التكاثر في المعنى، هو التعبير عن لحظة معطاة في تحويل المعنى. بينما التفريق في العلامة مع محيطه تتنزل في السانكورني. تنتج البنية ،في مستوى الرمز، عن مسارين. من كثرة التدليل ، تفيد كلمات معينة العكس، وإذن لا تعني شيئا لأنها تنفجر في التناقضات:هذه كلمات الهائل، الفظيع. هناك من ناحية توسع لانهائي، شحن زائد للمعنى، لكنها من ناحية أخرى محدودة بالحقل السياقي. تم حظر التوسع بواسطة التحديد السياقي للعلامات داخل النسق. ومع ذلك، يحدث أن تتداخل الكلمات مع بعضها البعض في التشبيه homonymieوالترادف synonymie. يبقي ذلك أن معنى الكلمات في معجمية هو تاريخ مسقط على حالة من النسق، وقوة الكلمات هي تبادل بين الحاضر والماضي. هكذا يأتي التاريخ إلى البنية ويجعلها تتحرك. انه على هذا العمق المتعدد من المعاني الذي يتمفصل فوقه الرمز. يجب إذن أن تكون بعض القيم مستخرجة في نفس الوقت من استعمال الجملة حيث يتم تحيين المعنى المتعدد. نمر من وجهة نظر الرقم code إلى وجهة نظر الرسالة. لو كانت كل كلماتنا متعددة المعاني، وحدها البعض منها تكون رمزية. لقد ظهر الرمز بعد المرور من التعدد العام لمعاني العلامات إلى التعدد الخاص للمعاني. ويوجد مفتاح المرور في مستوى الرسالة.

كل الدلالات في مستوى الرقم هي مجرد دلالات افتراضية. والنشر في السياق يكشف البعض ويحجب البعض الآخر. ثم سواء تتحقق نسبية وحدانية المعنى في السياق وعندئذ تحصل على تأويل واحد ، أو يحافظ السياق على تعددية معنى الكلمة ونحوز على الرمز. ما تبقى من الكنز مع الرمز يعوم حول الجملة ويعطيها التباسا، كما هو الحال في المزاح أو الشعر. لم يتم إذن فرز تعدد المعني، لقد وقع حفظه،: اثنان أو أكثر من طبقات المعنى تم تثبيتها بواسطة الفعل المشترك لتعدد المعني في كل المصطلحات. هذه هي الطريقة التي تقرأ بها نشيد الأغاني كقصيدة حب، قصيدة صوفية أو كلمة مرور للحركة الثورية. هكذا يتم تبرير العديد من خطوط المعنى بتشكيل معنى الخطاب.

الرمز ككشف لتعدد المعنى:

لقد تم تكوين رمزية الكلام بفضل هذا التغيير في السلم.

– في مستوى النسق، تَجَذَّرَ الرمز (الحلم، الأسطورة، الشعر) في غرض أساسي من الكلام: تعدد معنى الوحدات المعجمية، الكلمات المرتبطة فيما بينها، وأسقطت الصيرورة الاستعارية الزمنية في البنية السانكرونية أين تم تثبيت تعدد المعنى.

– في مستوى القول، هذا التعدد في المعنى الذي أثر في كل الكلمات يوجد متأثرا بسياقات معينة التي تتيح لتعدد المعنى بالظهور وحتى المحافظة عليه بدل أن تخرقه.

هكذا تفترض الرمزية شيئين. من ناحية الطابع متعدد المعنى للكلام مأخوذ من وجهة نظر الرقم، من ناحية أخرى تنظيم بعض السياقات الذي يسمح بظهور هذا التعدد في المعنى الممكن. بهذا المعنى، لا يصير الرمز ناطقا إلا في البنية: هناك توجد الحقيقة في البنيوية. داخل البنية، في حدود بنية ثقافة يشتغل عليها وفي حدود منظمة يتم تنظيم ثرائها وكأنها متقنة. لكن أصل ثراء المعنى لا يمكن تفسيره بهذا التحديد الذي لا يزال سلبياً. هذه هي فائدة هذا المنعطف اللغوي الذي يتوقف عن أن يكون لغزا لأنها تحدد في تعدد معنى الكلمات وتقع في خطة للعلاقات. لكن شيء ما لا يمكن أن يتم تبينه بواسطة سيمينوطقا بنيوية: لقد تم وضع انفتاح الرمز بين قوسين بواسطة القرارات المنهجية. تعود دراسة خطة ظهوره إلى اختصاص أخر، ذلك الذي يقترح فهم قصد الدلالة.

قد يكون هناك لغز في الكلام، ولا يوجد أي لغز في اللغة. الرمز الأكثر شعرية يعمل مع نفس المتغيرات السياقية مثل الكلمات في القاموس. لكن اللغز في الكلام يكمن في سطح ظهوره أين يأتي قول ثراء الوجود إلى الخطاب. تكمن مهمة الفيلسوف في الانفتاح نحو كينونة قول اللغة بينما ضرورة المنهج في الألسنية البنيوية ينغلق على النسق في علاقاته الداخلية.

2-قوة الكلمات:

يظهر الخطاب والعنف لأول مرة على أنهما متعارضان: إما أتكلم ، وإما أضرب، وإما أخضع الآخر بالقوة، وإما أدخل في نقاش معه. لكن هذا التقابل في الكلام الذي يكونه العنف، هو أيضا شريك، ارتكاز وأيضا منبع ديناميكية التي تمنح القوة للكلامات. بيد أنه يجب الدفع بالفهم النظري إلى الأمام قبل دراسة علاقته بالعنف والتكلم عن مقصده في الخطاب لأنه على سطح المقصد ، يجعل البحث عن المعنى العنف حقيقة إنسانية ، وعلى العكس تماماً يجب أن يتم صده أو الالتفاف عليه.

مقصد الكلام في الخطاب

التحدث عن المقصد دائمًا مليء بالمخاطر والأوهام: إنه يخاطر بفرض الأهداف الخارجية ، وفي الوقت نفسه يعرض نفسه لانتقاد الأسباب النهائية لديكارت، سبينوزا، كانط ، نيتشه. ومع ذلك، فإن هذا النقد للغائية مفهومة كغائية خارجية، لا يستنفد مسألة المقصد. انه لا يبلغ سوى مستوى أكثر سذاجة من الغائية. توجد الغائية الحقيقية في الظهور الكامل للتوجه الحميم للديناميكية.

يجب أن نذكر هنا شخصية عظيمة تهيمن على فلسفة الكلام: هي غيوم دي همبولدتGuillaume de Humboldt الذي فكر في الكلام بشكل كامل. لا يمكن لفيلسوف الكلام أن يحصر نفسه في دراسة المنتجات الخاملة في مجموعة ميتة، بل يجب عليه أن يجد وراء هذه المجموعة حركة الإنتاج ذاتها، وبالتالي نشر جميع الديناميكية. من وجهة النظر هذه، فإن الغائية في الكلام هي المظهر الكامل لهذا النشاط الذي هو في أصل نشره بالكامل.

هذه الرؤية لا تأخذ كل معانيها إلا إذا تم استبدال الكلام كعنصر في دورة كبيرة من خلالها نعبّر عن العالم إلى أشياء من ناحية، ومن ناحية أخرى إذا ما نحن نمتلك العالم لنكون فرديتنا الإنسانية أو فردية الشعب. انه مثل النبض الكبير الذي هو الحركة ذاتها التي يظهر من خلالها الروح.

من هذه الرؤية لهمبولدت يستنتج ثلاث لوازمcorollaires :

1-اللاّزمة الأولى: لو أخذنا الكلام في حركة دائرية أين يصير الروح ويتكون رؤية للعالم، فإنه ينبغي القول بأن التواصل ليس سوى هدف جزئي للكلام. بالطبع ، لدينا الكلام للتواصل مع الغير، لأنني لا أستطيع الخلط بين سلسلتين من المعيش vecu: معيش وعيي ومعيش وعيي بالغير. انه بسبب إنغلاق هذا الوعي يجب انشاء التواصل. ولكن من ناحية أخرى ، إذا كنا نتواصل ، فذلك لأننا نتحدث عن نفس الشيء ، من نفس العالم ، وبالتحديد عن طريق استيعاب هذا العالم الذي أصبحنا فيه فردية ، ذات متكلمة.

لكن الهدف من الكلام langageهو التعبير الذي يعمل في حركة مزدوجة. من ناحية أعبر عن نفسي: تصبح حميمية كياني موضوعا لي ولغيري ، ومن هذه الضربة تنتشر في التفرد الحي والمفكر الذي كان مجرد استيعاب غامض. من ناحية أخرى ، أعبر عن ماهو موجود، وأفقد من الوجود بالكلام. حركة مزدوجة حيث القصد هو استنفاذ المفكر فيه: هذا ما نسميه الخطاب discours .

2- اللاّزمة الثانية: منذ ذلك الحين، فإن المنطق البسيط ، والتماسك المنطقي أو الذكاء الأداتي لا يستنفد قصد الخطاب بالكامل. لا يمكن للمصطلح عن المعقول أن يكون مختزلا في الذكاء الحسابي، لأن الذهن المقسم ليس كل المعنى. الحضارة التي نعيش فيها تترك مكانا كبيرا لهذا الذكاء الأداتي. بينما يبقى كل اختزال للمعنى المعقول إلى هذا الذكاء الأداتي المجرد في خارجه كل قسم من العقلانية الذي بنفس الضربة يجد نفسه متجها نحو العنف. لهذا السبب لا يبقى خارج الصراع من أجل تنظيم الطبيعة سوى عالم اللاّمعنى. ليس من قبيل المصادفة أن التقدم التقني أين يحكم التخطيط ولامعنى الشواذ و يظهران معا و في ذات الوقت ، وأين يتفاعل الثاني ضد الأول. ومن هنا جاءت فكرة القتل من اجل القتل وتحرير إمكانية العنف التي لا تجد مكانها في استعادة المعنى.

3-اللازمة الثالثة: أي اختزال يفضي إلى الذكاء الجزئي. انه ارتقاء خاطئ لتخليص الذات من الموضوع للوصول إلى كائن محايد. انه إخلاء للذات المتكلمة لصالح اللغة بوصفها حركة مجردة في عملية كاملة. الإخلاء الذي يكشف عن الذهن الانقسامي ويترك المكان الفارغ من أجل الإثبات العنيف للذات. وبالتالي تطور عبادة الشخصية على الإخلاء للذات عينها. لأن كل ذكاء أداتي فقط هو شريك دائم في عبادة التفرد.

إن الكلام هو الوسيلة الحاملة للقصد الذي لا يفرغه من الخارج، بل ينظمه من الداخل، بفاعلية ذاتية الإدارة والتي هي إرادة المعنى. هذه الإرادة تتضمن انسجاما مع ذاتها واتفاقا مع الغير. ومن هذا المنطلق يطرح الخطاب نفسه بوصفه ضديد العنف. يتعارض الخطاب مع العنف، ويطرحان في تناقض يستمدان منه معناهما الكامل.

العنفviolence : هو مشكل يفتقر إلى وحدته الخاصة طالما أن المرء لم يقم بمواجهته عبر إرادة المعنى والخطاب. لم نكن لنقدم فكرة مطمئنة عن العنف إذا اختزلنه إلى أقصى شكل من أشكال القتل، أو إلى الطرف الآخر الذي هو قوة الطبيعة لما تقوم بالاعتداء على الإنسان ولا يقوم الإنسان بالسيطرة عليها: عنف الإعصار، والعاصفة، والوباء. بين هذه التطرفات توجد إمبراطورية بين الاثنين برمتها التي هي الفرد بوصفه عنف منظور وعلى حافة الإعصار: إنها الكراهية، والى جانب القتل: إنها العنصرية أو الامبريالية.

اعتراض: أليس من شأن ذلك إغراق جميع أشكال العنف أين تجري في مشاكل القمع والثورة والكراهية الخاصة من إنسان إلى آخر؟

تكمن مهمة الفيلسوف في اتخاذ مسافة عن الطبيعة الخارجية بالمرور عبر الطبيعة الداخلية وخلع القتل.

ليست وحدة مشكل العنف في شكل تعدد العبارات. وحدة هذا المشكل تكمن في الكلام الذي يواجه به: انه بالنسبة إلى الكائن الذي يتكلم ويقطع خطوة في اتجاه المعنى يمثل العنف مشكلا. لأن العنف يمتلك معناه من آخره: الكلام. وبالمقابل، فإن العقلانية تستمد معناها من ما تقوم به للحد من العنف. يقيس العنف والكلام كل بعقب الحقل الكامل لميدانه. لا يمكن لأحد أن يجادل عن العنف في قوله المضاد. من الذي يجادل، يود أن يكون على حق، وهكذا يترك سلاحه. إن التعارض الصوري بين الاثنين: يجب أن يكون المفهوم فارغا من الكلام وأن يكون العنف ممنوعا بشكل خاص من قبل أي شخص يتحدث. هذا التعارض الصوري لا يعمل سوى أن يحدد المشكل للبعد الأكبر الذي يقوم بغلقه الفراغ. لأن التعارض الذي نحن جزء منه ليس بالضبط بين الكلام والعنف، بل هو تعارض بين العنف والخطاب المتماسك. لأنه لا يمكن لأحد أن يدعي الحصول على الخطاب المتماسك بدقة دون أن يصبح بالضبط عنيفًا. ادعاء امتلاك الخطاب المتماسك هو الغموض الذي يجعل من الكلام يمارس العنف. وبالتالي إن العنف يتكلم، أي إنه هذا الذي يتكلم من أجل استهداف المعنى. الوسط بين العنف والخطاب هو مجال التعبير البشري ذاته. مثل هذا المشكل غير معروف على مستوى تشريح اللغة. إن المشكل يتم طرحه فقط على مستوى الفزيولوجيا. لأن اللغة في حد ذاتها تبدو بريئة، إنها لا تتكلم. انه مثال الخطاب، القول، الذي هو عرضة للتأقلم مع هذه الجدلية الخطاب –العنف. عندما نضع أنفسنا في ديناميكية الكلام ننضم إلى نقاش الخطاب – العنف. لكن من الضروري أيضا أن قصد قول شيء ما تخترق التعبير بحيث يمكن لهدف المعنى أن يتعارض مع العنف. هكذا يتلقي التعبير عن العنف وإرادة المعنى. أن اللغة كقول هي المكان الذي يأتي فيه العنف للتعبير، في الوقت نفسه الذي يعزّز فيه مقصد المعنى المعقول الوجود المنطوق. إن هذا القتال يستمر أكثر بشكل ملموس في كتابة الكلمة، وفي عمل التسمية داخل الكلام. يمكن للمرء التحقق من ذلك على ثلاثة أمثلة، وهي ثلاثة مجالات مختلفة من القول: القول السياسي والقول الشعري والقول الفلسفي- أين تكون الكلمة، تزويق القول، عقدة العنف والمعنى. يبدو السياسي أكثر قرب من النزاع بين إرادة المعنى والعنف. الشعري هو تسامي عن العنف في التعبير عن المعنى. الفلسفي هو في مكان ما بين الاثنين . لكن هذا التخطيط أمر مشكوك فيه.

السياسي: هو التقاء العنف والمعنى. نحن نميل هنا إلى اختزال تفكيرنا في الطغيان الذي يتكلم فيه العنف. إن السلطة القصوى هي عكس الفلسفة: يبين أفلاطون كيف أن الاستبداد يتم عن طريق الإقناع والإطراء. خدمة مقدمة من طرف الكلام إلى قوة الطاغية: خدمة السفسطائي. هتلر يمر بواسطة هذه الخدمة للسفسطائي، هذا قاده إلى الحل النهائي للمشكل اليهودي الذي حرك الكراهية واستدعى الموت. في العنف لكل ثورة، يقوم الصوت بتحريك القصد: ينبغي إيجاد تمفصل دونه ليس ثمة ثورة. لكن لكي نفكر في عمق العلاقة السياسية ، يجب أن نعتبر السلطة لي في شكلها المغتصب بل في ممارستها العادية. هنا يكون الاقتران بين المعنى والعنف هو الأكثر خفية والأكثر قيمة. هناك سياسة لأن هناك مدينة، لأن الأفراد تخطوا عنفهم الخاص وأخضعوه الى قاعدة الحق. لكن في نفس الوقت الذي تسامت فيه المدينة عن عنف الأفراد لا يتم تجميع الجماعة سياسيا الا بواسطة قوة مضاعفة من هذا الشكل: الجماعة تم تجميعها في سلطة مركزية وفي حكومة. هناك مرور من السياسي كنظام للحق وشكل إلى السياسي كإرادة ومعطى كقوة. هذه الإرادة في نفس الوقت فرد كبير غضبي الذي يتحدث كلام الخوف والكرامة المهانة ويرجع للسفسطائي. انه عنف كبير الذي يمنح الكلام للقيمة والشرف، لغة تم الاستيلاء عليها ككلمة سلطة.

مفارقة سياسية ومفارقة الكلام: مفارقة المعنى والعنف. هذه المفارقة تسكن الكلمات الكبيرة التي ترفع الحشود في اللحظة التي يكون فيها الوطن في خطر ويواجه الموت. الكلام يفتن رغباتنا ويعبر المرء عن العنف كما يعبر عن عصير الفاكهة. إنه من خلال معنى السياسي يتم نقل العنف ولا يموت البتة.

كلام الشاعر: إذا ظهر أن الكلام لا يخرج من هذا التناقض، ينبغي أن يقال أن الكلام بأكمله مقيد بالعنف ومعرّف به. لكن كلام الشاعر هو انفتاح على الوجود الذي يظهر. يمنح هيدجر الكلام كخضوع إلى وصفة القيس والضبط المتعلقة بانفتاح الوجود. يمكننا أن نجد هنا نقطة الانطلاق للتفكير في الطاعة. إنها ليست معاكسة للتمرد بل إرادة السماح للوجود. إن الفعل الشعري هو النقطة المتقدمة من اللاّعنف. يحوز الكلام على القدرة الكلية للطبيعة بالمعنى للماقبل سقراطيين. حتى الآن يتم جمع في هذه النقطة القصوى الخصوصية العنيفة : وبالتحديد في قوة الضرب بالكلام. لو كان صحيحا أن الشاعر يمنح الوجود للكلام (هيدجر) فإنه في ذات الوقت يمنح الوجود إلى الكلمة. بيد أن تشكيل الكلمة، هيدجر يقول بأنها تمثل الفعل الذي من خلاله يشيد الإنسان الوجود في وجوده ومن ثمة يصونه في انفتاحه. صيانة ماهو مفتوح ، هنا يحتمي العنف أين يقول عنه المرء بأنه يستدعي مملكة السماوات. انفتاح تم التقاطه: هذه هي الخصوصية العنيفة الشاعر في الوقت الذي يبلغ فيه الوجود المكتشف ، ويكره الأشياء على التكلم، إنه جزء من اللعبة.

كلام فلسفي

ربما تعرف الفلسفة بالتمام بواسطة إرادة المعنى. انها اختيار من أجل الخطاب المتماسك. ليس ثمة فلسفة لا تكون عقلانية. هذا القصد ذاته يواجه الإخفاء والتكتم على الخصوصية العنيفة للفرد. إلا أنه يوجد هنا عنف ثلاثي: عنف السؤال: يطرق التحقيق الفلسفي إلى سؤال الذي يستثني به الآخرين. وضيق السؤال هو نقطة الانطلاق ، حتى عندما نبدأ بالجوهر المطلق مثل سبينوزا. عنف التقليد: كل فلسفة تستعمل كلمات مبدعة سلفا. كل فلسفة هي في خلاف مع ذاتها وتفقد بالخطأ الكلام الذي يسبقها. ولكن أكثر من ذلك ، إغلاق البناء الفلسفي هو عنفه. لأن الفلسفة هي دائما إغلاق سابق لأوانه، وكل كتاب هو توقف في جهد التشميل. هناك كل شيء في فلسفة عظيمة: يمكن للمرء أن نفسر أي سؤال جزئي وسط فلسفة معطاة. لهذا السبب، كل الفلسفات صحيحة، ولكن كل منها وفقًا لزاوية معينة. مثلما تنظر جميع الذوات إلى المدينة بأكملها ، ولكن على جانب مختلف. انه من وجهة نظر خاصة ، أرى فلسفات كل الكليات الخاصة. هذا هو السبب في عدم وجود طريقة أخرى للخروج من الصراع الودي بين الفلاسفة.

خاتمة:

يوجد استعمال جيد للكلام في الوسط بين العنف والمعنى.

1- من الضروري الإبقاء على هذه الحقيقة الصورية ، بمعنى أحمق ، حتى ولو كانت فارغة في نقطة الانطلاق: خطاب وعنف هما متضادان. لا يذوبان ، انه الصدق. الاعتراف بهما كمتضادين، انه الشرط الوحيد للاعتراف بالعنف حيث يكون والعودة اليه اذا توجب الأمر. هكذا يتم احتساب الاثم والحد منه ويكون أيضا على درب المعنى.

2- هذا التعارض الصوري تم تحويله إلى أمر: لا يجب علينا ، من أجل توحيد إيتيقانا قبل الأوان ، أن نقبل نظامًا معينًا غير متوافق هو أخلاق الاقتناع. اللاّعنف هو المعنى الحاد للممكن. من هنا يتم التخفيض من أخلاق المسؤولية. تجنب هذا التوتر بين أخلاق الاقتناع التي هي مطلقة (لا تقتل) ومن ناحية أخرى معنى كل ماهو ضروري من الناحية التاريخية لصيرورة تواصلنا. هذا يقودنا إلى الاعتراف بالطابع المطلق لللاّعنف في النقاش. وبهذه الطريقة ، من خلال الحفاظ على خطة الإيتيقا العقلانية دون تغيير ، والتي بموجبها أدرك أن الآخر عقلاني وأستمر في احترامه ، أي أن أحافظ من حيث الواجب على إمكانية الدخول في المناقشة. يجب ألا نرتكب في زمن الحرب شيئًا يجعل السلام مستحيلاً. الحد الداخلي هو الأمل الذي يخلو من المعنى إذا لم يكن لديه اللاّعنف كأفق. إن وظيفة اللاّعنف هي فقدان الشهادة أثناء النقاش، غاية العنف.

3- قبول التعددية اللغوية عن قصد: هناك عدة لغات قيد التداول، ويجب أن نتركها في مكانها (فتغنشتاين). هناك مساحة للكلام الحسابي للذهن، من أجل البحث عن المعنى ، والكلام الشعري أو الأسطوري. والمكان المفتوح للتسمية التي تحترم التنوع هو الطريقة الوحيدة للعمل بمعنى معقول، أي اللاّعنف.”

تعليق: ماذا تعني فلسفة الكلام اليومي؟ ومن أين تستمد الكلمات قوتها؟ وما علاقة الرمز بالفكر؟ وما الفرق بين كلام الشاعر وكلام الفيلسوف؟ وما السبيل للتخلص من العنف اللغوي وتأسيس اللاعنف؟ وهل يمكن استعمال الكلام بشكل جيد؟ وكيف ترد المفارقة السياسية إلى الكلام؟

لقد لعب ريكور دورا بارزا في فرنسا والقارة الأوروبية في استقبال وتعريف بالفلسفة التحليلية التي تنحدر من التقليد الانجلوسكسوني سواء كانت براغماتية أو تعلقت بفلسفة الكلام اليومي.

هذا النص هو جزء من تفكير بول ريكور حول علاقة الرمز والفكر الذي قطع من خلال طريقه الطويل عالم اللغة بأكمله وتناوله مسائل التفسير والترجمة والدلالة والقصدية والعالم المعيش.

تتمثل خاصية اللغة الرمزية في التمفصل بين الدال والمدلول والعبور من الثانية إلى الأولى. هناك رمز عندما تنتج اللغة علامات على درجة مركبة حيث يشير المعنى ، وليس المحتوى لتعيين شيء ما ، إلى معنى آخر لا يمكن تحقيقه إلا من خلال هدفه. لذلك فإن الرموز هي تعبيرات ثنائية الاتجاه لمجموعات الإشارات “التي يدعو نسيجها المتعمد إلى قراءة معنى آخر بالمعنى الحرفي والفوري”. إذا كانت سمة الرمز هي تعيين شعور غير مباشر بالمعنى المباشر وبمعنى مباشر ، فما هو مكان عمل التفسير؟ وكيف يمكن القيام به؟ وماهي شروطه ومبادئه؟ وماهي حدوده؟

لو كان لبعض المصطلحات المستخدمة في السرد لها معنى مجازي، فليس كافيا أن يقصر عمل التفسير على فك شفرة شيء ما سيكون مجرد غطاء سطحي يسمح بالوصول إلى المعنى الثاني وحده أهمية. يجب التأكيد على أنه يمكن قراءة المعنى الثاني فقط بالمعنى الحرفي الفوري ويجب أن يضاف التحقيق الذي لا يتعلق ببعض المفاهيم، ولكن بالقصة كلها. فكيف حاول ريكور إقامة علاقة بين تعدد اللغات والحاجة إلى التأويل وبين وفرة المعنى في الكلام وحق الضيافة اللغوية؟

محاضرات بول ريكور ، ، فيفري، 1967،

Philosophie et langage, Paul Ricœur, Revue Philosophique de la France Et de l’Etranger 168 (4):449 – 463 (1978).