23 ديسمبر، 2024 3:08 م

فلسفة الرحمة Philosophy of compassion

فلسفة الرحمة Philosophy of compassion

الرحمة لغةً، لها معانٍ كثيرة، وحسب إستخدامها في جملة المتكلم، لذا فإني سأنحى في معناها اللغوي منحىً آخر، لعله يُعيننا في إكتشاف شئ، نستفيد منه في بحثنا.
رحمة، هي مصدر الفعل الثلاثي(رَحَمَ)، ومادة هذا الفعل هي(ر ح م)، والتي تتشكل منها عدة كلمات(رَحِم أي أقرباء)(رَحْم أي وعاء الجنين)(مرح أي السرور)(حُمر لها معان كثيرة، منها حُمر النعم أي كرائم الأبل)(رمح أي من المحراث : الخشَبَة التي يمسك بها الحرّاث)(حَرَمْ أي المكان الآمن).

تدلل مادة هذا الفعل في جميع تشكلاتها على الخير، فكانت مصدر هذا الفعل(رحمة) دالة على كل خير، فهل يوجد أرحم من الأم ورحمها على الجنين!؟ اللهم إلا خالقهما.

في مقالٍ سابقٍ لنا تحت عنوان”جدال التضحية بين الفوز والخسارة”، بيَّنا وجهة نظرنا في تفسير وقوع التضحية، من قبل كائن تجاه قضية معينة، فقد توصلنا إلى أن الرحمة، هي الدافع الوحيد للقيام بالتضيحة، وليس شيئاً آخر، وفي مقالنا اليوم، نريد أن نبين أصل هذه الرحمة ومنشأها، من وجهة نظر تحليلية معرفية، وفلسفية في جملتها.

بعد ما حققه علم التشريح من تطوير كبير، في الأكتشافات الدقيقة داخل الخلية، والكروموسوم والحامض النووي(DNA)، بل وأدق من ذلك، ظهرت نظريات تحاول أن تفسر آلية صدور أفعال الإنسان، منها النظرية الفيزوكيماوية، والتي ما لبثت أن تحولت إلى نظرية كيمياوية صرفة، حيثُ تعتقد هذه النظرية إن أفعال الإنسان ما هي إلا تفاعلات كيمياوية، تنشط الذهن للقيام بفعل ما، وبغض النظر عن كون هذا الفعل إرادي أو غير إرادي، فهو يسير وفق معادلات كيماوية معينة.

في مراكز الأبحاث المختصة، بدؤا يحقنون الكائن بمادة كيمياوية معينة، لأصدار فعل محدد من قِبل ذلك الكائن، وبما أن هذه النظرية تعتقد بأن الدماغ هو مركز إصدار الأوامر، وجب البحث في الجهة التي تبعث للدماغ بإيعاز الرحمة، وهل هي نفسها الجهة التي تبعث بإيعاز القساوة؟

أنا لا أدري إلى أي حد وصلت أبحاث تلك المراكز، ولكني أرى بأن مصدر إيعاز الشئ ونقيضهِ واحد، وأن مصدر إيعاز الرحمة والقساوة هو القلب، تلك المضخة العضلية التي تستقبل الدم، محاولةً تنقيتهِ وإرسالهِ إلى كافة أنحاء الجسم، والتي من ضمنها الدماغ، وأعتقد أن ما يحصل في القلب هو تفاعلات كيمياوية، تعتمد على المواد التي يحتويها الدم، وأن نتائج هذه التفاعلات ترسل إلى الدماغ، فيقوم الأخير بترجمتها، وبما أن مهمة الدم هي نقل المواد الغذائية، التي تساهم في بناء الخلايا الجديدة، إذن فأصل المواد التي تدخل في التفاعلات الكيماوية القلبية، هي المواد التي يتغذى عليها الكائن.

نستطيع القول الآن: إن كانت تغذية الكائن من مواد لم تنتج عن عمل فيه قسوة، مثل(الذبح) أو(الأفتراس)، بل على منتجات كائنات أُخرى، مثل الثمار في النبايات، والعسل والحليب ومشتقاته من الحيوان، فإني أتوقع إن ما سيصدر من إيعازات دماغية، ستنتج أفعال رحمة فقط.

ملاحظة مهمة:

قد يعترض أحد ويقول: هناك كائنات هي عبارة عن خلية واحدة، ليس لها قلب ولا دم؟

أقول: كل كائن يحتاج إلى غذاء، فأي جزء من ذلك الكائن يقوم بعمل نقل الغذاء وتنقيته هو مقصودي.

وقد يعترض أخر ويقول: كيف لنا أن نميز بين فعل الرحمة وفعل القساوة؟

أقول: لو وجد بيننا إنسان يمتلك الرحمة 100%، فإنه من المؤكد سيبين لنا كل فعل قاس، ولكن كلنا نحمل شيئاً من كلاهما، ولذلك نستطيع التمييز بينهما بشكل نسبي، وذلك بسبب قصورنا.

وقد يعترض آخر ويقول: تعتمد الفلسة على تحليلات العقل والتفكير، وأنت لم تتطرق للعقل، بل إعتمدت العلم التشريحي؟

أقول: النظرية الكيماوية تعتقد بأن مركز التفكير(العقل) هو الدماغ، ولذلك لم آتي بلفظ العقل، كذلك فأن أصحاب الفلسفة يعتمدون نظرية الحسن والقبح ويعتبرونها من المسلمات العقلية، ولكن أستطيع القول لم يجدوا لنا صاحب العقل الكامل فأن وجدوه، إذن فهو يمتلك رحمة بنسبة 100% وهو ما ذكرناه.