23 ديسمبر، 2024 1:05 م

فلسفة الدين -3/ بنو إسرائيل

فلسفة الدين -3/ بنو إسرائيل

يمكن القول، ان الاشكال يوجه الى النبي موسى (ع) بخصوص حركته ذات الطابع القبلي والعنصري، بالنظر الى مزاجنا الحالي الرافض لتاسيس الجماعات على اساس عرقي او فئوي. الا ان هذا الاشكال بسبب الجهل والسطحية عند الفرد الذي يطرح تلك الاشكالات، ويتوهم تدني النبي المرسل. اما من جانبنا لا نرى لهذا الاشكال اي مبرر، ويمكن ان ندافع عن المشروع الموسوي بالنقاط التالية:
اولا: ان الطريقة والقالب والمنهج الذي استخدمه النبي موسى، يشابه لما موجود عند الاخرين، مثل فرعون وماركس ولينين وغيره.. لماذا. والجواب: لان هذا الاداء نتيجة حتمية لماهية العقل البشري، وهو العنصر المشترك (اي العقل) عند الاخيار والاشرار. ان العقل البشري، بطبيعته ومرتكزاته ومؤهلاته، رسم خارطة السلوك البشري، بحرية واختيار، ولا تدخل مباشر للسماء في ذلك، بل التدخل كان مسبقا، بعد تحديد ماهية العقل البشري من قبل الخالق تعالى ذكره. لذلك فان الطريقة الموسوية منطقية وموضوعية. الا ان السؤال هنا… ما هو الفرق بين موسى وغيره من مؤسسي الجماعات اذن..؟
ثانيا: ان شرعية موسى استندت الى التواصل مع الله (سبحانه).. حتى يبدو للناظر ان القران الكريم تعمد على ذكر لقاءات موسى مع الخالق، بشكل يفوق بقية الانبياء والرسل. ان الفرق بين موسى في تاسيسه العنصري والقبلي، وبين غيره من المؤسسين، الفرق هو ذلك التواصل مع القوة العظمى التي تدير الكون، وقررت ان تربي قبيلة معينة لتحمل المشروع الالهي، هم اسرة النبي يعقوب، بنو اسرائيل الذين اختارهم الله لتنفيذ التخطيط الالهي.. الا ان السؤال هنا: هل نجح بنو اسرائيل في ذلك..؟
ثالثا: لقد خصص القران الجزء الاكبر منه، لتوضيح قضية بني اسرائيل، واختيار الله لهم.. ثم اوضح فشلهم التاريخ في اداء التكليف الالهي.. حتى تم استبدالهم بقوم الجزيرة البسطاء المنعزلون نسبيا. انظر الاية الكريمة التي توضح مبدأ الاستبدال العام ضمن المشروع الالهي، انظر:
إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39/التوبة)ز
رابعا: ان اختصاص المشروع الموسوي بالعامل القبلي والعنصري، ثم فشل ذلك كله، مرحلة فشل ضرورية للمراحل اللاحقة. ذلك قد يؤسس للبعد الانساني والاممي في المشروع الالهي، وهو بعد حضاري، لذا وضح القران الكريم اختيار الجماعة القبلية في التكليف الالهي ثم فشلهم ..انظر:
يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ﴿البقرة٤٠﴾
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ ﴿البقرة٨٣﴾
خامسا: ان سيدنا عيسى (عليه السلام) استمر على الطريقة الموسوية. الا ان الاعراض اليهودي اوضح، وهذا يؤكد غاية التخطيط الالهي، الذي اثبت فشل الاستناد الى العنصري القبلي والعنصري في البث الرسالي، لان عيسى (ع) استمرت رسالته خارج بنو اسرائيل.. انظر الاية:
​وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۖ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴿٧٢/المائدة﴾
اضافة الى توضيحات اخرى. سيتم مناقشتها لاحقا.

يتبع.