يشتكي كل طلبة المعاهد والجامعات وانا منهم (حين كنت طالباً) من كمية المادة العلمية ونوعيتها وتشدد الاساتذة والقرارات الصارمة التي تحكم العملية التعليمية وتعليمات الوزارة التي تزيد العبء على كاهل الطلبة الذين غالباً ما يكونون طلبة اقسام داخلية يعيشون ظروف صعبة او حتى الذين يسكنون في بيوتهم فأنهم يعانون ما يعانيه كل عراقي من تردي وضع الكهرباء والماء وكل الخدمات الاساسية لكل انسان اضافة الى تردي الاوضاع المعيشية التي تضطر الكثير من هؤلاء الطلبة الى العمل الصباحي او المسائي لإعالة نفسه و عائلته وزوجته واطفاله احيانا اضافة الى الدراسة وتستمر الشكوى والمعاناة ولا تنتهي المأساة الا بالتخرج.
نوع اخر من الشكوى تظهر في صفوف الطلبة حين يسألون الخريجين عن نوعية المادة العلمية التي ستفيدهم في الحياة العملية ويتفاجأ اغلب طلبة الاكاديميات العلمية في العراق خصوصاً والعالم الثالث عموماً حين يعلمون انهم لن يستخدموا اغلب ما يدرسون في حياتهم العملية وانهم بدل ان يكونوا مهندسي تصاميم (للهندسة مثلاً) فأنهم سيكونون مشغلين وموظفي صيانة فقط وانهم بدل ان يصمموا برامج جديدة وتطبيقات مميزة (للبرمجيات مثلاً) فأنهم سيقضون اغلب اعمارهم في تغذية البيانات والطباعة وهكذا وهنا ينشأ لدى الطلبة شكوى وتذمر من نوع اخر (فلم يصعبون علينا المنهج وهو غير مفيد) و(لم يعطوننا هذه المادة وهي غير مهمة) و(لم يرسبوننا في هذا الدرس وهو لن ينفعنا بشيء) وغيرها الكثير بل يتجاوز الامر الى اكثر من ذلك وترى البعض من الطلبة يطالب بالنجاح وان لم يقدم شيئاً وان لم يدرس شيئاً وان لم يفعل شيئاً بحجة انه سيتعلم بعد التخرج ما ينفعه ويفيده وهنا تبدأ معضلة اقناع الطالب بوجود عدالة يجب ان تطبق بأن ينجح المجد ويرسب المتسيب والمتهاون ولكن كيف تقنعه وقد صب دماغه بصبة كونكريتية لا تستوعب الا كلمة (نجحوني) وحين تقول له ان النجاح بيدك وانت من تنجح نفسك لا يقتنع وحين تقول له ان الدرجات انت من يحصل عليها وانه يجب ان تقول (اخذت كذا درجة) و (حصلت كذا سعي) وليس (اعطاني المدرس فلان كذا) او (ثبت لي المدرس فلان السعي الكذائي) وتستمر المماطلة ومحاولة الاقناع ويخفى على الطالب الكثير الكثير من الامور التي هي في جوهر فلسفة الحياة الاكاديمية ومنها:
1- ان المواد العلمية كلها مفيدة سواء بشكل مباشر او غير مباشر وسواء في الحياة العملية او الاجتماعية وعاجلاً او اجلاً.
2- ان الغرض من وضع القوانين والانظمة والضوابط هو لتمييز الجيد والناجح من السيء والفاشل ولجوهرة الذهنية الفردية للتمرن على المطاولة والمداومة على الدراسة حتى تصبح الدراسة والقراءة والتعلم جزءاً من هوية الشخص حتى بعد التخرج.
3- ان الصعوبات التي تواجه الطالب في الدراسة تريه من نفسه ما لا يعلم وتظهر طاقاته الداخلية التي حتى هو لا يعرف بوجودها وتمرن عقله ودماغه على الاستيعاب اكثر والتفكير اكثر وتزيد نسبة ذكائه بكثرة استخدام العقل فالعقل كغيره من اعضاء الجسم وعضلاته فكثرة استخدامه تنميه وتقويه وتركه بلا عمل وتمرين يضمره ويضعفه ويخويه.
4- ان الله تعالى خلق الخلق وهو قادر على ان يترفهم ويرزقهم كلهم قدرات خارقة وقوات عظيمة ولكنه تعالى وضع القوانين التي تحكم ذلك وقدر في الابدان والارواح والعقول قدرات كامنة لا تظهر وتنجلي الا بالصعوبات والتحديات والامتحانات والابتلائات التي يمر بها الانسان في الدنيا وكذلك الامتحانات وصعوبتها في الاكاديميات تظهر للطالب مقدار فهمه للمادة وقدرته على حل ما لم يمر به حبه من قبل اي استكشاف امور جديدة وهناك بعض الجامعات العالمية المحترمة تخضع الدفاتر الامتحانية لطلبتها الى لجنة دراسة الابداع والامور الجديدة فقد يحل الطالب سؤالاً معيناً بذكاء يتجاوز كل طرق الحل الموجودة وبذا يبتكر طريقة جديدة للحل وهكذا.
وغير ما ذكر الكثير من فوائد ومحاسن الحياة الاكاديمية وحسب التجربة الشخصية لكل طالب ولا ننسى ان الصعوبات والتحديات التي تواجه الطلبة تكون جزءاُ مهماُ من ذكرياتهم لهذه المرحلة الجميلة من اعمارهم بعد التخرج والنجاح ولا يخفى ايضاً ان النجاح والتفوق من نصيب المجدين في كل مكان وزمان في الدراسة والعمل والدنيا والاخرة فلهذا يجب ان يعمل العاملون ويدرس الدارسون ويجتهد المجتهدون لنيل ارفع الدرجات في الدنيا وبعد الموت.