23 ديسمبر، 2024 12:39 م

” \u0641\u0644\u0633\u0641\u0629 \u0627\u0644\u062d\u0642\u064a\u0642\u0629Philosophy of truth “

” \u0641\u0644\u0633\u0641\u0629 \u0627\u0644\u062d\u0642\u064a\u0642\u0629Philosophy of truth “

مما أثارني صدقاً أن هذه الكلمة(الحقيقة)، لم ترد ولا مرة واحدة في القرآن الكريم! فمن أين جاء بها المسلمون؟ ولماذا يعتقد أغلبهم بأنه يمتلكها دون غيره؟!
لكن ورد في القرآن كلمة (حقيق)، ويقول أهل اللغة أن حقيق: فاعل من حَقَّ، وأن الحقيقية هي إسم مؤنث لـ(حقيق) وجمعها حقائق؛ وقد وردت(حقيق) مرة واحدة في القرآن (حَقِيقٌ عَلَى أَن لاَّ أَقُولَ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ[الأعراف:105]).
للحقيقة تعريفات عديدة، لكني في مقالي هذا أردت الأجابة عن سؤال مطروح: هل هناك وجود للحقيقة فعلاً؟ وإذا كانت موجودة، فهل هي ثابتة ومطلقة أم هي نسبية ومتغيرة؟
أعتقد أن كل شئ في الوجود متغير، إلا مَنْ مَنَحَ الوجود, والذي نجهله، ولا نكاد نعرف عنه شيئاً، إلا ما أخبرنا الأنبياء عنه، ويبقى فهمهم(أي الأنبياء) وفهمنا ناقصاً وليس مكتملاً، مهما أُخبرنا عنه، فلا معنى بأن ندعي معرفة الحقيقة دون غيرنا، فقط لأننا عرفنا أن ثمة واجداً للوجود!

مفهوم الحقيقة وموضوعها، من الأمور المهمة، الذي وجد إهتماماً كبيراً عند الفلاسفة والمفكرين، ولنأخذ خلاصة الأراء، بأستعراض رأيين مهميين، لمفكرين عراقيين، هما المرحومان الوردي والنيلي.

يرى الوردي بأن الحقيقة نسبية، وليست مطلقة، ويحكي حكاية لبيان الموضوع، يقول: مر فارسان بتمثال, فوقف الأول أمامه، ونظر إليه، فوجد لونه أبيضاً، ومر الثاني خلف التمثال، فرآه أسوداً, فأصر كل واحدٍ على أن لون التمثال، هو اللون الذي رآه هو، وأن قوله يمثل الحقيقة، وتعاركا, لأن أي منهم لم يستطع إقناع صاحبه؛ يُعقب الوردي قائلاً: إن كلّ منهما يحملُ جزءً من الحقيقة، ولو سمح أحدهما للأخر بأن يرى ما رآهُ هو، لعلما بأن التمثال، أبيضٌ من الأمام وأسودٌ من الخلف.

لكن النيلي يرى، أن الحقيقة مطلقة، وأن المثال الذي ضربه الوردي، لا يدل على نسبيتها، وذلك لأن حقيقة التمثال، هي الأبيض والأسود، بغض النظر عما رآه الفارسان، لأن نظرهما، قصورٌ منهما، ولا يُغيرُ من حقيقة التمثال بشئ, حيث أنه أبيض وأسود، سواءً في ذلك إتفقا أم أختلفا.

أقول: إن مثل الفارسان الذي ضربه الوردي وناقشه النيلي، إنطبق عليهما أيضاً، حيث أننا نستطيع أن نجمع قوليهما، بالعبارة التالية: الحقيقة مطلقة من حيث هي، ونسبية من حيث فهمها.

لكني أختلف معهما كلاهما، ولتوضيح الموضوع، أُدخل تجربة أُجريها على مثالهما: ماذا لو أدخلنا التمثال(الأبيض والأسود) في غرفة ذات إنارة حمراء؟

الجواب: سوف نرى جهة اللون الأبيض بلون أحمر، واما جهة اللون الاسود سنراها بلون قهوائي.

إذن الحقيقة موجودة، ولكنها متحركة طولاً وعرضاً, والمشكلة هي في الإدعاء بأن الحقيقة ثابتة, أو أن من الممكن أن يفهمها الجميع بنفس القدر!

أقول: إذا لم تكن هناك حقيقة ما، فكيف لنا معرفة التسويف والضلال؟!

الآن أستطيع أن أُعطي تعريفاً لمفهوم الحقيقة: هي مقدار مطابقة الأشياء للواقع الملموس، المقترن بزمان ومكان معينيين بعد الفحص.

ملاحظة مهمة:

1. أتمنى من القراء الكرام إن كان لديهم أي ملاحظات وآراء حول الموضوع أن لا يبخلوا بها علينا.

2. الوردي، استاذ علم الاجتماع الدكتور علي حسين الوردي المتوفي في بغداد سنة 1995م.

3. النيلي، المهندس عالم سبيط النيلي، مفكر عراقي وصاحب نظرية اللغة الموحدة توفي سنة 2000م.