يعتقد البعض بأن الحب هو أصل الوجود و مبدأ العالم ومُمِدُّه والإنسان منذ كان أحس به كحاجة عظيمة لە مظاهر شتى تختلف باختلاف الأفراد تعادل في مفهومها معنی الحیاة، بأعتبار الحب عاطفة قوية أو ربط متين بين إنسان وإنسان.
وقد تتعدد أوجه الحبّ وأنواعه تبعاً لاختلاف المراحل التي يمرّ بها الإنسان أثناء حياته، بالإضافة إلى اختلاف الظروف المحيطة التي يعيشها.
فلسفياً یمكن أن يقال بأن الحب كلمة غير مرتبطة بشيء حقيقي أو محسوس، أي إنّه شيء لا يمكن إدراكه بالعقل أو شرحه بالمنطق.
أما القدماء فقد رأو في الحب دعامة من الدعامات الأساسية للفلسفة و شرعوا في بناء نظريات متعددة، طوّرت الحبّ من مفهومه المادي إلى مفهومه الروحي في أعلى سماته، لکونه صفة أساسية تظهر آثارها في سلوك الكائنات الحیة، فمن خلالە یظهر شخصیة الإنسان الحقيقية بعد أن یقوم بإخراج مشاعره التي تتحدی العقل.
الحب إذن هي حالة قصوى من حالات الشرط البشري، وشكل من أشكال ممارسة الإنسان لذاته وبقائه، فهو أسمى وأرقى أنواع العلاقات في الوجود يتأتى نتيجة صفاء القلب ونقائه مما فيه من شوائب مختلفة الألوان.
ولأهمیة الحب في حیاة الإنسان کسب أسماء كثيرة، منها المحبة والهوى والصبوة والشغف والوجد والعشق والنجوى والشوق والوصب والاستكانة والودّ والخُلّة والغرام والهُيام والتعبّد.
عرفه البعض بالمیل الدائم بالقلب الهائم، وإيثار المحبوب على جميع المصحوب، وموافقة الحبيب حضوراً وغياباً، وإيثار ما يريده المحبوب على ما عداه، والطواعية الكاملة، والذكر الدائم وعدم السلوان.
أما علاقة المحب بمحبوبه فتسمو وتظهر وتتشابك لتؤدي إلى تطويع إرادة المحب تحت تصرف محبوبه، وفي نهاية المطاف يمنح المحب أغلى ما لديه وأشرف مايملكه لمحبوبه وهو روحه التي بين جنبيه.
الحب لدی المتصوفة نابع من الصفاء أي صفاء القلب ونقاء أسراره، فيذکر بأن قلب الصوفي لا يعرف إلّا الحب ولسانه لا يلهج إلّا بلغة الحب و صدق من قال بأن لقلوب العارفین عيـونٌ ترى ما لايراه الناظرون.
ما أحوجنا الیوم إلى لغة الحب ونحن نعيش في زمن الكراهية والأحقاد والعنف والحروب.
علینا أن نتعرف علی عالم المتصوف، الذي أنتخب الهجرة فلسفة، وهو يجيد فن النزوح نحو المتعاليات، من الأسفل نحو الأعلی، أي من الأرض نحو السماء، للوصول الی الانسان الكامل، الذي يتصف ضمن أعلی مراتب الإرتقاء الصوفي و هذه المرتبة لاتتحقق إلا بالوجد أو الحب، بعد تخليه عن المتع الدنيوية من أجل كشف المحجوب والاتحاد.
ففي نظر سلطان العارفين، جلال الدين الرّومي لايمكن تعليم درس العشق برسائل الفلسفة وعلم الكلام والمنطق، فالعِشق لاتملك الأبجديّة، وكلّ سَعي إلى بيان العِشق وإيضاحه وتفسيره لا طائل من ورائە.
في کتابه “طوق الحمامة” يری ابن حزم الأندلسي أن الحُبّ يبدأ بالهزل وينتهي بالجدّ، وهو شيء لا تُدرَك معانيه ولا يوصَف إلّا بالمعاناة ولاتنتهي إلا بالموت.
أما إبن عربي فيقول: “في النهاية تستولي المشاعر الجيّاشة على صاحبها وتسيطر عليه، لدرجة أنّه لا يشعر بأحد إلّا بمحبوبه الذي يُغنيه عن الكون بأكمله”.
الشرط الأساسي للحب هو التخلي عن كل نزوع نحو التملك من أجل محبة الآخر من حيث هو آخر وكما هو موجود.
الحب إذن هو وصال بين الذوات يُحطم قوقعتنا الذاتية، لكي يضعنا وجهاً لوجه أمام الآخر الذي وجدناه، حتى قبل أن نبحث عنه و أياً كان الحب فهو يعطينا دليلاً على أننا نستطيع أن نقابل العالم ونختبره بوعي آخر غير الوعي المنعزل.