23 ديسمبر، 2024 6:16 ص

فلسفة إستلهام الذات

فلسفة إستلهام الذات

Philosophy of self-inspiration سألني الأستاذ الكاتب” السيد قاسم العجرش”: ماذا تعني لك الكتابة؟
فأجبتهُ بكلمةٍ واحدة: بوح.وفي لقاء مع الإعلامي “هادي جلو مرعي” سألني نفس السؤال، وأجبتهُ نفس الإجابة، فطلب مني أن أكتب في هذه الأجابةِ مقالاً، فكان هذا المقال:

بعد الكبت الطويل، والمعاناة في كتم ما يجول في صدر أحدنا، عندما يتبنى أفكار غيرهِ مجبراً، ليس لشئ إلا لأن الآخر لهُ إسم وكتابات، وجدت لها صدى عند الآخرين، والتي خُلقت في أجواء لا تخلو من التملق للسابقين، ومراعاة الحاضرين.

عندها يأتي البوح، الذي هو إنفجار لبركان صدري هائل، يحمل بين جنباتهِ كثيراً من معادن المعرفة، ولكنها تكون بادئ الأمر ملتهبةً، تحرق ما تمر بهِ، فإذا بردت وإستقرت، كانت ذات نفعٍ كبير، فيعود مَن هرب منها أول حدوث الإنفجار، للأستفادة منها؛ هذا هو البوح، الذي لا منجى من ضياع الذات إلا به.

يبدأ أحدنا حياتهُ الفكرية، وخصوصاً من سيصبح مفكراً أو كاتباً فيما بعد، كصفحةٍ بيضاء، يكتب عليها الزمان بأحداثهِ ما يشاء، من خلال أشخاصهِ، وشخوصهِ عَبرَ مكانٍ وآخر، فيكونُ أحدنا كدميةٍ تتحرك، وفق ما يُمليهِ عليه عُرف المجتمع، وعادات وتقاليد لا يفقه كنهها، ولم يقف على أسرارها.

حتى يبدو مجمعاً للمتناقضات، بين عدة أفكار، وهو كذلك فعلاً، وما كان ذنبهُ إلا أنها دخلت جوفهُ الفكري، بلا إرادةٍ منهُ أو إختيار، فيتكور تارةً على ما يظنهُ هو الحقُّ فقط، وينكرُ كلُ شئ تارة أُخرى، وهو ما بين هذه وتلك، لا وجود له.

يأتي بعد ذلك زمان، زمانٌ يخصهُ هو وحده، يخترقُ فيهِ ذاتهُ، ويجول فيها، فيختارُ منها ما يشاء، وإن كان في نظر الآخرين أنهُ على غيرِ صواب، وأنهُ لا يوافق أعراف وعادات وتقاليد المجتمع، أي المنظومةُ الفكرية للمجتمع، فمن هنا تبدأ فورة الذات، وإمتعاضها من الآخرين، فينشأ الأتجاه نحو الفرز بين الأفكار، وبناء فكر خاص، وفق نظرة كونية، تشمل الزمان والمكان وما بينهما، سماءً وأرضاً، قبلُ وبعدُ، فتنتج ثورة الذات التي تمكنها من التحرر والخلاص من تحكم الآخر.

عندها يُصبحُ لأحدنا وجوداً، فيبدأ بمناقشة ذاتهِ وأفكاره، وينظف من جهة، ويوظف من جهةٍ أُخرى ما يريدهُ هو، لا ما يُريدهُ الآخر، فإن وصل إلى هذا الحد، إنتقل إلى مرحلة الوجود بين الأخرين، وليس بالضرورة معهم(معية الزمان والمكان)، وبالرغمِ من ضبابية الأجواء في تلك اللحظة، تكون البصيرة قادرة على المسير، فلا يلبث أمامها الضباب طويلاً حتى ينقشع، لتتضح الرؤيا، ولتنكشف له أبعاد أُخرى لم يكن يراها.

نستطيع القول: أن البوح، هو الخطوة الأولى في طريق إيجاد الذات وإستلهامها، ومنعها من الضياع، الضياع الذي يعني عودتها من حيثُ أتت، عدماً محضاً.