23 ديسمبر، 2024 12:53 ص

فلسطين في العين العربية

فلسطين في العين العربية

فلسطين في العين العربية*

“فلسطين في العين العربية” هو ليس عنوانا فقط لندوة سياسية نظمتها الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين لمناسبة اليوم الوطني لشهيدها، الذي يصادف في 4 من حزيران من كل عام، ولا لنتعرف على موقع القضية الفلسطينية في وجدان وقلوب شعوبنا العربية، بل لنؤكد على حقيقة، لم تغيرها سياسات تلميع وتبييض صورة اسرائيل امام شعوبنا، بأن فلسطين كانت وما زالت وستبقى بوصلة العرب، رغم كل ما بذلته اسرائيل والولايات المتحدة من جهود ما زالت متواصلة، ومن غزو ثقافي غربي واسرائيلي لمجتمعاتنا لتغيير ثوابتها وقيمها، بل لتغيير تاريخها وحاضرها ومستقبلها. من خلال سيناريو قلب المشهد والصورة من قبل اعلام لا وظيفة له الا الترويج لسياسات التفرقة والشرذمة ليس بين دولنا وشعوبنا فقط، بل وفي اطار الدولة والشعب الواحد..
ان المتتبع لمسار المشروع الصهيوني الذي طرح منذ اكثر من مئة عام يلاحظ بلا ادنى معاناة حقيقة الترابط بين مشروع استهداف فلسطين، كشعب وارض، واستهداف الشعوب العربية بحاضرها ومستقبلها وبسيادتها وثرواتها، ما يجعل من النضال الوطني والقومي في فلسطين والمنطقة العربية حاجة لا بد منها طالما ان مشروع الاحتلال والاستعمار والتخلف والجهل ما زال مستمرا..
لقد كان واضحا ان الولايات المتحدة واسرائيل تسعيان الى الاستفراد بالطرف الفلسطيني والاطراف العربية كل على حدا، وهذا ما كان سببا لأن تكون دعوة “ترابط مسارات الحل العربي الثلاثة الفلسطينية، السورية واللبنانية، بل تلازمها”، حاضرة في اكثر من بيان للقمم العربية التي كانت تستشعر خطورة الاصرار الامريكي على تحقيق نتائج ايجابية في المسار المتعدد الاطراف (وفي مقدمته التطبيع) بمعزل عن التقدم المحقق في المسار الثنائي.
وظل النظام الرسمي العربي صامدا على موقفه بترابط مسارات الحل العربي الى ان نجحت الضغوط الامريكية بالاستفراد بالطرف الفلسطيني، الذي بتوقيعه على اتفاق اوسلو يكون قد مهد الطريق لتسارع عمليات التطبيع بين اسرائيل وبعض الدول العربية، التي وجدت بتوقع الاتفاق فرصة للتحلل من التزاماتها القومية تجاه القضية الفلسطينية، فسارعت الى فتح ابوابها لزيارات رسمية لوفود اسرائيلية على مختلف المستويات، والتي اخذت بالاتساع شيئا فشيئا الى ان اصبح التطبيع امرا عاديا.. لكن مع استنفاذ اتفاق اوسلو لوظيفته وجعله مقتصرا على التزامات فلسطينية، امنية واقتصادية فقط، فتحت السياستين الامريكية والاسرائيلية مسارا جديدا في تعاطيهما مع دول المنطقة.. منطلقين من الفكرة التالية: أن قبول اسرائيل عضوا اساسيا في المنطقة العربية والاسلامية لا يمكن ان يحدث الا في حالة النجاح باقناع العرب بخطر آخر يضاهي الخطر الاسرائيلي، فتم ابتداع ما سمي بـ “الخطر الفارسي”، الذي تحت وتحت عنوانه ترتكب كل الجرائم والموبقات باسم الدفاع عن “الكرامة العربية”. وهذا ما حصل حين تم العمل على بث ثقافة جديدة تعتبر ان هناك خطرا جديدا يهدد الشعوب العربية الى جانب اسرائيل هو الخطر الايراني، وشيئا فشيئا اصبح الايراني هو عدو بعض العرب وافتعلت معه الصراعات والحروب في سوريا والعراق وفي اليمن ولبنان، فيما اصبحت اسرائيل صديقة في محور عربي ضد ايران..

ان ما يحدث على مستوى العلاقات الرسمية العربية الاسرائيلية يشكل ترجمة دقيقة للسياسة الامريكية في عهد ترامب، الذي انقلب على اتفاق اوسلو، الذي افترض انه يمكن الاستفراد بالفلسطيني وتوقيع اتفاق معه اولا، وهذا من شأنه ان يسحب البساط والذرائع من يد بعض العرب الذين لن يجدوا سببا لعدم توقيع اتفاق مع اسرائيل طالما ان الفلسطيني قد وقع.. وقد انطلى هذا التكتيك على الكثير من الانظمة الرسمية العربية التي عملت منذ اتفاق اوسلو وما قبل ذلك تحت مقولة: نقبل بما يقبل به الفلسطينيون.. وهذا ما حصل عندما تم فك ما سمي مسارات الحل العربي، وذهب الفلسطيني وحيدا في مفاوضات ماراثونية كان من نتيجتها توقيع اتفاق اوسلو، وتوقف المساران السوري واللبناني عند النقطة التي وصل اليها..
ولا نحتاج للكثر من العناء كي نؤكد بأنن انخراط بعض النظام الرسمي العربي في صفقة القرن، والذهاب نحو التطبيع يشكل استجابة لرؤية نتنياهو، التي أعلن عنها منذ العام 2008 عندما قال: “لا نحتاج إلى التقدم في المسار التفاوضي مع الفلسطينيين لكي ننفتح على العالم العربي، بل علينا أن نخترق السور العربي وننفتح على العرب قبل التوصل لاتفاق مع الفلسطينيين، وهذا من شأنه أن يشكل مساحة ضغط على المسار الفلسطيني كي يستجيب لمتطلبات عملية السلام، كما نرسم نحن الإسرائيليون محدداتها”.
وخلافاً للادعاءات، لم يرد في اتفاقات التطبيع بند واحد، ولا فقرة واحدة تتناول الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني أو تتبناها، أو تضمن تخفيف الإجراءات القمعية والدموية لسلطات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، أو تشير إلى ضمانات أميركية أو إسرائيلية أو حتى تعهدات بإلغاء مشروع الضم. ما حصل في الواقع هو أن الأراضي المحتلة، وبعد التوقيع على اتفاقات التطبيع، شهدت تصاعداً في إجراءات الضم بأساليب مختلفة، وشهدت الممارسات الاسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني امر غير مسبوق، بما فيها العدوان الاخير على قطاع غزه والقدس ومواصلة عمليات الاستيطان والضم وغيرها من اجراءات تكذب يوميا ادعاءات منظري التطبيع ورموزه.
هنا نعود الى مقولة نقبل بما يقبل به الفلسطيني، لكن عندما يجمع الشعب الفلسطيني بجميع تياراته السياسية والاجتماعية والفكرية على رفض صفقة القرن وجميع عناوينها، بما فيها التطبيع، فأي تبرير يمكن ان يقدم من اصحاب التطبيع في ظل غياب التغطية السياسية والشعبية الفلسطينية.. بل ان الكلام عن وقف خطة الضم مقابل الاتفاق ليس سوى اكاذيب اكدها رئيس وزراء العدو نفسه حيق قال: “لم نقدم اي تنازل لجهة وقف او تأجيل هذه الخطة”.
ان ما حصل خلال العقدين الاخيرين من تراجع الاهتمام الدولي والعربي والاسلامي بالقضية الفلسطينية، هو امر غير طبيعي. فقد شهدت هذه الفترة اربعة حروب تدميرية على قطاع غزه، واشتداد حدة الانقسام الداخلي الذي تأثر بالصراعات الاقليمية، وازدادت الضغوط على قضية اللاجئين التي تراجع الاهتمام بها وباللاجئين بشكل لافت، وشهدت الاراضي الفلسطيني في الضفة بخاصة عمليات استيطان متسارعة توجت بخطة ضم اراضي واسعة من مساحة الضفة الغربية والاعتراف الامريكي بالقدس عاصمة موحدة للكيان.. وغير ذلك من مؤشرات اكدت ان القضية الفلسطينية في وضع غير سوي..
ان ما احدثه الانتصار والصمود الفلسطيني في مواجهة العدوان الاخير على قطاع غزه هو تحول يجب التوق عنده، حيث تمكنت المقاومة وبفضل بسالتها وصمود ودعم كل الشعب الفلسطيني ان تعيد القضية الوطنية إلى موقع الاهتمام الدولي، وان تحبط كل المحاولات الإقليمية والدولية لجعلها قضية ثانوية، واكدت أن التطبيع المجاني بين بعض الأنظمة العربية ودولة الإحتلال، لم ينجح في فرض الحصار على القضية الفلسطينية، بعد ان عادت لتجتاح العواصم العربية وشوراعها.
أن معركة مجابهة التطبيع ومقاومته، تندرج في إطار النضال الجماعي الذي يتحمل مسؤولياته كل من ينتسب إلى جبهة المقاومة العربية بامتداداتها الإقليمية، وبمراكزها التي لا تقتصر فقط على الأوضاع العربية. ونحن، الفلسطينيون، جزء من جبهة المواجهة، لذلك يصبح المطلوب منا، في خضمّ هذه المواجهة، هو تصعيد النضال ضد الاحتلال والاستعمار الاستيطاني، وضد السياسات الأميركية في سياق انخراطنا في استراتيجية مقاومة عامة وشاملة على امتداد هذا الإقليم.
بعد ان تأكد ان المشروع الامريكي الاسرائيلي لا يستهدف فلسطين وارض فلسطين والقضية الفلسطينية فقط، بل والشعوب العربية، فان اي انجاز يتحقق على مساحة ارضنا العربية والاسلامية المستهدفة بالمشروع الامريكي الاسرائيلي، هو انتصار لنا جميعا، وان افشال واسقاط مشاريع التطبيع وتعطيل آلياته، وقطع الطريق عليه هو مصلحة لنا ايضا، وهذه مهمة الشعوب العربية ومعركتها الوطنية والقومية، ومعركة أحزابها السياسية التي تنتسب في الإطار العام إلى جبهة مقاومة التحالف الأميركي – الإسرائيلي ومشاريعه في المنطقة.
أن العالم احترم الشعب الفلسطيني ونضاله على ارضية الوحدة التي تكرست في الميدان بين جميع قواه وتياراته، وهذا امر طالما اكدنا عليه بأن المواقف الدولية والعربية تتأسس على صلابة وصدقية الموقف الفلسطيني الذي يجب ان يرفع سقفه الى مستويات تنسجم مع ما تحقق من انجاز كبير ومن حالة دعم عربي ودولي افتقدناها منذ سنوات، ومع الحالة المعنوية الكبيرة لجميع تجمعات شعبنا. واذا كان بعض المطبعين ما زالوا يرفعون راية اتفاق اوسلو كتبربر لمسارهم التطبيعي، فان الرد الفلسطيني المباشر يجب ان يكون بسحب هذه الذريعة بشكل فوري والاعلان عن الغاء اتفاق اوسلو ووقف العمل بجميع تفاصيله، وما يعطي هذا الرد شرعية واهمية هو انه مزكّى من المجلس الوطني الفلسطيني ومن اللجنة التنفيذية ومن جميع الفصائل الفلسطينية التي تنادي بالغاء اوسلو وتفاصيله المذلة..
نحن على يقين ان كل سياسات الابتزاز المالي والسياسي، وان غيرت بعضهم، لكنها لكن تغير قناعات ومباديء وايمان شعوبنا بان فلسطين ستبقى قضيتها لانها قضية تستحق كل دعم، فهي القضية الوحيدة القادرة على جمع كل العرب بشرقهم وغربهم وبشمالهم وجنوبهم
فشكرا لكل كلمة حرة وصادقة قيلت في فلسطين، الشعب والقضية والهوية، فلسطين التي ستبقى وحدها الحقيقة الازلية على هذه الارض وكل ما عداها ومن عاداها الى زوال
*- قدمت هذه المادة في ندوة نظمتها الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين لمناسبة اليوم الوطني لشهيدها بمشاركة عدد من ممثلي احزاب يسارية وقومية عربية.