بالنظر الى طبيعة المجتمع الذي نزلت فيه رسالة اﻻسلام ومبعث النبي اﻻكرم محمد ص فقد تميزت الرسالة اﻻلهية المحمدية بتدرج وتطور خطوات تنزيلها …. فقد اهتم القران وهو دستور الله في اﻻرض ومنهج النبوة في التبليغ اول اهتمامه بتطوير الجانب العقائدي واﻻخلاقي والفكري من خلال اثارة الومضات الفكرية وازاحة الغبار والقاذورات عن الفطرة اﻻنسانية التي جبلها الله في النفس اﻻنسانية ….
وحينما عرض اساطين قريش على النبي محمد ص ان يكون ملكا على قريش في مقابل تخليه عن تبليغ رسالة ربه السامية كان يمكن له ان يقبل هذا العرض ويستغل تلك السلطة والسلطان والمنصب لينشر اﻻسلام واحكامه بمراسيم سلطانية واحكام ملكية ولم يكن حينها اولئك الذين نصبوه بقادرين على رد ارادته ومجابهة قراراته المحمية بحصانة السلطة … بل ان الرسول ص رفض ذلك العرض المغري !!!واصر وهو الذي لايقف معه (ماديا) اﻻ قلة قليلة من بني عمه واصحابه المستضعفين …. ولايمكن فهم ذلك الموقف الذي لا يصدر اﻻ من عبقري كمحمد ص اﻻ باصراره على تنمية الجوانب العقائدية واﻻخلاقية وبناء مجتمع مهيأ ليتصدى اﻻسلام لقيادته وان يشكل نواة اجتماعية وفكرية ثورية قادرة على احداث التغيير اﻻنقلابي الكبير في الحياة الدينية والسياسية والفكرية لمجتمع متخلف وجاهلي كمجتمع الجزيرة العربية …
. ولم تبدأ الحركة باتجاه انشاء دولة باسم اﻻسلام اﻻ بعد اثنا عشر عاما من التبليغ والبناء وما رافق ذلك من معاناة والآم شديدة شكلت اختبارا وغرباﻻ لعناصر التغيير ليميز منه الخبيث من الطيب واظنني لا اخطأ حين اقول ان لتلك اﻻعوام اﻻثنا عشر اثر كبير في بناء الشخصية اﻻسلامية التي استطاعت بعد تشكل ملامح الدولة المحمدية في المدينة المنورة من نشر اﻻسلام وبسط قوة دولته في مساحات خيالية خلال مدة زمنية بسيطة حتى وصلت تلك الدولة الى مقر الشرك والجاهلية واستطاع المسلمون بقيادة النبي ص من هزم اصنام قريش المادية والمعنوية دون الحاجة الى اراقة قطرة دم او ازهاق روح بشر ….
قدمت هذه المقدمة لاشير الى اسباب فشل اﻻحزاب الاسلامية بكلا جناحيها السني والشيعي في انجاح تجربة قيادتها للدولة …. فاﻻحزاب اﻻسلامية وصلت الى السلطة وانتخبها معظم الناس لاسباب تتعلق بامرين اﻻمر اﻻول البعد الطائفي الذي تفجر مباشرة بعد سقوط نظام صدام وما رافقها من احداث عنيفة مست المواطن العراقي في كل ارجاء العراق والبعد الثاني التعاطف الجماهيري مع تلك اﻻحزاب وخاصة منها الشيعية نتيجة لما عانته من تقتيل وتشريد وظلم ومطاردة على مدى ثلاثة عقود من حكم صدام والبعثيين هذان العاملان كانا سببا رئيسيا لوصول احزابنا اﻻسلامية لدفة الحكم لكنها للاسف ونتيجة لعوامل موضوعية كثيرة قدمت نموذجا سيئا فاجأ الاعداء قبل اﻻصدقاء ومست سؤته اول ما مست المواطن المتعاطف معها وكوت نار سيئاتها حتى النظرة الى الدين كمنهج الهي رباني المفروض انه يشكل نموذجا متقدما انسانيا واجتماعيا وفي كل المجاﻻت ….
هذا الفشل الذريع سواءا في تقديم اﻻسلام السياسي كنظرية صالحة للتطبيق او تقديم قادته وشخوصه كنموذج اخلاقي رفيع يحتذى به ادى وسيؤدي بالتالي الى انتقاد اﻻسلام كدين ودولة ولقد باتت ملامح ذلك الجدال تتطور في اﻻوساط الشبابية التي لم تعش تاريخ تلك اﻻحزاب المليء بالتضحيات والنماذج المشرقة ووجدت نفسها امام نموذج يحكم الدولة ويقدم كل يوم مثاﻻ سيئا لطريقة ادارته …..
اذن علينا كاسلاميين ان نتراجع قليلا الى الوراء ولو صفا واحدا او صفين من ادارة الدولة لنمنح الفرصة لغيرنا ثم لنعيد تنظيم صفوفنا ونراجع مناهج عملنا بل حتى قياداتنا وننتقد انفسنا بموضوعية وصراحة فالخلل بالتاكيد ليس في اﻻسلام السياسي كنظرية فامثلة نجاحها في المنطقة لا تنكر (ايران . ماليزيا . تركيا ) انما نحن من يحتاج الى فسحة من الزمن لنعود الى منهج الدعوة والتبليغ وبيان عظمة اﻻسلام ونظريته اﻻلهية التي تستهدف بناء اﻻنسان وترميم اسس حركتنا بين الناس …..وحينما يفشل البديل سنكون نحن واﻻسلام الذي نريده هو الحل