18 ديسمبر، 2024 4:51 م

فك الاقتصاد … احدى حلول الازمة بين اربيل وبغداد

فك الاقتصاد … احدى حلول الازمة بين اربيل وبغداد

تمر اربيل وبغداد حاليا بظروف استثنائية غاية في الاهمية , قد ينظر اليها البعض بنظرة تشاؤمية , الا ان الظروف الاستثنائية عادة ما تكون سبيلا لحلول واقعية تنتهي بانفراجات غير متوقعة , قد تؤسس لطبيعة علاقة جديدة بينهما , بعد ان وصلت الازمة الاقتصادية لكليهما الى مستويات تستوجب اتخاذ قرارات حاسمة وشجاعة لحلها, ومن خلال الحلول الاقتصادية يمكن التوصل الى عقد سياسي جديد لحل المشاكل السياسية المتعاقبة ايضا بين الطرفين .
رغم المماطلة التي تمارسها بغداد منذ سنوات لعدم التوصل الى حلول فيما يخص حصة كوردستان من الموازنة الاتحادية , فان حكومة كوردستان لا تزال تتامل بالتوصل الى اتفاق مع الاطراف السياسية في بغداد , وعلى ضوء ذلك اتخذ القرار بارسال وفدين احدهما حكومي ( غادر اربيل الى بغداد اثناء كتابة هذا المقال) ووفد اخر سياسي يتالف من رؤساء الاحزاب الكوردية سيتم سفرهم في وقت لاحق .. وفي الحقيقة لا اجد مبررات كافية تجعلني اشارك حكومة كوردستان واحزابها تفاؤولهم بامكانية التوصل الى حلول مع العراق , واجد ان كل هذه السفرات المتلاحقة الى بغداد هي مضيعة للوقت لاسباب كثيرة من اهمها : –
اولا ….طبيعة الاجواء السياسية المتوترة حاليا في بغداد, بوجود حكومة غير منسجمة مع محيطها السياسي المتمثل بالاطراف السياسية الشيعية التي تشكل اغلبية البرلمان العراقي , نتج عنها تباين واضح بين توجهات الحكومة ( السلطة التنفيذية) وتوجهات البرلمان( السلطة التنفيذية) التي تعرقل اعمال الحكومة , ومن غير المتوقع ان يمرر البرلمان (باغلبيته الشيعية) اي اتفاق بين بغداد واربيل في موضوع الموازنة الذي سيعزز مكانة الكاظمي السياسية وتزيد من حظوظه في الانتخابات القادمة , خاصة وان هناك بدعة جديدة في البرلمان العراقي وهي ما يحاول قادة الاحزاب تسويقه من فكرة ان البرلمانيين الحاليين لا ينقادون لتوجهات كتلهم واحزابهم , مما يسهل على قادة الاحزاب التخلص من اي احراج سياسي امام رفاق النضال القديم من القادة الكورد .
ثانيا…اي اتفاق على ميزانية الاقليم وتمريره في البرلمان سوف يؤدي الى تاسيس تحالف طويل الامد بين الكاظمي واحزاب اقليم كوردستان على حساب علاقات الاحزاب الشيعية العتيدة , مما ستعزز كذلك من حظوظ الكاظمي في اي انتخابات قادمة .
ثالثا… العراق بحد ذاته يعاني من مشاكل اقتصادية كبيرة دفعته لاقتراض مليارات الدولارات داخليا وقد يضطر للاقتراض كذلك مستقبلا , لذلك فمن غير المتوقع ان يفسح البرلمان العراقي المجال للاقليم بالاستفادة من حصته في هذه القروض.
رابعا.. رغم علاقات الكاظمي الجيدة مع كوردستان , الا انه لا يمكن استبعاد استخدام الكاظمي موضوع حصة كوردستان في الموازنة كحصان طروادة لتحسين علاقاته مع الاطراف الشيعية المؤثرة, فالمماطلة التي يمارسها الكاظمي مع كوردستان في هذا الملف قد يكون مؤشرا لتنسيق بينه وبين الاطراف الشيعية بهذا الصدد .
خامسا.. ما يكشف سوء نوايا بغداد تجاه كوردستان هي تلك القوانة المشروخة التي داب البعض على ترديدها.. وهي عدم معرفة بغداد بالكميات التي يصدرها اقليم كوردستان الى الاسواق الدولية , وهذا عذر مضحك يكشف كم ان بغداد وحكومتها غير جادة في حل هذا الملف , والا فان معرفة كميات النفط المصدرة من كوردستان ليس بالامر الصعب , ويمكن معرفتها من خلال كوادر ثانوية ( موظفين) يتم ارسالهم الى ميناء جيهان لمعرفة كميات النفط المصدر مثلما هو الحال مع انبوب النفط العراقي هناك , و لا يمكن ان تكون هذه النقطة معرقلة للتوصل الى اتفاق , اضافة الى وجود شركة عالمية تنشر كمية النفط المصدر من كوردستان بشكل دوري , لذلك فان ادعاء عدم معرفة كميات الصادرات النفطية الكوردستانية ما هي الا حجة تتذرع بها بغداد لرغبتها اصلا في عدم ارسال حصة كوردستان من الموازنة .
يقترح بعض الساسة والمراقبين في كوردستان بتوجه حكومة الاقليم الى ايران واجراء مباحثات معها بغية الضغط على بغداد للتوصل الى اتفاق معها , متناسين ان كل المشاكل السياسية بين بغداد واربيل منذ الالفين وثلاثة كانت باخراج ايراني وتوجهات ايرانية للاطراف الشيعية العراقية , فمن المعروف ان ايران تعتمد على اثارة المشاكل الداخلية في اي منطقة او دولة تتحسس منها تهديدا سواء كان التدهور هذا امنيا او سياسيا او اقتصاديا , وهذا ما دابت عليه في العراق منذ دخول الامريكان في الالفين وثلاثة , فمن ادخال القاعدة الى المناطق السنية في العراق الى تعاملها مع ملف التظاهرات المدنية التي اجتاحت العراق في عهد عادل عبد المهدي , وانتهاءا بتداعيات مشكلة سنجار وتظاهرات السليمانية قبل ايام . فاخطر ما يواجه ايران حاليا هو مخاوفها الامنية والعسكرية من اية خطوة امريكية اسرائيلية خليجية ضدها , وهي تعتبر كوردستان من المناطق التي قد تشكل مصدر تهديد لها من هذه الناحية , ولكي تضعف من وطاءة هذه الاحتمالية فالحل الافضل امامها هو خلق اضطرابات سياسية واقتصادية وامنية في كوردستان .. ولذلك فبعد توصل حكومة بغداد واربيل الى اتفاق برعاية اممية وامريكية لمشكلة سنجار , تحركت ايران لاجهاض الاتفاقية من خلال السماح للقوات العراقية بالدخول الى المدينة دون مواجهات بين تلك القوات والعناصر التابعة لحزب العمال التركي ( بي كي كي) , وتم الاعلان عن خروج عناصر البي كي كي من المدينة , ثم ما لبثوا ان عادوا للتواجد في المدينة , وبذلك اجهضت اتفاقية سنجار في الفقرة التي تهم كوردستان وهي رجوع قوات البيشمركة اليها , وبقيت سنجار بيد القوات العراقية فقط وتواجد عناصر البي كي كي وعناصر الحشد الشعبي .
كذلك لا يمكن ابعاد التاثير الايراني على التظاهرات التي خرجت في السليمانية قبل ايام بالتنسيق مع خلايا البي كي كي الموجودة في السليمانية , وقد كشف اعضاء في الاتحاد الوطني واهالي المدينة هذه الحقيقة . لذلك فلا يمكن اعتبار ايران عاملا ايجابيا في توصل بغداد واربيل الى حلول لمشاكلهم بل العكس هي تدفع باتجاه توتير هذه العلاقة .
ليس من باب التنبؤ او قراءة المستقبل لكن لمعرفتنا بطريقة تفكير النظام الذي يحكم بغداد حاليا , نستطيع ان نؤكد بان اية زيارة يقوم بها اي وفد كوردستاني الى هناك سواء كان حكوميا او سياسيا لن يحقق اية نتائج , واعلى سقف يصلون اليه مع بغداد هو تشكيل لجان فنية لا تسمن ولا تغني من جوع . ولكي يستطيع اقليم كوردستان مواجهة الازمة الاقتصادية والسياسية والامنية التي تواجهه فهو مدعو (حكومة واحزابا) الى اعلان حالة طواري (سياسية) من خلال النقاط التالية : –
اولا / ترميم البيت الداخلي الكوردي و تصفير المشاكل بين احزابه بوضع عقد سياسي جديد يجمع كل تلك الاحزاب .
ثانيا / تشكيل لجنة السياسات العليا تتالف من رؤوساء الاحزاب الكوردية , تكون مكملة لمهام البرلمان الكوردستاني الذي اثبت عدم فعاليته في مفاصل سياسية مهمة مر بها الاقليم .
ثالثا / بدلا من اضاعة الوقت في تشكيل لجان تتمخض عن اجتماعات الطرفين ( بغداد واربيل) والتي لن تفضي الى اية نتائج , يصار الى الاعلان عن فشل المفاوضات بين اربيل وبغداد حول حصة كوردستان من الموازنة الاتحادية , ووضع العراق امام مسؤولياته في الانتقال الى مفاوضات فك الاقتصاد الكوردستاني عن العراق باشراف دولي , وفي نفس الوقت العمل على المجالات الاقتصادية التالية : –
*/ وضع سلم جديد لرواتب موظفي كوردستان .
*/ السيطرة على المنافذ الحدودية كلها دون استثناء واخراج جميعها من سيطرة الاحزاب .
*/ تاسيس نظام ضريبي جديد في الاقليم .
*/ انهاء تداول العملة العراقية في كوردستان بشكل مباشر او تدريجي والاستعاضة عنها بالدولار الامريكي او اليورو .
*/ الاعلان عن حق كوردستان في تصدير نفطه الى الاسواق العالمية بحرية دون اية عراقيل من بغداد .
*/ تاميم المطارات الكوردستانية وفصلها عن الخطوط الجوية العراقية , والتعامل مع شركات الطيران بشكل مباشر حول الاجواء الجوية في كوردستان .
*/ تشكيل هيئة اتصالات جديدة واصدار قانون خاص للتعامل مع شركات الاتصالات سواء شركات الهاتف او الانترنيت .
*/ الاهتمام بالمجال الزراعي والصناعي لا يكون فقط بتشجيع المشاريع الصناعية والزراعية كما دابت على ذلك حكومة اقليم كوردستان وانما بتوفير قنوات تصدير للمحاصيل الزراعية والمنتوج الصناعي , وذلك من خلال مد شبكة سكة حديد تربط محافظات اقليم كوردستان بميناء ميرسين التركي ومنه الى العالم , وكما وضحنا ذلك في مقال سابق .
ان عامل الوقت ليس في صالح اقليم كوردستان فكلما مر شهر دون تحديد ميزانية للاقليم تتضاعف الضغوط السياسية والاقتصادية على حكومة الاقليم وبالتالي تدفع بها الى المزيد من التنازلات للجانب العراقي وهذا ما تراهن عليه بغداد وكذلك طهران .