المشكلة العربية إقتصادية بحتة , فالساسة العرب يفتقرون لمهارات التفكير الإقتصادي , وينطلقون في رؤاهم وتصوراتهم وقراراتهم من تنظيرات إعتقادية طوباوية سرابية , لا تمت بصلة لواقع الحياة وعناصرها الأساسية المتفاعلة في مراجلها الصاخبة.
وتطغى على سلوكهم الحمقاوية واللا أبالية وعدم الشعور بالمسؤولية , والعجز الإستشرافي والوعي المستقبلي والضعف التقديري , والشحن العاطفي الإنفعالي المعتق في أوعية الفئوية والسفهوية والخسرانية المؤدية لنتائج مفجعة.
وتتجاهل الكراسي البعد الإقتصادي لأي قرار , بينما الدول المتقدمة حساباتها إقتصادية بالدرجة الأولى , فلكل خطوة هناك دراسات وتحليلات لمواطن الربح والخسارة , ولا يمكن لخطوة أن تتحقق إلا بمردودات إقتصادية منظورة , بعيدة المدى وقصيرته , حتى الحروب ما هي إلا نشاطات إقتصادية وتفاعلات إستثمارية للترويج لبضائع معروضة أو مستورة , ولتحقيق مشاريع ذات قيمة إقتصادية ما.
فالتفكير الإقتصادي حاضر في النشاطات السياسية وعلى جميع المستويات , فلا قيمة لأية عقيدة أو فكرة أو تصور إن لم تقترن بربح , وتفتح أبوابا إقتصادية ذات قيمة إستثمارية وفرصوية لتوظيف الآلاف من الناس.
بينما العرب يغطون في نوم عميق , ويتجاهلون الإقتصاد ودوره الكبير في بناء المجتمعات وتطورها وتقدمها , ويبدو أن النفط قد عطّل هذه القدرة وإقتلعها من عقولهم , ولذلك تجدهم يتفاعلون بأساليب عقيمة ذات نتائج خسرانية فادحة , وما فكروا بالعلاقات الإقتصادية المربحة فيما بينهم.
وفي عصر إنخماد أنفاس النفط وإسقاطه من علياء قيمته , وبالضربة القاضية في ميادين التنافسات الإقتصادية الحامية , والجري السريع لإكتشاف وإبتكار ما لا يُحصى من مصادر الطاقة البديلة , يتوجب على العرب التفكير التوقدي التحفزي الإبتكاري الإستباقي المنطلق من مرتكزات إقتصادية , بعيدا عمّا يعيق إنسيابية التواصل الإستثماري فيما بينهم , لكي يستقر حاضرهم ويتنامى مستقبلهم.
أما أن تبقى الدول العربية تدور بذات الناعور التجاهلي للدور الإقتصادي في تعاملاتها وعلاقاتها مع بعضها , فأنها ستتعرض لتداعيات باهضة التكاليف.
فلن ينفع العرب غير العرب , وعليهم أن يتحرروا من قبضة ما فيهم من التصورات والمختزنات المتصملة المتحجرة , والخروج إلى فضاءات العصر بروح إقتصادية مطلقة , ذات أبعاد تنموية وتحفيزية تساهم في إنبثاق ملايين فرص العمل للشباب المتطلع لمستقبل أفضل.
فما عادت هناك سياسات حمقاوية , فالعالم عبارة عن كينونة إقتصادية تتحكم فيها عوامل العرض والطلب , والتسويق والتنافس الحر على جني الأرباح , فاستفيقوا ياعرب , وثوبوا إلى رشد هذا العصر , فالديمقراطية نظام إقتصادي لو أدركتم جوهر ما فيها.
فهل يستطيع العرب أن يؤسسوا لعلاقات إقتصادية ذات ربحية متنامية , وقدرات إتساعية لبناء الذات وجني ثمار طاقاتها وتوظيفها للحياة الحرة الكريمة؟!!
فاحرقوا أوراق سياساتكم الحمقاوية , وتعلّموا سلوك الإقتصاد التفاعلي الذي يؤمّن المصالح ويستفيد من الموارد , فالسياسة إقتصاد , وليست تصريحات وخطابات ومعتقدات , وتصورات بهتانية عجفاء المعطيات هشيمية الإنجازات!!