قصية قصيرة
هناك في تلك الربى البعيدة خلف السهل الواسع قرب السفوح العالية ، كان يعيش العم شيركو مع عائلته ، يحرثون الارض فياكلون من ثمارها ويرعون الغنم فيشربون من حليبها .. ويبيعون صوفها . كانت حياتهم هادئة لا يعرفون شيئاً عن هموم البعيدة عن مجتمهم الصغير الذي تربوا فيه وتوارثوا عادات وتقاليد اجدادهم من الاخلاص والوفاء للارض والمجتمع البسيط حولهم وكانت الاواصر بين العوائل متيمة لا يشوبها شائبة .. ابنه البكر سالار (١٦ سنة) راعي الغنم .. يخرج من الصباح الباكر ويعود بالحلال عندما تكون الشمس في الافق قرمزياً .. وتجر ذيولها قبلان يرمي الظلام شباكها على القرية .. تزوج سالار وهوفي هذا العمر .. بل زوجوه .. فمن عادات المجتمع الذي يعيشون فيها .. الزواج المبكر.. رزق سالار من زوجته شيرين والتي كانت عمرها عند الزواج خمسة عشرة عام طفلان جميلان .. اسعدا الوالدين والجد والجدة الغرقان في حماية العائلة من الاوهال .. كان شيروكو قريباً من الثورة .. يساعد الثوار .. إنها غريزة الانتماء القومي .. والوجب الوطني .. لكنه لم يكن يعرف شيئاً عن السياسة ، الوطن لا يحتاج الى المعرفة السياسية . انه انتماء .. وروح ينمو مع السنابل الخضراء في الحقل .. روح ينمو مع الخوف من الذب الذي يهاجم الاغنام في الليالي الشتوية الظلماء ..كان يعي ان مصالحه مشتركة مع العامل .. وأن الثورة تدافع عن مصالحهم المشتركة في المدينة والقرية .
البحار والانهار.. ولا السهول والجبال لم تمنع عنهم الحرب .. ولا على المدن القريبة والبعيدة .. حرقوا بيوتهم ومزارعهم .. طردوهم من ديارهم لاسباب واهية .. سمعهم يقولون انهم يحافظون على انابيب النفط .. ولحقيقة انهم جلبوا اناس لقراهم لا يمتون للقرية ولا البيئة بأية علاقة .. يختلفون عنهم في اللغة والجنس والروح .. انهم موالون للسلطات .. وعدو للبيئة .. صاروا اهل البيت وهم غرباء .. وجدوا انفسهم خارج الحدود الدولة .. في بلد غريب .. عبروا محطات عديدة .. ساروا مسافات طويلة حاملين أمتعتهم الثقيلة .. يصدون وينزلون الجبال الشاهقة المغطاة بالثلوج الازلية ..البرد القارص يخدش اعصابهم واجسامهم العارية .. فقد شيروكو ابنه الرضيع بسبب البرد والجوع على قمة الجبل ثلجي .. الجبل الذي يغرق قمته في السحاب .. فدفنوه حيث فارق الحياة .. ولملا يدفنه على القمة .. فكل الارض سواء .. مادام لا يعيش في قريته ووطنه .. ارض اللهالواسعة اصبح وطنه .. بعد تركهم للديار .. وطنهم الام .. انتقلوا من محطة االى محطة ومن مدينة ال مدينة .. سكنوا القرى البعيدة .. فرشوا الارض وتغطوا بالسماء .. الممطرة .. والسماء الصافية .. القارصة الباردة .. نفذ مالديهم من مال .. ونفذ عندهم الصبر .. لا يعلمون ما مصيرهم بين الامس واليوم .. ماذا سيحدث ؟ هل يدفنون كما دفنوا الطفل الرضيع .. على قمة الجبل .. كل شيء غامض .. ضبابي .. مظلم .. هل كونه دعم الحق .. وساند المظلوم سبب هذه المصائب ؟ .. لكن لا هذا ليس بصحيح .. لا ليس صحيحاً .. جيرانه لم يكونوا منتمين للثورة والحزب الثائر على السلطات .. ولا دعم الثوار يوماً .. ها هو وعائلته معهم في هذه الرحلة المريبة .. يحملون متاع السفر المتعبة الذي لم ينتورنها في حياتهم ..
هل هو القدر .. ؟ ام الظلم الذي لا يعرف البرئ من المذنب ..!! الظلم .. الاناية .. العنصرية .. انهم يبعدون الفلاحين من قراهم للحفاظ على انابيب النفط .. لكي يسرقوا البلد بما فيها ولا يشاهدهم أحد ليشهد عليهم . يصل الكثيرون من قريتهم والقرى المجاورة لهم ومن المدن .. الى بلد لا علاقة لهم بها .. متعبين منهكين .. عراة وحفاة ، الجوع يقتل الكبير قبل الصغير،اطفال يموتون من البرد والجوع ؟ زكم إمرأة فقدت جنبينها.. وذاك الشيخ الكبير يجر خطاه خلف القافلة الطويلة فقد الشيخ كل ما يملك أمةاله .. ثروته .. ارضه وزرعه .. وفقد عائلته .. أولاده .. احفاده ..!! كان يحلم ان يترك لاحفاده ثروته وارضه .. لكنهم سرقوا منه كل شيء .. المال .. الارض .. الوطن فوق كل هذا وذاك .. شيركو وأولاده وقفوا امام موظف الصليب الاحمر الدولي .. كما فعل الآخرون .. قالوا لهم سنرسلكم الى بلد آمن . تساءل شيركو .. ألم يكونوا آمنين في قريتهم .. لقد كانوا في أمان في قريتهم .. منذ آلاف السنين ولم يعكر صفوة حياتهم إلا هؤلاء الشرذمة الذين يحكمون منذ ثلاثة عقود ونصف العقد .. الشيخ الكبير بدأ يهذي .. يتحددث مع الهواء مع الظل الذي يخلفه الشمس في منتصف النهار .. يمد يده متسولاً في هذه المدينة الغريبة .. لا نهاية لهذه الآلام وهذه الحرب المدمرة .. شعب يباد عن بكرة ابيها .. لا لشيء إلا لغطرسة حاكم اهوج يفكر بعقلية اولاد الشوارع ..
لا لن يكون هناك سلام بعد اليوم .. الحرب سيبقى قائماً .. حرب ازلي .. بلا نهاية ..!!
انقسام في الرأي والتوجهات السياسية .. لا احد يعرف طريق المشاركة .. كل يريد كل شيء أو لا شيء .. القيادات المعارضة لا يتصافحون مع بعض .. ولا يتنازلون لبعض .. الانتقام .. الانتقام شعار دائم .. بالامس كانوا ثوار .. من اجل الوطن والشعب .. اليوم .. لا نعرف ماذا ؟
شيركو وابنه ما زالوا يراجعون مكتب الصليب الاحمر.. قال لهم الموظف الاممي .. أنهم لا يستطيعون مراطعو المكتب .. سوية .. سيتم تقسيمهم الى عائلتين .. لان ابنه متزوج .. وله طفلين .. قد يرحلونهم الى بلدين مختلفين .. من خلال فايلاتهم .. والتحقيق التي اجريت معهم ..
تنفس شيركو الصعداء .. القلق بد يدب في جوارحه .. كيف له أن يترك ابنه مع طفلين وزوجة لحد الان لم تتجاوز الثامنة عشرة من عمرها .. لقد عاشت العائلة تحت سقف واحد .. في بيت العائلة الكبير جيل بعد جيل ..لذا سجل شيركو افراد العائلة باسمه .. حتى الكنة اصبحت بنته واخاً لزوجها في السجلات .. لكن الحمل تفضحهم في بلد اللجوء .. كيف تحبل المرأة من اخوها ..
انهم ضحية اللاعدالة السياسية .. وعنصرية نظام غارق في التخلف الفكري والسياسي ..
حبل من اخيها حسب السجلات وزوجها الشرعي ..
اين الحل.. ؟
لمن تشتكي ..؟
انهم ضحايا الحروب المجنونة .