23 ديسمبر، 2024 2:54 ص

فكرة النشوء والارتقاء عند أبي علي مسكويه

فكرة النشوء والارتقاء عند أبي علي مسكويه

” إن الإنسان آخر الموجودات، وان التركيبات تناهت اليه ووقفت عنده وتكثرت الأغشية واللبوسات الهيولانية على جوهره النير أعني العقل، ولما حصل الإنسان آخر الموجودات صارت الأشياء التي هي في أنفسنا أوائل، آخرة عنده”

ينتمي أبو علي مسكويه إلى العصر الذهبي لحضارة إقرأ حيث عاش بين سنة 932 و1030 في الري وأصفهان وبغداد أين تأثر بالكندي وتتلمذ على يد مترجم كتاب تهذيب الأخلاق يحي بن عدي وتناظر مع ابن سينا واشتغل بالأدب والتاريخ والطب والكيمياء والمنطق والفلسفة والإنشاء والأخلاق والسياسة.

لقد كان ناشطا سياسيا زمن البويهيين وشاعرا وموظفا في الدولة ولكن أحيطت حول شخصيته الكثير من الغموض حول مذهبه وهويته ولكن وجد إجماع حول منزعه الإنسي وحكمته العملية وأسلوبه في الحياة.

اصطحب ابن العميد وأب الفضل وترفع عن خدمة الصاحب بن عباد وذكره أبو حيان التوحيدي في كتبه كثيرا واشتغل بالكيمياء وأراد استخلاص الذهب من التراب ولكنه أقلع عن ذلك واهتم بالأدب والفلسفة.

كان أول من تناول موضع الأخلاق والقيم بأسلوب علمي وخصص لإصلاح الأنفس وتهذيب الطباع عدة مؤلفات أهمها: تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق والفوز الأكبر والفوز الأصغر وترتيب العادات والأنس الفريد وتجارب الأمم والمستوفى والأدوية المفردة وتركيب الباجات في الأطعمة والأشربة والجامع وطهارة النفس ورسالة في اللذات والآلام في جوهر النفس ورسالة في حقيقة العدل وفي النفس والعقل وترتيب السعادات والحكمة الخالدة وآداب العرب والفرس ورسالة نديم الأحباب وجليس الأصحاب.

كان يتقن العربية والفارسية وجملة من اللغات الشرقية وكان له السبق قبل غيره في القول بنظرية التطور ووجود تسلسل بين القرد والإنسان وبين الهمجي والمتمدن وبين النفس النباتية والنفس الحيوانية والناطقة.

لقد جمع بين الفلسفة والتاريخ ونظر إلى السياسة من جهة الأخلاق والطب وحاول التفريق بين الحكمة والفلسفة وبين الأخلاق والإيتيقا وسعى لتفادي القسمة المغلوطة بين النظر والعمل الموروثة عن الإغريق.

قام بإثبات وجود الصانع لهذا الكون وأقر بالنبوة ضد منكريها وزاد على ذلك بقوله بخلود النفس وبحث سبل فوزها بالسعادة ووجد ذلك في إتباع الفضيلة والابتعاد عن الرذيلة وصحة المزاج وجمال الفعل وركز على مطلب العدل بالنسبة للحكام ورأى في الحاكم العادل المثل الأعلى للمجتمع وأصل النظام في الدولة.

لقد جعل من مبحث السعادة حكمة الحياة في المجال العملي شغله الشاغل وفرق فيها بين السعادة العامة والسعادة الخاصة وبين سعادة النفس وسعادة البدن وبين السعادة الجزئية والسعادة التامة ووجدها في الحكمة. كما عمل على التمييز بين الفلسفة الحكمة وقسم الأولى إلى بعد نظري يحدث بالقوة التأملية وبعد عملي يتم بالقوة العاملة في حين أنه عرف الثانية بفضيلة النفس الناطقة المميزة وخصها بالمعرفة من المعقولات ما يجب أن يفعل وأن يترك وأن تدرك النفس المعقولات الضرورية للحياة العقلية السعيدة.

ان الفلسفة هي الغاية القصوى للوجود الإنساني وغاية الحياة الإنسانية والوسيلة الوحيدة للترقي الدائم من خلال التدبير المدني والمزج بين العلم والعمل وجعل تنظيم الأفعال وفق سنن الكون سبيل السعادة المطلقة.

لقد عالج مسكويه الخوف من الموت بالإقبال على مسرات الحياة ورفض التعامل معه كعقوبة وألم عظيم واعتباره نتيجة حتمية ونهاية منطقية وزيادة الأمل والتقليل من الانزعاج حول ما يحدث للمرء في الآخرة. لقد ذكر في وصيته الأخلاقية الشهيرة أن من ” علامة حكمته أن يستبصر في اعتقاداته حتى لا يفوته بقدر طاقاته شيء من العلوم والمعارف الصالحة، ليصلح أولا نفسه ويهذبها ويحصل له من هذه المجاهدة ثمرتها التي هي العدالة، وعلى أن يتمسك بهذه التذكرة ويجتهد في القيام بها والعمل بموجبها”، فمتى تتمكن الثقافة التي تخصنا من استعادة المنزع الإنسي والإيتيقي الذي كان له الفضل مع غيره في تأسيسه؟

المراجع:

أبو علي مسكويه، تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق ، تحقيق ابن الخطيب، مكتبة الثقافة الدينية ، الطبعة الأولى، جزء واحد.

أبو علي مسكويه، الحكمة الخالدة، تحقيق عبد الرحمان بدوي، دار الرافدين، طبعة أولى ، 459 صفحة.

أبو علي مسكويه، تجارب الأمم وتعاقب الهمم، تحقيق سيد كسروي حسن، دار الكتب العلمية، بيروت، 2003.

أبو علي مسكويه، الفوز الصغر، تحقيق صالح عضيمة، الدار العربية للكتاب، مجمع بيت الحكمة ، قرطاج، تونس، طبعة 1987، 126 صفحة.

أبو علي مسكويه، رسالتان في اللذات والآلام والنفس والعقل، منشورات دار الجمل، بغداد، طبعة 2009.

أبو علي مسكويه، رسالة في الخوف من الموت، تقديم علي محمد اسبر، دار بدايات ، دمشق، طبعة 2007. 93 صفحة.