لم تجتمع البشرية على فكرة أو موضوع أو عقيدة كما اجتمعت على فكرة ظهور المنقذ في آخر الزمان ، ولم تغب هذه الفكرة عن جميع المجتمعات البشرية بل جميعها تؤمن بظهور من ينقذها من الفساد الذي سينتشر في آخر الزمان ، وقد تقاربت الأفكار والكلمات مابين بني البشر في تبيان هذه الفكرة ، وقد تبنت هذه الفكرة جميع الديانات السماوية وكذلك الوضعية بالإضافة الى العلمانيين ، وإن وجد بعض الاختلافات ولكن ليس في أساس الفكرة بل في مكملاتها كالاسم ومكان الظهور بالإضافة للعقيدة التي يتبناها المنقذ الموعود. وجاء عن الكتب الدينية للهندوس : في أواخر الجك الرابع – أي الدورة الرابعة – يتجه أهل الأرض الى الفساد ويكفر أكثرهم ويرتكبون المعاصي الكبيرة ويحكمهم الأرذلون والناس يومئذ أشبه بالذئاب يأكل بعضهم بعضا وينهب بعضهم بعضا ويفسد الكهنة ورجال الدين والحق يكون مع اللصوص ويُحتَقَر المتقون الزاهدون ، هناك يأتي برهمن كلا – أي رجل الدين الشجاع – فيطهر الارض بسيفه القاطع من المفسدين والأرجاس ويحفظ الطيبين والأطهار …(1) ، ويعتقد البوذيون : أن في كل زمان تظهر شخصيات كاملة ليعلموا أتباعهم المحبة والصبر والتضحية ويعلمونهم تعاليم بوذا وهؤلاء بدورهم يرشدون الناس….(2) ، ويعتقد المجوس : أن في آخر الزمان يظهر شخص أسمه :اشيزريكا ويظهر معه شخص آخر أسمه بتياره – أي الدجال – فيفسد في الأرض عشرين عاماً ثم يحكم الأرض أشيزريكا فيحي العدل ويبيد الظلم ويخضع له الحكام والسلاطين فترحل الفتن والمصائب الى الأبد ليحل محلها الراحة والأمان …..(3) ، وأما اليهود فقد أمنوا بعودة عزير أو منحاس بن يعازر بن هارون , وأما النصارى فقد أمنوا بغيبة المسيح (ع) وعودته , وينتظر مسيحيو الأحباش عودة ملكهم تيودور كمهدي في أخر الزمان …(4).
أما المفكرون العلمانيون فقط كان لهم أراء مشابه للديانات السماوية أو الوضعية في فكرة خروج المنقذ في أخر ألزمان فمثلاً يقول المفكر البريطاني الشهير برتراند راسل :إن العالم في انتظار مصلح يوحده تحت لواء واحد وشعار واحد ..(5) ، ويقول العالم الفيزيائي المعروف البرت أينشتاين صاحب النظرية النسبية : أن اليوم الذي يسود فيه السلام والصفاء في العالم كله ويكون الناس فيه متحابين ومتآخين ليس ببعيد ..(6)، وأوضح وأدق مقوله في خروج المنقذ قالها المفكر الأيرلندي المشهور برناردشو فقد بشر بحتمية خروج المصلح والذي سعيش طويلاً قبل ظهوره وهذا مايعتقد به أتباع أهل البيت (ع) في عمر الإمام الحجة (عج) ويرى برناردشو ذلك ضرورياً لإقامة الدولة الموعودة , قال في كتابه الإنسان السوبرمان وحسب مانقله الكاتب المصري عباس محمود العقاد في كتابه عن برناردشو في وصف المصلح العالمي بأنه : أنسان حي ذو بنية جسدية صحيحة وطاقة عقلية خارقة ، إنسان أعلى يترقى أليه هذا الإنسان الأدنى بعد جهد طويل وأنه يطول عمره حتى ينيف على الثلاثمائة سنة ، ويستطيع أن ينتفع بما أستجمعه من أطوار العصور ، وما أستجمعه من أطوار حياته الطويلة ……(7).
أما المسلون فأنهم يؤمنون قاطبةً بظهور الإمام المهدي المنتظر (عج) في أخر الزمان مع أختلاف بسيط فأتباع أهل البيت عليهم السلام يقولون أنه مولود ولكنه في غيبة طويلة حتى يأذن ألله له بالخروج أما أبناء العامة فيقولون أنه سيولد في أخر الزمان ، ولكن كلا الطرفين يعتقدون بظهور المهدي (ع) في أخر الزمان ويعتمدون في ذلك على العشرات من الآيات القرآنية ومئات من الأحاديث النبوية الصحيحة التي ينقلها كلا الطرفين فهذه بعض الآيات القرآنية التي ذكرها المفسرون التي تبين خروج المنقذ في أخر الزمان :
قال ألله سبحانه وتعالى ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون)……(8) ، قال ألله سبحانه وتعالى : (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في ألأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين)……(9) ، قال الله سبحانه وتعالى ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون)….(10) .
قال رسول ألله (ص) ( من أنكر خروج المهدي فقد كفر )……..(11) ، قال رسول ألله (ص) (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلاً من ولدي أسمه كاسمي وكنيته كنيتي ، فقال سلمان : من أي ولدك يا رسول الله قال من ولدي هذا وضرب بيده على الحسين)……..(12)، قال رسول ألله (ص) (المهدي من أهل البيت يصلحه ألله في ليلة ) ……(13)، قال رسول ألله (ص) (لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من أهل بيتي من ولد فاطمة فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجورا ) ……(14) ، وغيرها من الآيات والأحاديث الكثيرة التي تتحدث عن خروج الأمام المهدي المنتظر(ع) في أخر الزمان . ومن هذا نستنتج أن البشرية قاطبةً تنتظر من يخلصها وينقذها من هذا الفساد المستشري في المجتمعات لكي يملئها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، أي أن العالم بأجمعه ينتظر المهدي المنتظر (عج) لكي ينشر بين ربوعه الخير والصلاح الذي أفتقده العالم وأصبح فيه القوي يأكل الضعيف والحق فيه أصبح باطلاً والباطل حق ، ولأن الظهور حتمي وهذا متفق عليه من قبل العالم بسره من جميع ديانته ومذاهبه السماوية وغير السماوية وأكده نبي الرحمة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أي الجميع ينتظر خروج المنقذ لينشر العدل في ربوع هذه الأرض التي ملئت ظلماً وجوراً وعدوانا ، وهذا ضمان السماء لأهل الأرض بالفرج والحياة الكريمة ، ولكن أهل الأرض وخصوصاً الموالين لأهل البيت عليهم السلام هل هم بمستوى هذا الحدث العظيم الذي به فرجهم وحريتهم الحقيقية ، لهذا فأن المهم في هذه الأيام أن نهيء أنفسنا لاستقبال ظهوره الموعود حتى نحظى بنظرة كريمة منه ونجعله يفرح باستقبالنا له عندما نرفرف بأيدينا ونصرخ بألسنتنا وتدق قلوبنا قبلهما فرحا في قدومه الموعود ، فلنكن بمستوى الحدث وهذا اللقاء الموعود من خلال مراقبة النفس وتهذيبها ودفعها لعمل كل ما أمرت به الشريعة السمحاء من الحلال وتجنب الحرام والمواظبة على القيام بالعبادات وخصوصاً الصلاة في أوقاتها بالإضافة الى التحلي بالصفات الحسنة الحميدة من أخلاق وتسامح وكرم وعفو وغيرها ، حتى نكون بالمستوى المطلوب الذي يؤهلنا لاستقبال منقذ البشرية الإمام الحجة بن الحسن (عج) . ، ونحن أتباع أهل البيت عليهم السلام نحتفل في هذه الأيام بمولد الإمام المهدي المنتظر (عج) الذي ولد في 15 شعبان عام 255 هجرية وغاب الغيبة الصغرى في عام 260 هجرية وبدأت الغيبة الكبرى عام 329 هجرية وسوف يخرج عندما يأذن ألله له ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجورا , اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى أبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعينا حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلاً برحمتك يا أرحم الراحمين .
(1) ما للهند ص 321 (2) قسم أدبانيشا من كتاب ويدا البوذي المقدس (3) عقيدة المسلمين في المهدي ص9 (4) الدفاع عن الكافي,السيد العميدي,ج1ص 181 (5) المهدي الموعود ودفع الشبهات عنه,السيد عبد الرضا الشهرستاني (6) المهدي الموعود ودفع الشبهات عنه ,المصدر السابق ,ص7 ص65 (7) برناردشو,عباس محمود العقاد,ص124-125 (8) سورة التوبة اية 33 (9) سورة القصص أية5 (10) سورة الأنبياء أية 107 (11) فرائد السمطين , الجويني ,ج2 ص334 ح585 (12) ذخاير العقبى ص136، الغدير – الشيخ الأميني ج7 ص125) (13) مسند أحمد ,أحمد بن حنبل ,ج1 ص84 ,دار صادر بيروت (14) فرائد السمطين , الجويني ,ج2 ص334 ح585