ينتج عن تكسر احد البروتينات الموجودة ضمن مكونات غشاء الخلية العصبية عند الإنسان بروتين ( بيتا اميلويد ) , سيشكل هذا تكتلات ليفية تحول دون انتقال الايعازات العصبية بين الخلايا , وهذا ما سيؤدي إلى الإصابة بمرض الألزهايمر, عندها ستقل قدرة الإنسان على الاستيعاب و تدريجيا سيكون عاجزا عن أداء الكثير من الأعمال , عندها سيفقد الإنسان الكثير من القدرات والإمكانات , وهذا يا سادتي ما ندعوه بالاحتضار البطيء , قد يبدو هذا أمراً فردياً وعادياً , لكنه الأهم , كل المفاهيم و المعطيات التي تبدو لنا وكأنها كل شيء _ الكون كله _ سوف تختفي , لأننا فقط ندركها بعقولنا و ما لم ندركها أو نعلم بوجودها فهذا يعني أنها غير موجودة , أي أن دمار هذا الدماغ الصغير يعني دمار العالم .
عندها سيشعر الإنسان بقيمة العقل السليم , العقل القادر على الاختيار , المستطيع فعل ما يشاء , العقل المدرك _نسبياً_ , عندها سيدرك الإنسان أن الحياة التي كانت مبنية على معايير غيره كانت هدراً لإمكانيات هائلة ..
في الوقت التي يبدأ فيه العالم بالدمار _ الذي يبدأ فيه الدماغ بالتلف _ سيتذكر الإنسان أثمن أوقاته , لن يفكر فيما إذا كان الآخرون راضين عن حياته , بل سيفكر فيما إذا كان هو راضياً ..وإن لم يكن فهنا تكمن المأساة , عندها لا فائدة من الندم فلا تبك على الحليب المسكوب ولا تنشد ” ليت الشباب يعود يوماً ” , وأفضل ما يمكنك فعله هو إسداء النصيحة إلى الأصغر منك سناً .
تبدأ المسألة منذ الطفولة , ذلك الوقت الذي تنشأ فيه مبادئنا الأولية و معاييرنا , ربما لن نتمكن من مناداتها بمعاييرنا لأنها في الواقع ليست لنا , بل هي نتاج لما شاهدناه وعايشناه حسب البيئة الصغيرة التي نشأنا فيها , يبدأ الإنسان بتحديد الخاطئ و الصحيح _القضية المعيارية اللامنتهية_ وعندها يبدأ تحكم الآخرين بنا _ في الواقع الآخرين ليسوا شخصاً و ليسوا متآمرين , بل هم مجرد أناس مثلنا وكل واحد منا جزء من ” آخرين خاصة بغيرنا ” _ ويبدأ طريقه بالارتسام أوتوماتيكيا أحيانا وأحيانا جاريا خلف ما يحب _هدفه الشخصي_ , وتعيس الحظ (الشخص الأول) هو نادِمُنا , سيعلم في نهاية المطاف ما أضاعه جراء عدم محاولته الإصغاء إلى صوته الداخلي بدلاً من الإصغاء إلى الغير.
يقول أينشتاين : ” إذا أردت أن تعيش حياة سعيدة أربطها بهدف ولا تربطها بأناس أو أشياء ” . وبالفعل صديقنا النادم الآنف الذكر , هو من ربط حياته بمقاييس و آراء و رغبات غيره من الناس و لم يلتف لرغبته و سخر إرادته _ التي من المفترض أن تكون حرّة _ لخدمة أهداف غيره , وهذا ما جعله تعِس الحياة .
هناك الكثير من القصص الملهمة لشخصيات تخطت العقبات التي وضعت أمامها بغيّة صدها , أبرز مثال على ذلك عالم الفيزياء الشهير الذي توفي مؤخراً “ستيفن هوكينغ” , عندما أصيب ستيفن بمرض التصلب الجانبي الضموري حيث أصيبت الأعصاب الحركية بالضمور التام _ كان مرضا قاتلا بشكل جدي _ تحدى ستيفن المرض , فبدلا من انتهاء حياته بهذا المرض و بدلا من استسلامه كافح وحارب بقوة , وترك إرثا باهرا للبشرية في مجاله , وترك صورة ومثالاً يُحتذى بهما في الكفاح والعيش والتصدي للصعوبات وتحقيق الهدف بغض النظر عن أي شيء . وهناك حكاية “هارلاند ساندرز” رجل الأعمال الكبير الذي رغم تركه الدراسة و رغم كل الصعوبات التي واجهها إلا انه حقق هدفه ويعتبر اليوم مؤسس اكبر المطاعم و أشهرها. وكذلك حكاية “والت ديزني” الذي واجه الكثير من الخسائر لكن بالرغم من ذلك أسس اليوم شيئاً كبيراً بالفعل _بل إمبراطورية كبيرة_ , وغير هؤلاء الكثير من الأمثلة المذهلة للكفاح.
هناك حكاية أخرى في هذا المجال , وهي رواية (الخيميائي) لـ”باولو كويلوا” , والتي تحكي قصة الراعي الاسباني “سانتياغو” الذي يترك عمله المستقر و حياته بحثاً عن حلم راوده بأنه سيجد كنزا قربا من أهرامات مصر, فيلتقي بملك سالم الذي يخبره عن “أسطورته الشخصية” ويحثه على المضي فتبدأ رحلة صديقنا , يتعرض صديقنا للكثير من المصاعب في رحلته , تتم سرقته في مستهل رحلته , لكن يحالفه الحظ فيجد عملا مع العم صاحب متجر البلور قليل الارتياد _وهذا ما يعتبره إشارة_ فيعينه سانتياغو كثيرا وبمساعدته يتحول متجرنا هذا إلى مكان مزدهر بشكل كبير , كذلك نتمكن من رؤية بؤس العم وعدم مضيه في حلمة _المتمثل في الذهاب للحج_ وتخوفه من خوض هذا الشيء الذي يريده خوفا من خسارة دافعه للحياة , وعندما يعرب له سانتياغو عن هدفه يجيبه العم بأن الأمر مقضي وانه من المستحيل أن يجد كنزه و أن الرحلة للأهرامات بعيدة ومستحيلة ويمكن لأي احد أن يبني هرما في حديقته منزله , لكن سانتياغو لا يعبأ بهذا وينطلق ماضياً في دربه حتى يصل إلى الصحراء ويقابل القبائل الموجودة في الواحة ويُسلب ماله مجددا , وعندها يلتقي بالخيميائي الذي يدربه على الاستماع إلى صوت العالم إلى اللغة التي يتكلم بها الكون ( روح العالم ), ثم يكمل دربه ماضيا إلى الأهرامات فيُسلب مرة ثالثة ويكلم اللصوص عن هدفه ليعلم أن كنزه كان قريبا منه جدا , وفي النهاية يجد كنزه وتنتهي هذه المغامرة لتبدأ مغامرة جديدة . شعار هذه الرواية هو ” عندما تحلم بشيء فأن الكون بأسره يطاوعك على تحقيقه ” , وبالفعل الشخص الماضي في دربه هو المُعَاوَن المدفوع .
كل هذه القصص الملهمة تشكل دليلا على أن الناجحين ليسوا من التزموا الجانب الآمن أو من استمعوا إلى الآخرين , بل الناجحين هم من عرفوا أنفسهم , من أصغوا إلى صوتهم , ومن سلكوا دربهم و هم على ثقة مما يريدونه .
كما يقول ونستون تشرشل : ” النجاح ليس نهائياً , و الفشل ليس مصيرياً , بل هي الشجاعة لمواصلة الكفاح “.
والإرادة الحرة الحصول على الرضا الذاتي , هما حق من حقوق الإنسان.
لا تبال يا صديقي بالحال أو بالظروف فهي مجرد أمور وقتيه ولن تكون حجة منطقية لتدمير حياة كاملة كان من الممكن أن تكون أكثر إنتاجا , فالناجح هو من يقوم بعمله بنفسه غير منتظرٍ فرصة أو ظرفا ملائما ..
يقول جورج برنارد شو : ” دائما يلوم الناس الظروف , الناجحون في هذه الحياة هم أناس يقومون في الصباح يبحثون عن فرص مواتية إذا لم يجدوها .. صنعوها ” .
فلا تُمَلِك الناس الآخرين المحيطين بك سلطة عليك , ضع معاييرك وفق منطقك , غامر وعش _حياتك أنت_ فحياتنا فانية قصيرة , هي حياة فانية , صحيح , و لكن لا يمكن تخيل ما يمكن إنجازه بهذه الحياة الصغيرة , فكِّر برد جميل هذا الكوكب الذي أطعمك و أكساك , فكر بمكافئة أشكال الحياة التي منحتك إياها , أشكرهم جميعا , كل تلك النعم , وذلك بالمضي في أهدافك مهما كانت ولا تبال مهما كانت غايتك فما دامت تلك غايتك الصادقة , فهذا يعني أنها الشيء الأكبر والأعظم .
تقول الأم تريزا : ” لا نقوم كلنا بأعمال عظيمة , ولكن يمكننا أن نقوم بأشياء بسيطة للغاية بحب كبير” .
لا خاطئ و لا صحيح فالأمر يعتمد على وجهة النظر التي تنظر منها , مقاييس الناس واعتباراتهم وآراءهم هي مجرد أمور تخصهم ولا دخل لها بحياتنا , لدينا حياة واحدة فقط فدعنا لا نضعها بالقلق من نظرة الآخرين لنا , ثق بأن ذاك الذي يثنيك ويحاول جعلك مخفقاً ما هو إلا شخص غير ناجح ويريد منع الآخرين من النجاح .
حياة واحدة يعيش فيها المرء أسطورته الشخصية أفضل من مئة حياة على الطريق المستقيم , وأثمن ما قد يكون بيد المرء هو ” الإرضاء الذاتي “