هل يهتم المواطن العراقي المعدم الفقير بما يدور حوله من أحداث سياسية واقتصادية ، وهل تعنيه مصطلحات التوافق السياسي ، والتهميش والإقصاء ، وإعادة ترتيب البيت السياسي العراقي ، وانخفاض أسعار النفط أو ارتفاعها ، وغيرها من المصطلحات التي تعج بها الساحة السياسية والإعلامية العراقية … وهل يشكل له فارق أن يحكمه هذا الحزب أو ذاك أو هذه الشخصية أو تلك ، في ظل ما يعانيه فقراء العراق حاليا ، إن كل هذه الأمور لا تدخل في حساباتهم أو تشغل تفكيرهم ، بقدر احتياجهم لمن يوفر لهم الحياة الكريمة بعيدا عن ذل الفاقة والعوز ، فقد جربوا كل المسميات السياسية التي تشدقت بفقرهم ووصلت على أكتافهم إلى السلطة والنتيجة إنهم ازدادوا فقرا ، وتحول الآخرين إلى إقطاعي سياسة اغتنوا واكتنزوا على حساب هذه الشريحة المعدمة من الشعب ، بالأمس القريب مررت بامرأة عجوز ضريرة تخطت السبعون عام من العمر ، كانت تمد يدها طلبا للمال وهي تردد ،( فقدت أبنائي الأربعة وجوع أيتامهم أخرجني بهذا البرد الشديد … عذرا ياحسين جوعهم والعمى منعاني من زيارتك هذا العام ) ، كانت علامات الفقر والفاقة بادية بوضوح عليها وهي تتخطى طرقات السوق بعكازها طلبا للمساعدة ، إن هذه المرأة وغيرها الملايين من الفقراء هم تعبير واضح عن حقيقة حاول أن يتجاهلها الكثيرين ، أو أن يلتف عليها …
وهي إن فقراء الأمس هم لازالوا فقراء اليوم ، وان هذه المرأة المولودة على ارض تعوم على بحر من البترول والتي فقدت أبنائها الأربعة بحروب وصراعات سياسية وطائفية صنعتها الإرادات السياسية الحاكمة من اجل مصالحها الشخصية والفئوية والحزبية ، لو توفرت على هذه الأرض جزء بسيط من العدالة والإنصاف لما مدت هذه المرأة يدها طلبا لرغيف الخبز تسد به رمق أيتامها … ولكن لو سألنا هذه المرأة العجوز عن ماهية الحكم الذي تريده للعراق أو أي حزب أو شخصية تختارهما لهذه المهمة ، فماذا سيكون جوابها … اعتقد أنها ستختار (رغيف الخبز وزيارة الحسين (ع) ) بديلا عن كل تلك المسميات … أحب فقراء العراق الزعيم عبد الكريم قاسم ، وهم لا يعرفون لأي مذهب ينتمي أو قومية ، غير إنهم أدركوا حقيقة واقعة هي انه جاء وعمل من اجلهم … قال الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري (رض) …
( أينما ما ذهب الفقر إلى بلد قال له الكفر خذني معك ) … إن الكفر الذي يولده الجوع والعازة ليس بالضرورة أن يكون بالله تعالى ، بل قد يتخطى إلى الكفر بالانتماء للوطن وبالثوابت القيمية والاجتماعية وبكل ما هو قائم ويدخل سببا مباشرا بهذا الفقر … فيا حكام العراق الجديد ، إن فقراء العراق وأيتامه أمانة في أعناقكم ستسألون عنها في الدنيا والآخرة ، كان رسول الإنسانية محمد (ص) يلقب بأبي الأيتام ، وكان عليا (ع) يحمل الطعام على كاهله لفقراء المسلمين ، وعمر (رض) يعس ليلا ليتفقد فقرائهم ، وهم قدوتنا وقدوتكم كما تدعون ، وان التاريخ يسجل ، والذاكرة الإنسانية تستحضر ولن يرحما السراق والمتخاذلين .