23 ديسمبر، 2024 12:14 م

فقدوا الرهانات في سوريا.. ووجدوا في العراق ضالتهم ..!!

فقدوا الرهانات في سوريا.. ووجدوا في العراق ضالتهم ..!!

((السياسي يحتاج إلى القدرة على التنبؤ بما سيحدث غدا أو الأسبوع المقبل ، الشهر المقبل ، والعام القادم. وأن يكون لديه القدرة بعد ذلك ليشرح لماذا لم يحدث ذلك )). ونستون تشرشل

ما بعد عملية الاطاحة بنظام صدام حسين زادت حدة المخاوف من ان يتأثر انصاره ومؤازريه بشدة الصدمة التي قلبت الموازين في العراق   ، ويلملموا من شتاتهم مجددا للقيام بمحاولة استعادة ما فقدوها من جاه وسلطة ونفوذ ، الا ان طبيعة المجريات ما بعد السقوط قد جردت انصار النظام حتى التفكير بشيء من هذا القبيل ، لانها كانت مكلفة جدا ، وما كان بمقدورهم فعل اي شيء لان المخطط الهادف لإجراء تغير شامل في المنطقة كان مدروسا بدقة خصوصا ان العديد من أصحاب الشأن السياسي والعسكري  للنظام قد قدموا الدعم والولاء للقوات الامريكية بهدف نجاح عملياتها العسكرية وتسهيل  مهمة قواتها الزاحفة صوب العاصمة بغداد كمرحلة أولى ، ثم البدء بتنفيذ المرحلة الثانية من عملية التحرير …

 ما كان ملفتا للنظر هو الانهيارات المتتالية للجيش والمؤسسات الامنية والاستخبارية بمجرد دخول القوات الامريكية  لبغداد  وظهورها قرب القصور الرئاسية ، والتي سببت في هروب القادة والوزراء صوب المخابئ اعدت سلفا لهذا الغرض  ، وبالتالي ما كان بمقدور الضباط والمراتب الا الخضوع للأمر الواقع و فضلوا القاء السلاح مقابل  سلامتهم من الهلاك ، بعد ان أدت الاشاعات أغراضها التي روجت قبل دخول الامركيين بغداد وبعدها  ، وكانت جزءاً مهما من الحرب ذاتها التي قصمت بها الامريكان ظهر صدام وشل من حركته تماما وفقد الامل بعد ان اصابه الياس والاحباط  ، وفضل ان يترك وصيته الاخيرة لأنصاره ومؤازريه وضباط وقادة جيشه (( تغلغلوا الى داخل الاحزاب الاسلامية ربما تجدون ضالتكم)) ….

اذن  فأن الغزوة الداعشية للموصل جمعت من حولها كل الفصائل المعادية للعملية السياسية بما في ذلك كبار ضباط الجيش السابق المنضوين تحت لواء تلك الجماعات الزاحفة مع عناصر داعش ، وان احتلالها بهذا الشكل السريع دون مقاومة لا يخرج من اطار التخاذل بالرغم كل التفسيرات التي يحاول اصحابها من القادة العسكريين استخدامها وسيلة لتبرير مواقفهم امام الراي العام  والتهرب من المسؤولية المهنية والمسلكية التي تبقى هي الاساس في تصنيف المقاتل من رتبة الجندي صعودا الى اعلى المراتب 0  بمعنى ان ترك مقرات القيادة ووضع القطعات دون غطاء جوي تحت رحمة مسلحي داعش هي جريمة وفضيحة اخلاقية وكان ذلك سببا من أهم الاسباب التي ادت الى احتلال موصل وما تبعتها من انسحابات غير منظمة للقطعات العسكرية الاخرى والتي سببت في احتلال داعش لمساحات واسعة من ارض العراق  ، والذي ينبغي على المالكي ان لا يستأنس بتفاصيلها ليمر عليها مرور الكرام ، ويترك حسابها للمجاملات والاعراف العشائرية التي اصبحت بفعل غياب القانون والمؤسسات أداة ضاغطة على القضاء العراقي المبتلي بالتدخلات السلطوية السياسية التي تحد من سلطة هذا القضاء في ممارسة دوره وفق الدستور…..

 ما يحدث الآن في العراق ليس بمعزل عن التدخلات الاقليمية والدولية ولكن لها ايضاً اسبابها الداخلية ، وهي مؤامرة مفضوحة قبل حدوثها رسمتها اطراف خليجية واقليمية  خسرت رهانها في سوريا ، وفقدت من قدرتها الميدانية لتغيير النظام هناك نتيجة المخاوف من  تداعيات ما بعد السقوط التي  ادركتها اصحاب المصالح الكبرى  وما يتمخض عنها على أمن اسرائيل والمنطقة ، وبسببها جاء الدعم الايراني والعراقي اللامحدود لسوريا للوقوف بوجه هذا المد الطائفي والمذهبي المخيف  ،  وانقاذ بشار الاسد من مغبة السقوط  ، والذي ألمح ببقائه مجددا على سدة الحكم  ، بعد اربع سنوات من الضغوطات السياسية والعسكرية حين استطاع ان يخوض المنازلة مع التيارات الاسلامية المتطرفة المدعومة من عدة  اطراف عربية ودولية واقليمية بأعصاب باردة ، ليخرج هو ونظامه سالما رغم ما تركتها الحرب الطويلة بكل المقاييس من انهيار تام في بنيه  نظامه الاقتصادية والتحتية ، ووقف مجددا على قدميه ، وتنفس سعيدا على نشوة انتصاراته على معارضيه ….

 بمعنى ان تلك التيارات الاسلامية العبثية التي فقدت هناك من رهاناتها   قد غيرت من مسارها ، وبدأت  تفكر ان تثبت حضورها في العراق بعد ان تحولت من اداة ضاغطة قوية في سوريا الى جماعات صغيرة لا تقوى تعبويا على المواجهة  هناك مع الجيش الذي اثبت ولائه والتفافه التام لوطنه سوريا ، ولم يشعر بالإحباط رغم محاولات تجريده من عقيدته الوطنية ، مما دفعت بتلك الجماعات ان تغير من وجهتها ، واختارت ارض العراق لتكون مسرحا لعملياتها العسكرية بهدف استعادة جزء من بريقها التي فقدته هناك خصوصا بعد ان وجدت في العراق هشاشة الوضع السياسي والتفكك الحاصل في البيت الشيعي بسبب شدة الخلافات القائمة بين الاطراف الشيعية التي تقود دفة الحكم منذ عشر سنوات على كيفية تشكيل الحكومة المقبلة ، ورفض العديد منها لشخصية نوري المالكي كرئيس لفترة ثالثة  ……

ما هو مثير للجدل هذه الايام هي القفزة النوعية في مسار عمليات تنظيم داعش العسكرية ومحاولات فرض نفسها وتثبيت وجودها بشكل مكثف في سامراء ونينوى وتكريت وطوز خورماتو ومن ثم تطويق كركوك بهدف الانقضاض عليها ليجعل منها ساحة مفتوحة لعملياتها الاجرامية على غرار ما يجري في الانبار والفلوجة والمدن السنية  الانفة الذكر  واخضاعها للسيطرة المطلقة بهدف اتمام عملية الهلال السني  للوقوف بوجه المد الشيعي الجارف منذ عشر سنوات الذي اخطأ بدوره ووقع في سوء التقديرات السياسية  ، والتي يتحمل الجزء الاكبر من وزرها حكومة نوري المالكي حين أهمل عن قصد مطالب السنة في المحافظات الست المنتفضة التي تحولت  منابر خطاباتها التحريضية على الثأر والانتقام  بمرور الوقت الى قوة سياسية ضاغطة لم يحسب الشيعة عموما لها الحساب ، والتي هيأت الفرصة للمندسين من تنظيمات داعش والجماعات الارهابية الاخرى   في صفوف ساحات الاعتصام والعصيان من تمرير مشاريعها  الدينية السياسية ، بل واستطاعت بفعل خطاباتها تلك من التأثير على سير الاحداث ، وتنتقل الى مدن ومحافظات سنية اخرى التي فتحت ابوابها ورضخت دون وعي ثقافي وسياسي لمضمونها الهادف اصلا لتمزيق الصف الوطني بهدف اشعال نار الفتنة الطائفية في العراق على غرار ما يجري في سوريا واليمن وبعض من دول الخليج  …… 

اذن فان التسلل المفاجئ لعناصر تنظيم  داعش الارهابي لعدد من المدن والاقضية والنواحي العراقية القريبة من كركوك لها الغازها واهدافها  هي ليست من ابواب الصدف  التي تخلقها عادة سير العمليات العسكرية بل هو مخطط أعدت لها ادوات التنفيذ بعقلية مهنية عسكرية مجربة لفتح أكثر من جبهة حرب ساخنة مع القوات العراقية وامتصاص زخمها الدفاعي عن المدن والاقضية والنواحي العراقية المحتلة من قبلها بهدف فرض أجنداتها السياسية ، وتحويلها الى بؤر لأدوات الضغط على العملية السياسية بل وافشالها بهدف اقامة نظام حكم ديني متطرف يتناقض تماما مع متطلبات العصر الجديد …

ومن هنا يبقى السؤال الاهم في خضم هذه الفوضى التي خلقتها تنظيم داعش في العراق ..ما هو سرالغموض الواضح في الموقف الامريكي تجاه سير الاحداث  ..؟؟ ولحين ما نكشفها الايام سيكون لنا لكل حادث حديث ……