19 ديسمبر، 2024 3:48 م

فقدان الثقة بين القاضي والمحامي جعلهم فرقاء لا رفقاء

فقدان الثقة بين القاضي والمحامي جعلهم فرقاء لا رفقاء

المحاماة أشق مهنة في العالم، لأنها تستهلك كل طاقة المحامي، وهي لا تدع له وقتًا للراحة، فهي مهنة العمل المتواصل، حيث يبدأ المحامي عمله في ساعات الصباح الباكر، في أداء واجبه أمام مختلف المحاكم، متنقلاً بين محكمة وأخرى، ومن قاعة لأخرى، أنه يتكلم في يوم واحد أمام محاكم مختلفة في دعاوى مختلفة، وفي مراكز الشرطة والاجهزة الامنية والمخافر، والتي قد تطول ساعاتها حتى ما بعد الظهر.
فإذا عاد المحامي المهني(اني اتحدث عن المحامي المهني فقط وهم قلة في العراق) إلى منزله مكدودًا محطم الأعصاب، لا يكاد يجد وقتًا لتناول الطعام، إذ يتعين عليه أن يخاطب الموكلين، وينقل لهم ما تم انجازه لمصلحتهم، واخطارهم بالأحكام الصادرة، وشرح مضمونها والية تنفيذها، وليس منزله ملجأ لراحته ولا بعاصم له عن مضايقة المتقاضين إذ يقصده كل من يريد أن يحمله أعباء مشاكله وشكوكه، ثم يعود إلى مكتبه لاستقبال موكليه، حيث يقضي مساءه في تفهم ما يعرض عليه من مشكلات، والإفتاء فيما يستشار فيه من منازعات، وتدوين ملاحظاته عما يعهد به إليه من قضايا، حتى إذا ما انتهى من هذا العمل المضنى الذي يتخلله إزعاج رنين الموبايل، ومضايقات بعض الموكلين ومساوماتهم، او ثرثرتهم بأعصاب بارده دون احساس بالإرهاق الذي يعانيه المحامي، الذي يتعين عليه أن يسهر ليله لدراسة قضايا، وتحرير المذكرات، وإعداد الدفاع والمرافعات فيها، مستعينًا بالمراجع والكتب، فهو عمل متواصل قل ان شئت دوام ثلاث شفتات في يوم واحد، فهو مضطر لذلك، التزاما بالمواعيد القانونية المحددة للجلسة او للاستئناف وغيرها، وإلا تعرض للمسؤولية في حالة التأخير .
والموكل لا يرحم والقاضي لا يعذر، والمحامي المهني فوق هذا وذاك مسئول أمام ضميره عن أداء واجبه على الوجه الأكمل، ولهذا فهو يقضي الليل ساهرًا باحثًا منقبًا، حتى إذا ما أتم عمله وأرضى ضميره آوى إلى فراشه ليقضي ما بقي من الليل مسهدًا يستعرض أعمال اليوم ويفكر في مشكلات الغد .
هذا موجز للعمل اليومي للمحامي، ومنه يتضح أن المحامي كالشمعة يحترق ليضيء للآخرين، ومع ذلك فكثيرًا ما تقابل جهوده وتضحياته الغالية بالجحود ونكران الجميل من جانب الموكلين ويكون ضحية التأويلات والاجتهادات الخاطئة والظالمة التي قد تطيح بجهوده واغلبها تكون بمعاونة زملاء المهنة طمعا بالمال او تحقيقا لرغبات شخصية دنيئة، واغلب الموكلين ما أن يكسبوا قضاياهم حتى يتنكروا لمحاميهم، رغبةً في إهدار حقوقه بعد أن حصل لهم على حقوقهم المهضومة !!
لذلك كانت المحاماة من أشق المهن، وأكثرها إرهاقًا للعقل والجسم والأعصاب، حقًا إن المحامي ينعم بشيء من الاستقلال والحرية وقد يصيب بعض الجاه، وهو ما يحسده عليه الكثيرون ناسين أن ذلك يكون دائمًا على حساب راحته وصحته وأعصابه، وأحيانًا يدفع المحامي ثمنًا لتلك الحرية وذلك الجاه، بان يصبح ارهابيا او ملاحقا وقد يدفع حياته نفسها في العراق .
ويقول أحد أعلام القضاء القديم في فرنسا المستر agusseau بحق مهنة المحاماة (بين أحكام تلك الظروف ظهر نظام قديم كالقضاء نبيل كالفضيلة لازم كالعدالة يتميز بصفة اختص بها دون غيره فهو وحده في جميع الظروف يحتفظ دوامًا في غبطة وهدوء باستقلاله وهو في حريته جزيل الفائدة للوطن مكرس نفسه لخدمة الجمهور بدون أن يكون عبدًا له…، ومهنة المحاماة في تجردها عن القيود تسمو إلى أرفع منزلة بدون أن تفقد شيئًا من حريتها الأولى وهي كالفضيلة في ترفعها عن التبرج تستطيع أن تجعل المرء نبيلاً بغير ولادة غنيًا بلا مال رفيعًا من غير حاجة إلى لقب، سعيدًا بغير ثروة)
ان قوام العلاقة بين المحامي والقاضي هو الاحترام المتبادل، فيجب على المحامي إبداء الاحترام الواجب تجاه السلطة القضائية، والدفاع عن كرامة هذه السلطة وتعزيزها، وهذا يستلزم من المحامي احترام الذات أثناء أداء الواجب المهني، دون إنكار أو إنقاص للكياسة والاحترام الواجبين تجاه منصب القاضي وهذا هو الأساس لتوحيد للعلاقات الشخصية والرسمية والودية بين القضاء والمحاماة، وعلى ذلك يجب على المحامين أن يمتنعوا على نحو صارم عن ممارسة أي تأثير شخصي على القاضي، وعن التدخل في إقامة العدل، على النحو الواجب، ويجب ألا تكون العلاقة بين القضاء والمحامين عرضه “لإساءة الدافع” ويجب ألا تظهر هذه العلاقة كدلالة على وجود محاباة خاصة لمحام معين، وعلى المحامي أن يتجنب كل من شأنه تأخير الفصل في النزاع، والسعي لإقرار مبدأ استقلال السلطة القضائية، والدفاع عنه، وضمان حقوق القضاة وحصانتهم واستقلالهم.
أن العلاقة بين المحامي والقاضي تعد من أبجديات العمل القضائي وبديهيات آلياته، فهما رفقاء طريق واحد هو القوامة على تحقيق العدل، فلا يستقيم العدل إلا من قاض استقام تجرداً ووجداناً…. يؤمن بالحق دستوراً وكياناً… فإذا ترافع أو حكم كان العدل غاية وعنواناً .‏
فالقضاة والمحامون صنوان …. فكلاهما رجل قانون، الأول يسهر على تطبيقه والثاني يدافع لأجله، ويتساند كلاهما في حمل وتحمل الأمانة العظمى التي ناءت عن حملها الجبال الرواسي فقبلوها طائعين، طامعين في ثواب الله عاجله وآجله .‏
توجد بين المحامي والقاضي مصاهرة فكرية قانونية، فكلاهما نهل من نفس النبع القانوني وتزود بنفس الثقة، وكلاهما يعلم القانون، ويدور في فلكه بغية إظهار الحقيقة، ومن اجل ذلك تجمع النظم القضائية العربية على إن المحامون من أعوان القضاء وشركائهم في النهوض باعتباره مرفق القضاء، وفي القيام بإقرار العدل، ونشره بين الناس، وذلك انه ماذا ينوبون عن الخصوم، أنما يعرضون وجهة نظرهم على القضاء بعد تجلية وقائع الدعوى، وبحثها وتكييفها التكييف القانوني الصحيح، وأعداد أدلتها وأسانيدها مما ينير السبيل أمام القاضي.
على الرغم من محاولة السلطة القضائية في العراق منذ سنوات تطوير أعمال القضاء في مختلف مراحله، إلا أنها لم تنظر بجدية بوجود أزمة حوار وثقة بين غالبية المحامين والقضاة، قد القت بظلالها على الخطط التطويرية المنشودة، وحقوق المتهمين، وسير القضايا.
إن المشكلة تعود إلى عدة امور منها، رؤية عدد من القضاة لبعض المحامين بانهم غير مؤهلين لهذه المهنة وان همهم الاول الكسب المادي بعيدا عن التعاطي مع القضايا بروح عالية من المهنية، والتدخل فيما لا يعنيهم، ويقف المحامون على الطرف الآخر مستغربين من التعامل معهم بصورة غير جيدة من وجهة نظرهم رغم انهم مكملين لدور القضاة في العملية القضائية التي تستهدف اقرار الحق والعدل.
ونحن لا ننكر هناك بعض المحامين لا يحسنون التعامل مع القضاة ويعملون بجدية على تأخير حسم القضايا، ويأتي للمحكمة خلال جلسات المرافعة ليستعرض عضلاته أمام القاضي واشعاره بانه جاهل بالأنظمة، وهذه الأمور ليست جيدة في التعامل بين الطرفين اللذين يعملان لتحقيق العدل وإرساء الحق، وأمر طبيعي أن نرى بعض المحامين غير مؤهلين لهذه المهنة، نظرًا لما تتطلبه من قدرات ذهنية وعلمية عالية، والمحامين أنواع، فمنهم من هو مطلع على الأمور القانونية الشرعية والأنظمة والثقافة العامة ولديه خبرة مهنية لا يستهان بها، ومنهم من هو دون ذلك، ويجب ان لا نخفي من جهة اخرى وجود بعض القضاة بالمحاكم لا يعطون بعض المحامين حقوقهم كاملة خاصة في اثناء المرافعات او المراجعات لتكملة اجراءات الدعاوى.
أن بعض القضاة بالمحاكم ما زال يتعامل مع أغلب المحامين بـ «دونية»، وينظرون لهم بأنهم أصحاب مصلحة مادية، ويريدون قلب موازين الحق على حد قولهم، واكاد اجزم أن نحو 50% من القضاة إضافة إلى بعض المسؤولين التنفيذيين ببعض الدوائر الحكومية لا يتجاوبون مع المحامين ولا يمنحونهم جميع حقوقهم، كما أن معظم المحققين ان كانوا ضباط او عدليين لا يطبقون قانون المحاماة بشكله الصحيح، ولديهم تصرفات تشكيكيه اتهامية بالمحامي تنقلب في احيان كثيرة الى عدائية ضد المحامي وبدعم من اكثر القضاة. 
وهناك ضرورة، أن تكون العلاقة مبنية على أساس من الاحترام والتقدير المتبادل بينهما، وأن يسودها تطبيق النظام الذي من شأنه توفير أجواء هادئة وتحقيق العدالة، بخاصة ان المحامين عنصر أساسي في العملية القضائية وتحقيق العدل، وعلى المحامين؛ أن لا يذهبوا إلى استفزاز القضاة، مع الاخذ بعين الاعتبار، ان ما يصدر من أحكام من قبل القاضي تكون مبنيًا على ما تم إعطاؤه من حيثيات قانونية، ومن الموجبات ان تقوم النقابة بالنظر مجددًا في نظام المحاماة، واستحداث جوانب قانونية تحفظ حقوق المحامي بطريقة تكفل له نوعًا من الحصانة والتعاطي مع قضاياه بشكل جيد، ونشدد على اهمية التدريب من خلال انشاء المعهد الوطني للمحاماة وإصدار لوائح تنظيمية، مؤكدين، أن العديد من المحامين لا يطورون أنفسهم، ولا تليق بهم صفة المحامي.
واحترام المحامي للقاضي، لا يعني الخضوع له، أو أن القاضي فوق النقد، بل على العكس فمن حق المحامي نقد القاضي، فحياة القضاة وسلوكهم يجب أن يكون موضوع رقابة من المحامي، فقد مضي الوقت الذي كان يمكن فيه لأي شخص أن يضع تمثال له، وان يضع حوله هاله، وحقيقة إن بعض النقد قد يفتقد إلى حسن الذوق، ولكن من الخير أن نتقبل كل أنواع النقد بدلا من إلا يكون هناك نقد على الإطلاق، فالمياه الجارية مليئة بالحياة والصحة، أما المياه الراكدة ففيها الجمود والموت، والواقع فما جدوى علانية الجلسات إذا حرمنا نقد القضاء وترتيباً على ذلك، فمن حق المحامي أن يعترض على سير المحكمة أو الجلسة أو مشاركة قاضي ما للنقاش، وللمحامي الحق بأن يبلغ زملاءه ونقابة المحامين بأي سوء تصرف أو تدخل من قبل القاضي في أداءه المشروع لواجباته ويجوز لنقابة المحامين، في قضية معينة أن تعرب عن استيائها عن سلوك القاضي.
 وقد لاحظنا طيلة تجربتنا كرئيس غرفة المحامين لأكثر من ست سنوات وفي اكبر محكمة جنائية(المحكمة الجنائية المركزية) وتعد واجهة المحاكم من حيث عملها والقضايا التي تنظرها، ان هناك ازمة ثقة كبيرة بين المحامي والقاضي، وهناك انطباع بانهم اعداء وليس رفقاء درب واعمدة للعدالة،  وهناك انقسام واضح بين الفريقين سواء محامين أو قضاة وكل منهما ثائر للدفاع عن نفسه والمشكلة ليست تحديد من الظالم ومن المظلوم بل يجب أن يترك الأمر للمؤسسة المختصة بتحديد ذلك بعيدا عن شخصنة الأمور وشق وحده الصف مؤكدين أن المحامين في بداية سنوات الاحتلال هم من حموا القضاة داخل قاعات المحاكم عندما تعرضوا لاعتداءات وليست الشرطة القضائية ولذلك فلابد أن تكون هناك علاقة تكامل وتوافق بين الطرفين من أجل الحرص علي استقرار مجرى العدالة، ومن هنا يجب القول بأنه لا يوجد قضاء بدون محاماه ولا توجد محاماه بدون قضاء.
 وهناك ممارسات واوامر تعسفية تصدر من بعض القضاة الى الحراس وضباط التحقيق والمحققين بان يمنعوا اتصال المحامي بالمتهم نهائيا ولحين تدوين افادته انطلاقا من مبدأ بائس، بان المحامي يلقن المتهم مما يجعله لا يعترف وان المحامي باتصاله بالمتهم يحرف الحقائق وهذه كارثة وانقضاض على نص دستوري(حق الدفاع مقدس) ولا اعرف هل هناك نص قانوني يمنع اتصال المتهم بالمحامي في ظل مضمون المادة(123) من قانون اصول المحاكمات الجزائية التي اعتبرت المحامي والمتهم(موكله) شخص واحد واوجبت على القاضي؛ بان لا يدون افادته الا بحضور محاميه، لكن الغالب يقوم بعض القضاة بانتداب محامين يكاد يكونوا معروفين لهذه المهمات، ومن خلال استغلال حالة المتهم النفسية وخوفه وجهله بحقوقه القانونية والدستورية يتم دائما وابدا انتداب له محامي لأجل اضفاء الشرعية على افادته، وكانت تردني شكاوى عديدة من المحامين، لو اردت ان اضع لها عنوان، فان عنوانها(المحامي والقاضي اعداء لا اصدقاء) ومن هذا العنوان تتفرع غالبية المشاكل، أن الأزمة لها أسباب سياسية واجتماعية واقتصادية ومهنية، بالإضافة إلى الأسباب المتعلقة بالفساد المستشري في ثقافة المجتمع خاصة، وأن المجتمع العراقي يتجه نحو الأسوأ ولا يوجد لدينا سياسة معالجة الأمور بطريقة رشيدة حيث نفتقد القانون والعدالة ونحتكم لسياسة من هو الأقوى .
فالمشكلة الحقيقية تكمن في غياب معايير العدالة عن هذه القضية الأمر الذي جعل المحامين المهنيين ينتفضوا من أجل إعلاء الحق.
هناك علاقة غير صحيحة بين القضاة والمحامين، يشوبها التوتر والتفسيرات الخاطئة والتأويلات البعيدة عن روح القانون وجوهره، ووصلت الى حد منع المحامين من ادخال الموبايل الى المحكمة بداية والى حد سنة 2010 حيث تمت الموافقة على ادخال الموبايل بدون الكامرة، في حين الموبايلات الحديثة بيد الشرطة وبقية المنتسبين من معتمدين وحراس، وهذا معناه ان الثقة موجودة بالشرطي والموظف العادي ومعدومة برجل القضاء الواقف، وهذه مأساة تعزز وتؤدي ومعها ممارسات عديدة الى اتساع هوة الخلاف بين المحامين والقضاة، وأيقظت مشاعر عدائية يضمرها كثير من القضاة والمحامين تجاه بعضهم البعض منذ زمن طويل، وادت بشكل أساسي الى بقاء العلاقة ملتهبة بين القضاة والمحامين والناتجة عن عدم وجود مصالح مشتركة أو حتى علاقات تواصل بين جناحي العدالة مما أوجد مناخا عدائيا وسهل من إمكانية حدوث مواجهة بينهما.
 وقد روى لنا احد القضاة ممن كانوا محامين في غرفتنا واصبحوا قضاة، بان هناك توجيهات في المعهد القضائي لطلبة المعهد بان يبتعدوا عن المحامين اي هناك توجيه من الاساس برفض لفكرة الانفتاح نحو المحامين، وهذا الامر ان صح فتلك فاجعة مؤلمة جدا جدا، كيف ممكن ان يستقيم القضاء والعدالة في ظل هكذا توجيهات وممارسات واجواء مفعمة بالضغوط والتربص بين القاضي والمحامي.
وطيلة عملي في المحاماة وجدت ان اي شكوى او ادعاء يصدر من الشرطي او المحقق او الحراس الشخصيين بحق اي محامي فإنها تكون مصدر اهتمام وجدية فائقة تصل في احيان كثيرة الى حد تصديق المحقق او الشرطي او المنتسب وتترجم في احيان كثيرة الى شكوى، لان المحامي دائما مصدر توتر وقلق واتهام لدى القاضي، واذا حصل وان اشتكى احد المحامين من سوء تصرف المحقق او ضابط التحقيق فان الامر غالبا ما يكون مصيره السماع فقط بدون اي اجراء فعلي، واذا كان هناك اجراء ما فانه يكون شكلي جدا، وقد اشتكى عندي عدد كبير من المحامين من تصرفات عدة محققين وضباط وعندما اراجع القاضي المعني بالأمر، يكون هناك اهتمام  ظاهري وتوعد بالمسيء، لكن الفعل بعد ذلك صفر، ولا يتخذ اي اجراء بحق ذلك المحقق او الضابط، بل وصلت في بعض المرات ان يتم تهديدي  والمحامي المشتكي بسبب ايصال الشكوى، مع العلم كان هناك قضاة مهنيين وطنيين لا يقبلون بالإساءة بحق المحامين ويتصدون لتلك الممارسات.
 في اكثر النظم القضائية، من الممكن اتهام القاضي، بانتهاك حرمة المحكمة، إذا ما أساء التصرف مع احد المحامين أو استخدم لغة منافية للآداب، ومن ناحية أخرى، فمن حق المحامي أن يعامل من المحاكم وسائر الجهات التي يحضر أمامها بالاحترام الواجب للمهنة، فينبغي أن تكون له حرية المرافعة  والاصغاء الى لائحته بطريقة تليق به، وإلا يوقفه القاضي عند الاسترسال في المرافعة، وان تتاح له فرصة الاستعداد للمرافعة.
ان انصات القاضي الجنائي في قاعة المحاكمات للمحامي وهو يتلوا لائحته، تؤدي الى سيادة اجواء الثقة والاطمئنان بين المحامي والقاضي، والمحام يحب القاضي الذي يحدق النظر في عينيه حين مرافعته، فهو يشرفنه بما يبديه من محاولة التغلغل إلى أعماق نفسه بحثا عن الحقيقة في ما وراء كلماته وقد يكون التجاء القاضي الى مثل هذه الطريقة ليس إلا محاولة بارعة منه لتعرية نفس المحام والبحث عما فيها من إيمان صادق بما يقول، ولكن اتجاهه هذا على أية حال يزيد المحامي اطمئنانا الى صدق رغبته في كشف الحقيقة، كما يحب المحام القاضي الذي يقاطعه أثناء المرافعة، أفليست وظيفة المحام هي مساعدته على تحري وجه الحق ؟
 ولاشك ان هذا سلوكا محمودا ان يتفاعل القاضي مع المحامي لإظهار وجه الحق في الدعوى فنجد بعض القضاة يناقش المحامي في القضية، أو يوجه المرافعة إلى جزئيات معينة، أو يطلب من المحامي ان يتكلم عن الشهود مثلا أو الاعتراف أو عن الدليل الفني، ولاشك ان هذا يساعد على بيان الحقيقة، ويحفظ الوقت الثمين للعدالة .
واحترام القاضي للمحامي في ممارسة عمله احد الدعائم الأساسية لإقرار العدالة وحماية حقوق الإنسان.
ان عدم وجود رقابة من المجتمع علي السلطة القضائية؛ حيث لا يستطيع أحد أن يتحدث عن وسائل تعيين القضاة وهناك العديد من الحالات الاستثنائية داخل القضاء كما أنهم يعاملوا علي انهم ملائكة لا يخطئون وذلك التصنيف هو خارج حدود التوصيف البشري، كما أن حكم القاضي هو حكم إنساني ليس منزها من الخطأ وليس حكما الهيا منزلا من السماء، كما لابد ان نعترف بوجود تدهور حقيقي وملموس اصاب نقابة المحامين ومهنة المحاماة مما افقد نقابة المحامين ان تقوم بدورها في تهدئة الأزمة .
وتحضرني واقعتين حدثت في المحكمة الجنائية المركزية، حيث جاءني محاميين بصورة منفردة وعرضا علي لائحة تمييزية، مؤشرا على عبارة(وحيث ان الحكم جاء مجحفا وماسا بحقوق موكلي….) بخط اخضر ويطلب فيها رئيس الهيئة الجنائية المختصة بتغيير العبارة، وموبخا المحامي  بان الهيئة لا تصدر احكام مجحفة، والمؤسف ان اللائحة لم يكتب عليها (للرسم وترسل الاضبارة الى محكمة التمييز) الا بعد استبدال هذه العبارة، مما حدا بالمحامين الى تقديم اللوائح الى محكمة التمييز مباشرة.   
ان هذه الأمور تدفع الجميع إلي البحث عن همزة وصل بين المحامين والقضاة لحل هذه الأزمة وبناء علاقة تقوم علي مبدأ الاحترام المتبادل ويجب أن يعرف الجميع أن حصانة القاضي تقوم علي أساس مبدأ العدالة وليس وجاهة اجتماعية .
وهذه الأزمة تجعلنا في حاجة إلي مناقشة جادة في كيفية تطوير الأداء المهني وما هو معيار الإختيار والتعيين ؟ الأمر الذي يدفعنا إلي البحث عن همزة وصل بين المحامين والقضاة لحل هذه الأزمة وبناء علاقة تقوم علي مبدأ الإحترام المتبادل، والبعد عن اللجوء إلى طريق المسكنات، ولابد وأن تفتح كل الملفات المتعلقة بالأخطاء الموجودة في السلطة القضائية.
  يجب التضامن معا من أجل العمل علي إيجاد حلول لها حتي لا يسقط الجميع مؤكدا علي أن المتضرر الرئيسي من هذه الأزمة هو المواطن العادي الذي لم يعد لديه ثقة في أداء عمل كافة المعنيين بأخذ حقوق الأفراد مما أدي إلي إتباع سياسة لى الذراع (الحصول على الحق دون الرجوع للقانون) وأحداث الشغب وذلك يعود لأن المؤسسات التي تقوم بحفظ حقوق الأفراد لا تقوم بأداء عملها بالكفاءة اللازمة.
وفي بعض النظم القانونية، تعاون نقابة المحامين السلطة القضائية في اختيار القضاة وذلك لما لهم من خبرة عملية في مجال تقييم المرشحين لتولي منصب القضاء، وتنص بعض التشريعات على جواز إكمال نصاب المحكمة عند غياب احد قضاتها بمحام منعا لتعطيل سير مرفق القضاء، ويا حبذا لو اخذ بهذا المبدأ عند إصلاح أي من النظم القضائية العراقية، كما ان في بعض الدول العربية يشترط تعيين نسبة معينة من المحامين لتولي منصب القضاء، ومن اجل ذلك نصت المادة(36/ثالثا) من قانون التنظيم القضائي العراقي المرقم160لسنة 1979على ان ( يجوز تعيين المحامي قاضيا بمرسوم جمهوري إذا أمضى مدة ممارسة في مهنة المحاماة لا تقل عن عشر سنوات ولم يتجاوز عمره الخامسة والأربعين استثناء من شرط التخرج من المعهد القضائي) والمادة 118 من قانون السلطة القضائية المصرية على انه “لا يجوز أن تقل نسبة التعيين من المحاميين المشتغلين بمهنة المحاماة عن الربع في وظيفة وكيل النائب العام وما دونها ”
واغلب المحامين والقضاة كانوا زملاء دراسة في الجامعة، ونجد أن كل محام كان شاهدا على حالات عدة عين فيها أشخاص هم بالنسبة إليه اقل منه علما في منصب القضاء بينما لم ينل هو هذا الشرف ليس لأن مؤهله العلمي غير كاف ولكن لأنه من اسرة بسيطة.
 إن المحامي الذي شاهد هذا التجاوز الصارخ للقانون في التعيين في المناصب القضائية لن يفقد الثقة في هذا الجهاز القضائي فحسب، بل سيحمل ضغينة في قلبه تجاه أولئك الذين منعوه من اعتلاء منصة القضاء، وهو يشعر أنه اكثر جدارة بها.
ولولا العلاقة الوثيقة المتجددة التي تربط القضاة والمحاماة والتي تجعل القاضي والمحامي كاهنين يقوم كل منهما بما خصصته الهيئة الاجتماعية لكليهما من طقوس في هيكل العدالة ذلك الهيكل المفتح الأبواب للجميع والذي يقصده الجميع على اختلاف العقيدة والرأي والمثل الأعلى؛ مما يجعل استعانة القاضي بمحام لتقديم المساعدة القانونية التي هي احد مظاهر حقوق الدفاع، فالمحامون المهنيون يستطيعون بما يتوافر لديهم من ثقافة وخبرة معاونة القاضي في أداء رسالته في تطبيق القانون.
ان الحرص على تدعيم توفير القضاة وترسيخ هيبتهم هو من أوجب واجبات المحامين أنفسهم، لأنهم يستمدون منهم وقارهم وهيبتهم الكامنة في نفوس وضمائر المتقاضين الذين يهرعون إليهم طالبين الذود عن حقوقهم وحرياتهم من عسف وإعنات الآخرين بهم بما يؤكد مبادئ حقوق الإنسان والمحاماة من (الحماية) والمحامون هم وجهة التنوير والإرشاد والمعاون للقضاة إنها خلق ونجدة، وشجاعة، وثقافة، وتفكير، ودرس، وتمحيص، وبلاغة، وتذكير، ومثابرة، وجلد، وثقة بالنفس، واستقلال في الرأي والحياة وأمانة واستقامة وإخلاص في الدفاع .‏
ان تحسين العلاقة بين جناحي العدالة لن يأتي إلا عن طريق معالجة الاسباب العميقة للعلاقة المتوترة بين القضاة والمحامين، على سبيل المثال لا الحصر يجب إنهاء أي نوع من التمييز غير القانوني عند التعيين في المناصب القضائية.
واود ان انوه، بان هناك من المحامين من يتصرف مع القضاة باحترام مبتذل، او فلنقل بصريح العبارة بنفاق مفضوح، وبتملق مصطنع، يظهر بصورة استعطاف واستجداء، فيبدوا المحامي وكأنه يتسول الحكم او القرار من القاضي، ان شاء منحه وان شاء منعه، وكأن الأمر يتوقف على نسبة العطف والشفقة في قلب القاضي، بما يتناقض والاحترام الحقيقي المتبادل بين الطرفين، إلى أولئك نقول ما هكذا تكون الصنعة .
أن المحاماة كانت وليدة عاطفة نبيلة في الهيئة الاجتماعية تبغي تحقيق المساواة بين الخصوم وتمكين الضعيف من الوقوف في نفس المستوى الذي يسهل على القوي الوصول إليه أمام منصة القضاء فترون إذن أن ما امتاز به القضاء من حيث طيب الذوق قد عادله ما اختصت به المحاماة من حيث نبل المولد وشرف المطمح، وقد عاشت الهيئتان بعد ذلك سويًا وكما أسلفت القول انتهى الأمر إلى توثيق تلك العلاقة الشريفة بينهما حتى جعلت من كليهما دعامة أساسية لهيكل العدالة .
أن ذلك الهيكل أصبح من ضروريات النظام الاجتماعي بل هو من دعائمه المكينة، وهو مفتوح على مصراعيه ليقصده كل ذي ظلامة متقدمًا بما كسبت يداه ويخرج منه وقد حلت السكينة في قلبه محل الخوف لعلمه أن كهنة الهيكل لا يصدرون إلا عن عقيدة هم مسؤولون أمامها فقط.
القاضي بحكم طبيعة عمله لا يمكن ان يرضي كل الخصوم ، لان الخصم الذي يخسر دعواه لن يكون راضيا على القاضي، لذلك كفل القانون للخصم حق الطعن بالحكم أمام القضاء، أما غير ذلك فان القضاء يطهر نفسه بنفسه .
انطلاقا من ذلك نقول ( لا تقاضي القاضي العادل حتى لا تقضي على القضاء) .
والحقيقة ان العدالة تتولد في أعماق النفس ثم تكمن في ضمير القاضي، والقاضي العادل المؤمن بالله يستطيع إظهارها مها كانت النصوص والوقائع مبهمة أو غامضة.
فالقضاء يرتكز على الأخلاق الحميدة والضمير الحي للقاضي، وهو ما يسمى بـ(روح القانون) بالإضافة إلى أسس وقواعد مكتوبة محددة سلفا تطبق على كافة الخصوم .
إن جميع أسباب الاحتكاك بين القضاء والمحاماة منشؤها في الغالب رول طويل مربك يبغي القاضي أن ينجزه من جهة، ومن جهة أخرى رغبة حارة من جانب المحامي في إرضاء ضميره بعرض كل ما لديه من وقائع وأسانيد، ولا يمكن التوفيق بين الطرفين إلا إذا قدر كل منهما وجهة نظر الآخر، وكان في أداء واجبه مخلصًا في مساعدة الطرف الآخر أيضًا على أداء واجبه، وقد يكون حماس المحامي باعثًا له على أن يبالغ في الاهتمام بمسائل يرى القاضي المثقل بالرول الطويل أن الوقت لا يتسع للإنصات إليها، كما قد يبالغ القاضي في الرغبة في الإنجاز بحيث يحرج المحامي أمام ضميره وأمام موكليه، وهذه الصعوبة نشعر أنها في ازدياد كل يوم، بسبب اضطراد الزيادة في عدد القضايا إذن لا مفر من التعاون الفعلي بين القضاء والمحاماة ليرضي كل ضميره .
ومن الاسباب الجوهرية لازمة الثقة بين المحامي والقاضي؛ الجهل القضائي .. وهو كارثة :
ان يجلس القاضي على منصة القضاء وهو يعاني الجهل .. كارثة .
ان عدم إلمام القاضي بفنون وعلوم الرسالة التي يحملها .. كارثة .
ان عدم تحلى القاضي بمكارم الأخلاق التي يزدان بها كل قاضي .. كارثة .
لذلك يقول هيوز القاضي في محكمة العدل الدولية :
(ان القاضي غير الكفء هو شر بلية يمكن ان يصاب بها المجتمع، ذلك لأنه ان كان في وسعك ان تمتنع عن التعامل مع أي تاجر لا يروق لك فان هذا ليس هو الشأن مع القاضي .. فانك تقف أمامه مضطرا يتصرف في حاضرك ومستقبلك ولا مندوحة لك ان تبسط حججك أمامه .. وما أسوا المصير الذي ينتظرك على يديه اذا كانت تنقصه الكفاية في الخلق أو العلم أو في كلاهما .. ومهما يكن حسن النية فان ذلك لا يعوضك شيئا يكون قد أصابك من ضرر على يديه) مجلة المحاماة المصرية (س68ع5و6) .
ينظر كثير من المحامين للقضاة على أنهم اشخاص تبوأوا مناصبهم عن طريق العلاقات الشخصية والعائلية (وأنهم يورثون مناصبهم لأولادهم)، وهذه النظرة فيها قدر من الصحة. فليس خافيا على أحد أن ذوي القربى كانوا أكثر حظا من أصحاب الكفاءة فيما يخص تولي المناصب في عهد النظام السابق والحالي، ولاشك ان القضاء مسئولية شاقة، أساسها البحث والتنقيب عن الحق لدمغ الباطل، والفصل في دماء وأموال وأعراض الناس، لذلك يرتقي القاضي منصة العدالة ويحتل مكانة شريفه في مجتمعه، باعتباره قدوة حسنة وانه من الواجب على المجتمع احترام القضاء وأحكامه، ليسود العدل الذي هو أساس الملك .
ولا بد من الاشارة الى أن الخطاب الاعلامي الذي يتناول القضاء وشؤون القضاة مليء بعبارات التبجيل والتقديس الرنانة الفضفاضة التي لا تطلق على أي مرفق آخر في الدولة، والتي لا نجد مثيلا لها في باقي الدول، من شأنها إضفاء هالة من التقديس حول القضاة وخلق انطباع لدى القضاة والشعب العراقي أن القضاة لا يخضعون للقانون كباقي المواطنين وأنهم منزهون عن الخطأ وأنهم من طينة اخرى غير التي خلق منها الشعب العراقي مع اعتزازنا الكبير بقضائنا لكن لا ننسى هناك عدة اتهامات من قيادات حكومية وبرلمانية يرافق ذلك عدة انتقادات من منظمات دولية رصينة تحتاج الى وقفة واصلاح جذري خصوصا القضاء الجزائي، ان هذا الخطاب للأسف جعل بعض القضاة يتصرفون من هذا المنطلق ويتعالون على من هو ليس بقاض، والمحامون هم من أوائل ضحايا تعالي بعض القضاة بحكم مهنتهم التي تجعل التعامل مع القضاة ضرورة شبه يومية، وكثيرا ما تقع بعض الاحتكاكات الفردية بين قضاة ومحامين يتم احتواء معظمها ولكن بعض هذه الاحتكاكات يتطور وتتحول لمعركة بين القضاة والمحامين.
لا بد من تنظيم مهنة المحاماة حتى لا تصبح مهنة من لا مهنة له وحتى تستعيد وقارها، يجب بناء جسور وإقامة مساحات مشتركة بين القضاء والمحاماة لزيادة التقارب بين المهنتين ووأد أي خلاف قد ينشأ نتيجة سوء فهم أو تضارب مصالح، ويجب ان يسأل القضاة الذين يتعسفون مع المحامين في استخدام سلطاتهم.
ان حصانة القضاة أمر ضروري لاستقلال القضاء، ومن الضروري أيضا توفير مرتبات عالية للقضاة حتى ينعموا بمستوى معيشة مرتفع يتناسب مع ظروف وظيفتهم.
أن العلاقة بين القضاة والمحامين في العراق ليست على مايرام، فهناك تعال تاريخي من بعض القضاة على المحامين. هذا التعالي قد يترجم في نصوص تزيد من سلطات القاضي وتنتقص من حقوق المحامي مما ولد مشاعر سخط دفينة، والتي يكنها كثير من المحامين بالنسبة لكثير من القضاة.
وهناك قول رائع لدوجيسو رئيس مجلس القضاء الأعلى في فرنسا، من أن (المحاماة عريقة كالقضاء … مجيدة كالفضيلة … ضرورية كالعدالة، وأن المحامي يكرس حياته لخدمة الناس دون أن يكون عبداً لأحد أبداً …. وأن المحاماة تجعل المرء نبيلاً عن غير طريق الولادة أو الميراث … غنياً بلا مال …. رفيعاً دون حاجة إلى لقب…. سعيد بغير ثروة ) .‏
فالقضاة والمحامون(والحال كذلك) هم حملة مشعل واحد ورسالة واحدة وهم تؤامان لا يفترقان وجزأن يتمم كل منهما الآخر فلا ينفصلان إذ لا قضاء بلا محاماة ولا محاماة بدون قضاء .‏
فالقضاء والمحاماة لا غنى لأحدهما عن الآخر، هما شركاء في إقامة ميزان العدالة، شركاء في الثقافة، شركاء في الحياة القانونية، شركاء في الهدف، شركاء في التضحية، فللقضاء ضحاياه من القضاة، وللمحاماة ضحاياها من المحامين، فكم من قضاة يضحون بصحتهم وحياتهم في أداء مهمتهم السامية ويرهقهم العمل إلى درجة الإعياء والمرض ثم الاستشهاد، وكم من محامين يضنيهم الجهد بعد أن بذلوا عصارة حياتهم، فيسقطون ضحايا المهنة.‏
فهؤلاء وأولئك هم ضحايا القضاء والمحاماة وكم من الأحكام والقرارات رددتها ردهات المحاكم وساحاتها نبراساً تتحدث عنها الأجيال، وكم من المواقف التي لا تنسى مشهودة لرجال المحاماة في التصدي للظلم، ورددت صيحاتهم ساحات المحاكم .‏
خلاصة القول:
 أن اختلاف القضاة عن المحامين اجتماعيا وعدم وجود جسور تواصل بين أعضاء المهنتين (الذين يتعاملون مع بعضهم البعض يوميا) يخلق مناخا مشحونا يهيئ لقيام أزمات وصراعات ولا يساعد على وجود حلول للأزمات التي قد تنشأ، لأنه من الصعب وجود وسيط غير محسوب على طرف دون الآخر.
إن المحاماة رسالة مقدسة انها رسالة الدفاع، عندما تقف بجوار متهم بريء لم تثبت إدانته، لتدافع عنه بعد ان هجره أهله، وتنكر له أصدقاءه، وتشمت به أعداءه، وانصبت عليه لعنة الناس أجمعين، تقف بجانبه وسط صخب الإعلام، حتى يحين اليوم الموعود، فتدخل قاعة المحكمة تترقبك الأنظار وسط همز ولمز، فتبدأ المرافعة وكأنها معركة في ساحة القضاء، تجلجل بصوت الحق حيث لا صوت إلا صوتك، لتتفنن في المرافعة، تشد العقول بالقول المقبول، تلهب القلوب بحلاوة اللسان وسحر البيان، تبهر السامعين والناظرين بكلمات تبث الامان في قلب المتهم الحيران، لا تغيب عنك فكرة ولا يتعثر لك لسان، لا أنت بساحر ولا جان، وإنما أنت إنسان أنت المحامي، الذي لا يتخلى عن أي متهم مهما كان، وكلما زاد صراخ الصارخين كلما كانت حاجة المتهم إليك اشد وأقوى، انت محامي .. اذن انت تعمل في مهنة الجبابرة .
من أجل هذا كله سيظل القضاة والمحامون رفقاء لا فرقاء في سدة ومحراب العدالة .‏
قال لويز الثاني عشر ” لو لم أكن ملكا لفرنسا لوددت أن أكون محاميا ” أو قول فولتير ” كنت أتمنى أن أكون محاميا لأن المحاماة أجل مهنة في العالم”.

أحدث المقالات

أحدث المقالات