لم تهدأ يوما ما وتيرة الاحداث في ارض الرافدين، بل هي في تصاعد مستمر ومتواصل نتيجة للصراعات والمشاكل بين الفرقاء السياسيين، وهذا ما يمكن لمسه لاي متتبع للوضع العراقي، اذ يلاحظ ان شريط الاخبار في كل القنوات المحليه والعربية والعالمية لا يمكن ان يخلو ساعة من احداث العراق.
وفي هذه الاسابيع الاخيرة، اصبح موضوع التظاهرات والاعتصامات في مدن شمال وغرب العراق، والتي انضمت اليها يوم امس محافظة ديالى في شرق العراق، على راس الاحداث ومتصدرة عناوينها.
فالتظاهرات التي قال عنها دولة الرئيس فيما سبق ووصفها بالفقاعة، عاد اليوم ليمدحها ويثني على القائمين عليها، ويصف مطالبهم بالمشروعة، بعد ان كان ينتقد الداعمين لها، واخرج التظاهرات بالضد منها، ودفع المليارات لاحد قادة المليشيات من اجل التحشيد الكبير، والذي طالبه فيما بعد بالمبلغ، ووبّخه وسخر منه، لان التظاهرات لم ترتقِ الى ما كان يطمح له دولة الرئيس.
وهذه التظاهرات السلمية دخلت يوم امس في محطة اخرى، ومعترك اخر، والتي من الممكن ان تتحول الى نفق مظلم من الصعب الدخول الى دهاليزه، وذلك بعد ان قام مجموعة من رجال الامن باطلاق النار على المتظاهرين مما ادى الى وقوع ضحايا وجرحى في صفوف المعتصمين والمتظاهرين.
وحسب علمي فان رئيس الوزراء يدرك حجم الخطورة التي ستفرزها التصرفات الطائشة من قبل بعض افراد قوات الامن بحق المتظاهرين، فلو احتملنا ان نار الفتنة اشتعلت، وحمل اهل الانبار السلاح، فالامور التصعيدية لن تتوقف عند حدود هذه المحافظة، بل ستمتد الى بقية المحافظات الاخرى التي تشهد هي الاخرى تظاهرات واعتصامات، ولن تكون العاصمة بغداد في معزل عن كل ذلك، بل سينالها الحظ الوفير.
لذا ومن باب المسؤولية الشرعية والاخلاقية والانسانية، عليه ان يلتفت الى مدى خطورة وحجم النتائج الكارثية فيما لو اندلعت شرارة الفتنة، وان يتدارك ذلك ويتصرف بشكل عقلائي وسطي وموضوعي، ولا يُصعّد من الموقف مع المتظاهرين، وان يُجرّب حظه ويذهب اليهم ويستمع لهم بشكل شخصي، لا نقول الى ساحات الاعتصام، بل الى اي مكان اخر يختاره في محافظاتهم ليلتقي بمسؤوليهم، وهذا ليس بعيب او بضعف، لان مكانته السياسية والتنفيذية تلزمه ذلك، كونه رجل السلطة التنفيذي الاول.
اضافة الى امر اخر مهم، وهو ان النتائج المتوقعة لما سيحصل من انهيار كبير في الاستقرار الداخلي، لو حصل الاقتتال والفتنة، ستنعكس سلبا على الوضع الاقليمي، وتحديدا على بعض دول الجوار، وهذا الشي يجعل من القبول بالحلول امرا حتميا، وسرعة تطبيقها امرا ضروريا، وبخلاف ذلك، فان الاحداث متجهة الى التصعيد شئنا ام ابينا، خصوصا بعد ان رفع المتظاهرون دعوى قضائية ضد شخص رئيس الوزراء، من المتوقع ان تصدر محكمة الانبار قرارا قضائيا بالقاء القبض عليه، او توجيه التهمة له بالتحريض على قتل المتظاهرين، وعندها ستكون الامور في دوامة الضياع، وفقدان الحل، وعند ذلك، سيغرق البلد بفوضى الاقتتال لا سمح الله، ولن ينفع عند ذلك اي وساطة او حلول.
لذا اكرر ما كتبته قبل يومين، واقول للاخوة في التحالف الوطني، ومعهم الجارة الصديقة المسلمة ايران، ان تغيير رئيس الوزراء اصبح من ضروريات المرحلة، لانه اصبح العقدة الاكبر في طريق السلم والامن الاهليين، وان بقاءه في منصبه سيزيد الامور تعقيدا اكثر فاكثر، فعليه لتكن هناك كلمة منكم، وموقفا شجاعا سريعا وجريئا، يمكن من خلاله تخفيف حدة الازمة، وعودة الامور الى ما قبل التظاهرات والاعتصامات، وان كان دولة الرئيس خائفا من الملاحقات القانوينة، بخصوص الفساد والتعذيب والقتل الذي طال فترة حكمه، فستكون هناك ضمانات كافية له، تحميه من الملاحقة باتفاق مسبق، كما حصل مع الرئيس اليمني.
وبعكسه، فان بقاء رئيس الوزراء في منصبه سيبقي الساحة العراقية تعيش مخاضا سياسيا عصيبا ومعقدا، لانه اصبح مرفوضا من قبل جميع القوى السياسية دون استثناء، ابتداءا بمكونات التحالف الوطني، حتى البعض من اعضاء دولة القانون، ومرورا بالاكراد، واخيرا بالسنة.
وهذا الرفض لم يات من فراغ، بل انه جاء نتيجة السياسات الخاطئة، والقرارات التفردية، والنهج اللاسليم، والهيمنة على مؤسسات الدولة، وعدم السيطرة على استشراء الفساد، وانتشار الخراب والدمار في البنى التحيتة والاجتماعية والانسانية وعسكرة المجتمع.
يضاف لذلك التنصل والتهرب عن الوعود والعهود التي قطعها مع كل شركائه في العملية السياسية قبل ان يصبح رئيسا للوزراء، وهذا ما جعله موضع عدم ثقة واطمئنان، سواء في فترة حكومته هذه او في المستقبل القريب والبعيد.
اي بعبارة ثانية، ان كل القوى السياسية بمختلف تسمياتها وانتماءاتها لن تثق مجددا باي كلمة او وعد او عهد برئيس الوزراء، ولن تثق ايضا باي طرف يضمنه مستقبلا، سواء كان في الداخل او الخارج، لان المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، فكيف بمن لدغه رئيس الوزراء اكثر من ذلك؟؟؟.
اللهم اجعل هذا البلد امنا وارزق اهله من الطيبات.