كشفت احداث الايام الماضية منذ 25 آيار الجاري والامعان في قتل المتظاهرين السلميين الذين طالبوا بالقصاص من قتلة رفاقهم قبل اجراء اي انتخابات, مستوى الاختراق البنيوي لقوى الإرهاب الميليشياوي للأجهزة الأمنية الرسمية, وعدم امتثال بعض عناصرها لأوامر وتأكيدات رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي والقائد العام للقوات المسلحة وتشديداته بعدم استعمال السلاح الناري بأي حال من الأحوال ضد المتظاهرين.
كما تزامن ذلك مع اعتقال الاجهزة الامنية لاحد قادة الحشد المتهمين بقتل الناشطين السلميين وعمليات فساد, تحت طائلة القانون 4 ارهاب, واتهامات أخرى بقتل مدنيين في مناطق انتشار فصيله المسلح, وهو ما أثار حفيظة قادة ميليشيات الحشد الذين دفعوا بقوات مسلحة اخترقت مراكز تابعة للحكومة في المنطقة الخضراء مطالبين بإطلاق سراحه وانهاء التعقيبات القانونية ضده, بشكل غير مبرر, مع اطلاق التهديدات بتصفية رئيسهم وقادته الأمنيين, وكان هذا دليلاً واضحاً على سطوة هذه الميليشيات وسعيها لفرض إرادتها على الدولة والقانون.
وقد اعتبر محللون اقتحامهم لمراكز حكومية شروعاً بانقلاب عسكري ضد السلطات الشرعية المنتخبة للدولة وهو ما يجب أن تكون له عواقب قانونية لكون هذه القوات المهاجمة تابعة رسمياً لأمرة القائد العام ولا يفترض تحركها بدون أوامره.
أن سبب هذا السلوك غير المنضبط للحشد كقوة عسكرية كامنة في صيغة قانونه الخاص الذي شرعه مجلس النواب, المنافي لبنود الدستور التي تمنع إنشاء قوة عسكرية موازية للدولة وسلاحها الرسمي, والذي أقر في ظروف هيمنة أحزاب الإسلام السياسي الشيعي على السلطات التشريعية ّمجلس النواب ” والتنفيذية ” الحكومة ” وتنمرها على السلطة القضائية, مباشرة بعد دحر الدولة الاسلامية داعش, والتي شارك الحشد الشعبي كداعم أساسي للقوات المسلحة القوة الضاربة في الحرب لتحرير البلاد من براثنها.
ولأن أغلب هذه الميليشيات تشكلت بعد فتوى المرجعية الدينية العليا للسيد السيستاني” الجهاد الكفائي ” لمحاربة داعش, فقد أسبغت على نفسها قدسية خاصة, خصوصاً بعدما سقط شهداء في صفوفها ( وكأن لم يسقط شهداء آخرين من أفراد الجيش والشرطة والبيشمركه الكردية وابناء العشائر المقاتلة… ), واستغلال العطف الشعبي عليهم, رغم تجاهلها المسبق لمضمون الفتوى الداعي إلى الانخراط في صفوف القوات المسلحة وليس تشكيل ميليشيات موازية لجيش البلاد وشرطتها, والتي استغلت سلاحها المجهز من قبل الدولة وبأموال مواطنيها, لاحقًا لفرض أجندات سياسية واقتصادية على الواقع السياسي والاقتصادي, بشكل يخالف القانون العسكري العراقي الذي يمنع منتسبي مؤسسة القوات المسلحة بكافة صنوفها وتشكيلاتها من ممارسة السياسة او التجارة.
هشاشة الأساسات التكوينية القانونية والفقهية لمؤسسة الحشد وضعف الدولة وغياب الولاء الوطني لبعض تشكيلاتها وتضخم الأنا لدى أفرادها بوضع ذواتها فوق القانون, والدعم الخارجي المباشر المشبوه لاستمرارها وتورطها في المحاصصة وفسادها, وضلوع ميليشياتها الولائية في عمليات قتل واختطاف وتغييب شباب الانتفاضة والإساءة إلى تضحياتهم, أطاح بالكثير من مشاعر الاعتبار الشعبي لها, حتى أصبحت محط ازدراء ورفض عام, وهذا ما لاحظه الكثيرون من المراقبين على الأرض كما عكسته مواقع التواصل الاجتماعي, من خلال الترحيب الشعبي الكبير باعتقال متهم مهم من قادتها بجرائم قتل وفساد, واستنكار واسع لتحريك قوات ضاربة في شوارع العاصمة لكسر هيبة القانون والدولة وتهديد السلم العام.
لقد أصبح وجود تشكيلات ميليشياوية عائقا كبيرا أمام إرساء أسس دولة وطنية قوية, ولابد أن يبلغ الصراع بين قوى الدولة واللادولة وبين المنادين إلى قيام دولة مواطنة ديمقراطية وبين دعاة الدولة الثيوقراطية الدكتاتورية إلى نهاية.
بدون الركون إلى صوت العقل والرجوع إلى أحضان الوطن والاتفاق على أفضل السبل لخدمة شعبه, ستنفثيء فقاعة الثنائية المسلحة وفوضى السلاح السائب, يوماً لا محالة, ولات ساعة مندمٍ !