18 ديسمبر، 2024 3:21 م

في لقائي مع الكاتب والمفكّر المصري الدكتور جميل مطر في القاهرة بالأمس، تناولنا الأوضاع المهينة للشعوب العربيّة، وما بلغته من انحطاطٍ يتناسلُ منه انحطاط، مما يبعثُ على يأسٍ ما بعده يأس. ولكننا اتفقنا على قطرةٍ واحدةٍ من الأمل تتمثَّلُ في هذه الفقاعات أو الجيوب التي لا تمتُّ إلى السياقِ العام الظلاميّ والانحطاطيّ للمجتمع، والتي تقوم على عددٍ هائلٍ من المبادرات الشبابيّة في حقولٍ مختلفة، منها الموسيقى وبقية الفنون، ومنها ما يتّصلُ بفكرةِ النهوضِ بالمجتمعِ في همومه: التربية وحاجتها الجذريّة إلى التثوير والإصلاح بعد أن عاثَ فيها الإسلام السياسي فساداً، والمرأة ومعاناتها من القهرِ الذكوري السلطويّ، تارةً باسمِ “المحافَظة على تقاليدنا وعاداتنا” وتارةً باسم الدينِ والطاعةِ والذلّ في مؤسَّسة الزواجِ والشارعِ والتشابيه السقيمة مثلَ أنها حلوى مكشوفة للذباب إذا لم تلبس الحجاب، أو أنها “ملكة في بيتها” حتى لا تخرج إلى سوق العمل.
ومن الهموم التي نشهد مبادراتٍ إيجابيّةً فيها: التحوّل الديموقراطيّ والتفكير الديموقراطي والحكم الرشيد وحقوق الإنسان والحريّات. بل إن مبادراتٍ فوريّة تتشكَّلُ في حالة تعرَّض أحدهم أو إحداهنَّ إلى تهديدٍ معنويٍّ أو ماديّ على خلفيّةِ رأيٍ أو حرية تعبير، ومن ذلك ما شهدتهُ ساحة الفيسبوك والواتس أب من تبلورِ جماعةٍ تنويريّةٍ التقتْ بدايةً لدعمي ضدَّ الهجوم الشرس والتكفيري الذي تعرّضتُ له قبل شهور على خلفيّة رأيٍ لي في نشاطٍ إسلامويّ، ثم انتقلت المجموعة إلى التفكير الجاد في قضايا الظلاميّة والتنوير.
ومن الظواهر الجديدة المفرحة ظهور صوتٍ عَلمانيٍّ تارةً تحتَ مظلّةٍ غيرِ مشتومةٍ من قوى الشدِّ العكسيّ هي “الدولة المدنيّة”، وتارةً باسمها الواضحِ والصريحِ. وهو صوتٌ يعلو دون أن يهاب خصومه الذين يكفّرونه وينعتونه بأقبح النعوت. فمع التراجعِ المَعيبِ والمُخجلِ للدولة عن بنيانها العَلماني، والزجِّ بالرؤى الأخرويّة والغيبيّة والترهيبيّة باسم الدين في تسيير مصالح الشعب والبلد، يبدو أن مهمّة المجموعات العَلمانيّة مضاعَفة؛ فهي أمام دولةٍ تمالئُ الإسلام السياسيّ والدولَ الأخرى التي تصدّره وتدعمه، وهي أمام شعبٍ ضُحِكَ عليه أن خلاصَه يتلخّصُ في تأجير العقل لصالحِ النَّقلِ، والتشكُّلِ القطيعيّ الذي يسهلُ توجيهُه نحو أهدافٍ ليس منها بناءُ الأوطان والمساهمة في الحضارة الإنسانيّة.
كما أننا لن نغفل المبادرات الفرديّة للتصدّي للظلام الثقافي والاجتماعي، حيثُ سنجد كثرةً من الأقلام قد كسرت تابوات الصمتِ والرُّضوخ، وحرّكت ساكنَ الواقع بما أنشأته من سجالاتٍ في الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعيّ أدَّت إلى تشكُّل لوبي مهم، ومنها الأقلام التي ساهمت في التوعية حول واقعِ الداعشيّة والإسلام السياسيّ في الكتب المدرسية وفي التربية والتعليم.
ومن المبادرات المهمّة أيضاً تلك التي “تقاطع” من أجل تحصيل حقوقٍ أو إيقاف بلاء يأتي من جهة الحكومة؛ كمثل مبادرة “غاز العدو احتلال”، ومبادرة “طفي الضو”… وغيرهما.
ولكي يذهبَ الأملُ إلى مرتقاه ويعلو، لا بدَّ أن يأتيَ يومٌ تشتبك فيه هذه الفقاعات المضيئةُ المنفصلة وتصبحَ فضاءً صحيّاً واسعاً يطردُ الظلامَ، على نحو ما حدثَ في أوروبا عندما ابتدأت مشروعاتٌ فرديّةٌ صغيرةٌ، ما لبثت أن اتَّحدت وأنشأت الثورة الصناعيّة، على نحو ما قال صديقي الدكتور جميل مطر. وهو، أي التشبيك، مسعىً يجب أن يكون في أولوياتنا كناشطين وناشطات. فلا ننسى أن قوّتنا في اجتماعنا، لا في الخلافات التي تمزّق نسيجنا وتُنهِكُنا.
فدعونا لا نفقد الأمل..!
نقلا عن الغد الأردنية