23 ديسمبر، 2024 4:09 م

فعالياتنا الثقافية

فعالياتنا الثقافية

اظن، واظنه صحيحا، ان العراق برغم استثنائية ظروفه وحياته يعيش نشاطا ثقافيا وعلميا يجاوز المعدل المنتظر منه او المعدل الذي كان عليه او المعدل الذي يقدمه كثير من الاقطار العربية، ثم تأتي مسألة المستوى او الغاية او الاسلوب لتميز بين مجموع ما يقدم وطنيا وبين ما يقدم عربياً او اقليمياً، ولا اجرؤ على القول: عالياً، فتلك قضية شائكة لا تقبل المجاملة او المسامحة عندي في الاقل، وهو قليل اصلا!
لنتحاور هنا بصدد النشاط الوطني في الثقافة والعلوم. مؤتمرات وندوات وأماس ومحاضرات وحلقات نقاش.. هذه هي عنوانات الانشطة العامة، ثم فكر وسياسة وتاريخ وفلسفة وعلم وادب واقتصاد وشعر وترجمة.. وهذه هي واجهات الانشطة العامة، في اقصى شمالي بغداد ومنه حتى اقصى جنوبي بغداد وفيه ندعى اليها ببطاقة انيقة او بهاتف مؤدب او نذهب اليها من غير دعوة ولا مهاتفة راغبين طائعين متحملين تبعات النقل الصعبة على حساب صحتنا وراحة اعصابنا وتوقف التبريد ثم التهوية في معظم قاعات هذه الجهات العصامية المنظمة لهذه الانشطة.. لنبتلى بحساسية الجلد والعين والجيوب مجتمعة.. كل ذلك من اجل ان نسمع شيئاً جديداً او نافعاً ثم لندلي برأي صريح او صادق او صريح وصادق معا بازاء ما نعتقده صحيحا واقرب الى الحق او الحقيقة او لنصمت مستمعين فقط وذلك اضعف الايمان.
نمط من الحياة اليومية ينسجم مع طبيعتي الشخصية وتكويني المعرفي فلا اتكلف به قط ولا اتصنعه بل تلقائي صرف.. والحمد لله! وتمضي الايام والاسابيع وينتهي الشهر (س) ليعقبه الشهر (ص) ولتنقضي المناسبة (ع) ولتحل المناسبة (ل) ودورة حركتنا لا تنقضي، برغم بعض الانقطاعات عن حضور هذه الندوة او المشاركة في هذه الحلقة النقاشية.. الخ خضوعاً لضرورات تفوق الارادة على تجاوزها في الصحة على نحو خاص وكان وما زال، لا بد للمثقف من ان يجلس تحت سقف امام شباك او حائط ليتساءل: ماذا جنى، وماذا قدم؟ ولو اجاب كل مثقف او باحث او متخصص يحضر كل هذه النشاطات على هذا السؤال لتوفر لدينا اعظم مورد بياني لتحليل سيرورة الثقافة العراقية راسياً وافقياً بما لا يوازيها نظير في غير العراق، على كل حال ساتولى انا الاجابة على هذا السؤال قدر تعلق الامر بي شخصيا وبمنظوري الخاص فقط.
قليل ذلك الذي افادني وكثير ذلك الذي ذهب هدراً، وقليل ذلك الذي يمكن وصفه بالجديد المفيد ، وكثير ذلك الذي يمكن وصفه بالتكرار والاعادة، وقليل ذلك الذي يقتحم الحاضر ويخترق المستقبل، وكثير ذلك الذي يسرد الماضي ولا يستنبط منه شيئا، ثم قليل هذا الذي نراه يتناسب في عنوان مع متنه، وكثير ذلك الذي يشذ فيه عنوانه على متنه، بل قليل هذا الذي يحسن الالقاء ويحترم الزمن ويلخص المطولات مقابل الكثير الذي يتخبط في اللغة ولا يتقيد بزمن ويسهب في العرض لنفسه وحده، وقليل هذا الذي يعبر خط الاكاديمية الشكلية الى سهول الثقافة الفسيحة مقابل الكثير الذي يحصر عمله في قرن قبل قرون في تخصص لا يتعامل به احاد من الآف، وقليل هذا الذي يجعل الاكاديمية منهجا والثقافة غاية ، وكثيرهذا الذي لا يفقه من الثقافة شيئا ولا يعطي الاكاديمية حقا من المضمون والمحتوى، وقليل ذلكم الذي يدرك ان ساعتي محاضرته تعني عدد الحاضرين لسماعه مضروبا في الساعتين انفسهما، وان ضياع هذه الساعات بسبب المحاضرة المتدينة او المكررة يفضي الى امتناع الحاضرين عن الحضور مستقبلا، وقليل هذا الذي يدرك ان من بين الحاضرين اساتذة كبار وعلماء افذاذ وباحثون لهم باع طويل في تخصصهم وانهم جاءوا ليسمعوا غير تخصصهم حباً بالثقافة، وان اسماعهم ما يعني ثقافة يعد من اكثر الامور اهمية، وان اغفال وجودهم وعدم اشراكهم في المناقشة تضييقا يعني ضياع عاطفتهم من الاسهام في نشاط قادم على الارجح، وان توقف ادارة الجلسات عن السيطرة على عناصر الحركة في الجلسة، واولها توزيع الزمن بين الواحد المتحدث والعشرات المستمعين يعني سياسة الفرض القسري لما يلقى على اسماع من جاءوا حباً وطوعاً وهم في علياء العلم والثقافة، وان تواضع الخدمات اليسيرة بحجة مردودة تماما يعني بمفهوم المخالفة ايها السادة انكم غير جديرين باحترامنا اذ ماذا يعني (قدح الشاي) او (قنينة ماء بارد او فنجان قهوة او علبة مشروبات غازية..) عبر ثلاث ساعات في قيض الحر واضطراب الجلسة الميكانيكي (الكراسي ليست مناسبة) ازاء عقول تتمنى اكاديميات الغرب والشرق والعرب وجامعاتهم احتضان ذيولها وليس اصولها .
ان السلوك الاكاديمي في الاعداد والعرض ليس موضع اعتراض او تحفظ اطلاقا. الا ان وضع هذا السلوك او النهج في موضع العصمة من الخطأ والزلل والانحراف يعد خروجا على الروح الاكاديمية نفسها، وان الابتعاد عن الثقافة بهذا التصور الملتزم الى درجة التزمت، بمعنى الامتناع عن المداخلة والتكامل المعرفي والظرفي، يعني اضطرار المثقف الى وضع حصانة على النهج الثقافي والبدء بمعركة لا هوادة فيها بين حصانة الثقافة المشروعة وعصمة الاكاديمية المجروحة… وعلي وعلى الاكاديميين والكتّاب او بعضهم.
[email protected]