من المفاهيم المغلوطة في عالم الفكر السياسي الهابط، ان الحرية الليبرالية ذات نهاية سياسية مفتوحة تضاهي كل شيء حتى المسؤولية الاولى في البلدان الغربية ومن دون حرج، اذ يبدو هذا المفهوم في بعض شكله المرئي صحيحاً الا انه في معظم مضمونه المستتر خطأ، بل ان المحدود بين بعض ومعظم هذين معدة سلفاً وموصوفة عرفاً او دستوراً، ومن ثم فان الفواصل بين الشكل والمضمون تتحول الى نتائج متحققة على نحو اكيد كما يريدها النظام العام وليس كما يتمناها الرأي الخاص مهما كان هذا الرأي المؤثر في مدلوله، فان الفضيحة بمعناها العام – الكشف عن كل ممنوع في العلن خاضع للمقياس الاجتماعي وثم العمل به في السر- ليست مقصورة على مستوى شخصي محدد بواقع المسؤولية الضيقة او الانتماء المشروط او العمل الموصف انما هي مطلقة باطار المعنى العام السابق، الا ان الشخصية في المستوى الاعلى ليست كالشخصية في المستوى الادنى على غير بدهية في الميزان/ المقياس الاجتماعي او السياسي على نحو خاص تلقاء ابعاد الفضيحة الادارية والمالية الخلقية.. اذ يمكن صرف النظر عن الشخصية الادنى بحدود مفهوم التشهير المستهدف او المقصود بينما تخضع الشخصية السابقة لها الى مبادءات التعليق والتعقيب همساً، فالتأويل مع المبالغة حسب المصدر الذي ينطلق منه ثم يحصل الانتقاء بالتبسيط او بالتهويل في النشر العام المرئي والمقروء على نحو خاص، واخيراً تنتهي الزوبعة بشيء من المسائلة القانونية الطبيعية في شكلياتها والمصطنعة في احراجها ليطغى عليها حدث آخر يزيح اثار الفضيحة الاولى ثم تدور الدورة من جديد في الاعلام فيظهر الجشع الرأسمالي المستند الى اللوبي الصهيوني القابع في جنح ظلام اثارة الفضائح من حيث التوقيت والحجم والغاية على قدر متكامل في طول العالم الغربي وعرضه وفي الولايات المتحدة على نحو اكبر واشد واعلى دوياً.
ولقد شهد التاريخ السياسي الغربي فضائح كثيرة ومتنوعة بين اصحاب التيجان والعروش وفوق رؤوس الرؤساء وتحت اقدام الوزراء، الا ان الرئاسة الامريكية بدأت تواجه او تشهد مسلسل هذه الفضائح وهي في حيرة من امرها، ففي الوقت الذي يشرع مجلس النواب ومجلس الشيوخ أسوأ قوانين الانحراف الاخلاقي في العالم والتاريخ ويجعلها سليمة ومقبولة، فان ممارسة الغزل الرئاسي يصير فضيحة لا تعلو عليها فضيحة هذه التشريعات المتبدلة بازاء احكام الاخلاق المعيارية الكونية واحكام (الكتاب المقدس) على لسان كل الرسل والحواريين قبل ظهور عيسى عليه السلام وبعد رفعه الى السماوات العلا، مثل هذه المفارقة الاجتماعية غريب في غايته وغريب في اسلوبه معاً، الا انه ليس طارئاً على الدرس الممنهج في عالم السياسة في ما وراء الانظار وخلف الكواليس، وان صفة التعمد السببي ليس غائبة في كثير من الاحيان، وبرغم ان طبيعة فضائح بعض الرئاسات الامريكية اخلاقية (كلنتون نموذجاً) الا ان دوافع اثارتها تبدو سياسة مغلقة فضلاً على مستوى السبق الصحفي Scoop الفضولي المفتوح، كما كان الحال مع الاميرة البريطانية الراحلة ديانا وخطيبها او حبيبها العربي ونهايتهما التراجيدية من على مسرح الحياة الاجتماعية في بريطانيا وفرنسا على حد سواء، فجأة وفي آن
واحد ثم طمس معالم الجريمة الرسمية المنظمة بالمستوى الاعلى من الخيال الاستخباري التنفيذي وبقرار مجهول المصدر على وجه اليقين ومعلومة على وجه التقدير والتخمين، اذ يقع المتتبع والمحلل في مأزق التفريق بين الغاية السياسية الخفية والنزعة الاعلامية التقليدية، ولقد رأينا ان احدى الرئاسات الامريكية الفاسدة مرت بهذه المسرحية على خطى قلقة برغم نجاح الشكل الاسري والاجتماعي لحياتها الخاصة، انها ضحية بريئة او غير بريئة لحدث معين تحقق فعلاً بقدر محظور نسبياً او مطلقاً ثم انطلق اعلامياً على نحو سردي يعتمد على قاعدة فكرية وفنية واسلوبية استشارية تستقطب اهتمام الملايين بحركة الطبع والنشر السريعة والضخمة لتخفي عنهم الحدث الاساسي المتوقع او المستهدف غالباً على اعمدة صحيفة متخصصة بالفضائح لتنتشر كما النار في الهشيم.
يشغل التعبير الامريكي الدارج جزءاً مهماً من حياة شخص الضحية المفضوحة من حيث علاقته بالجنس الآخر، فهو اولاً ذو صداقة مع امرأة ذات خطوة مما تسميه اللغة الامريكية – ليدي فريند Lady Friend- على محمل الادب والمجاملة العاليين ثم يتطور المدلول ليكافئ –كيرل فريند Girl Friend- مما يحمل العلاقة الثنائية هذه صفة الخصوصية السرية. ولما كان صاحب القضية –الفضيحة- هنا وسيماً وجذاباً، فان اذواق نساء النخبة تتجه نحوه بعد اول اشارة ليجعلن منه – ليدي كلر/ فاتن النساء Lady Killer- بالمدلول العام، وفاتن النساء بالمعنى الحرفي، عندما يزداد هوسة بالنساء وترتفع حرارة شوقه الى معاشرتهن ومحادثتهن ومجالستهن حتى يصير كأنه واحدة منهن بمنظور اللغة الامريكية -ليديز مان/ المتأنث ladies man.
الى هنا تنتهي طبيعة الفضيحة لينتقل المتتبع الى اسباب التشهير والغاية منه اذا كان متعمداً او مقصوداً ومبرمجاً او غير متعمد وتحت مظلة التلقائية والعضوية، فأن تاريخ الفضائح او استقراء تاريخ الفضائح في الغرب يؤكد ان آخر المطاف السلمي هو الاستقالة، انها تمثل الحد الاعلى المنتظر للرئيس –اي رئيس- اذا كانت الفضيحة تلقائية وعضوية، اما اذا كان الاحتمال الاول راجحاً فان الاقالة تصير هدفاً ادنى والاغتيال يصبح هدفاً غير مستبعد اذا استعصت الاقالة. ولنتذكر مصرع جون كيندي في اوائل عقد الستينات غموضاً وتأويلاً وموقع الممثلة مارلين مونرو في حياته.
ان ردود فعل اي رئيس امريكي مفضوح بازاء ما يثار حوله تبدو عصبية احياناً وهادئة احياناً وان حماية الدستور له تبدأ بالتضائل او تترنح ثم ان الدفاع القانوني عن سلوكه يواجه تعقيدات جزاء توفير خاتمة البراءة النظيفة او البراءة المشروطة او المريبة دون الاثبات القاطع، ولكن اذا ما ثبت تسرب خبرها وهذا مهم جداً، عن سر من اي اسرار الدولة الامريكية عبر هذه السلوكية المريبة وعبر العلاقات الثنائية، فان ترجيح الخاتمة على هذه الذريعة بالتصفية الجسدية بايعاز المخابرات المركزية الامريكية وتنظيمها وبتأييد المجالس السرية والمؤسسات المعنية في الولايات المتحدة لن يكون بعيداً عن التصور او التوقع على نحو فني متقن كحادث فردي او قضاء وقدر، ومن البديهي ان لا نستعبد دور الموساد الاسرائيلي في مثل هذه المحاولة عند الحاجة او الضرورة.
اما نحن في العراق فأننا –البعض- نضع قضايا بلادنا العادلة في مقدمة اسباب الخلاف او الصراع الخفي بين الاراء المؤسساتية المتضادة في الرأس الامريكي الاسرائيلي الواحد، ولكن يصعب علينا وضع احتمالات التوجه (صح، ضد) العراق في الداخل –الاعلى- الامريكي على نحو صحيح او اكيد فضلاً على موضوعيته بسبب تعدد المتعاملين مع صناعة القرار الامريكي ازاء العراق في السر والعلن، اذ لن يتحقق تمييز ذلك بوضوح قبل مضي مدة ليست قصيرة في الواقع.
اذن، فان اللعبة تمثل بمجموعها سلسلة بعد سلسلة من الوقائع السلوكية الفردية والمبدئية القيمة على نحو تقابلي ظاهر ومستتر، ولو تسنى لنا الكشف عنها جميعاً لتحولت كلها الى سلسلة فضائح سياسية واقتصادية وعلمية لا اخلاقية ناهيك عما يدار حول الانحراف عن سوء السلوك الاخلاقي القويم في صومعة الرئاسة الامريكية وفي بيتها الابيض، اما اذا اضفنا اليها مجموعة الافعال الامريكية الرسمية غير الانسانية عبر هذه الحقول وفي غيرها وبخاصة، من حيث علاقة القوة بالحق والحق بالقوة مما صار معروفاً بالمناقشات وذائعاً بالتداول الحق لنا، اولاً واخيراً، وصف الادارة الامريكية الحالية والسابقة والقادمة معاً بادارة الفضائح المعلنة والمستقرة ولأصبح النظام السياسي الامريكي برمته مما يتوجب اتقاؤه عالمياً وتاريخياً.
ولذلك يتعين علينا ان نتذكر دائماً ومعاً، ان صيغة الفضيحة الامريكية الداخلية ليست الا غطاء للتعامل مع ازمة خارجية بخبث انتقائي وشيطنة مفضوحة لان الشارع الامريكي اطلق عبارة تهكمية فعلية استعارية على عملية فضح اسرار الاشخاص وبخاصة المسؤولين منهم، بنص Pull the Plugon لانه كان غافلاً عما يجري في الاعلى والخارج، اما الآن فقد بدأ يعي اللعبة تماماً.