اذا كان التجسس هو أحد الأنواع والسبل الملتوية في الحروب الحديثة والقديمة إضافة إلى أنه يمثل تربصا “وخطرا داهما” لكلا طرفي الحرب من اجل تقوية الصراع القائم بين الدول على القواعد الاستراتيجية والسيطرة على مناطق النفوذ،فان الولايات المتحدة تقود حربا – ناعمة- على دول العالم عبر برامج تجسسها التي اماط اللثام عنها (أدوارد سنودن) الموظف السابق في وكالة الأمن القومي الامريكي والتي تضم مواد تكشف عن تعاملات سرية بين اجهزة الاستخبارات الامريكية ( CIA) و (NSA) للتجسس والتنصت على ملايين الاتصالات على مواطنيين داخل الولايات المتحدة ، بل تعدى الامر اذ شمل دول اوروربية وامريكية جنوبية والشرق الاوسط وزعماء فء العالم ، وحتى ( اسرائيل ) نفسها كانت هدفاً لعمليات التجسس الامريكي.
(إدوارد سنودن) والذي حصل على لجوء سياسي مؤقت في موسكو، وربما يكون قد سبب لبلاده إزعاجا غير محدود وكلفها في الحال وسيكلفها في المستقبل مليارات الدولارات اللازمة لتعديل وتبديل أجهزة وآليات التنصت على الجميع حول العالم، وهو إزعاج لم تعان أمريكا مثله منذ القبض على (جوناثان بولارد) محلل البحرية الأمريكية، الذي قبض عليه في ثمانينات القرن الماضي ولا يزال سجينا لدى أمريكا، ولم تفلح كل الوسائط الإسرائيلية للإفراج عنه، حيث كان يتجسس لصالح تل أبيب .
بداية القصة جرت بها المقادير عندما نشرت عدة صحف أمريكية وانجليزية وإسرائيلية مثل الجارديان، والـ “وول ستريت”، ومعاريف “النقاب عن وقائع جديدة سرية للغاية تخص وكالة الأمن القومي الأمريكي الـ NSA وهي الوكالة التي من عمق غورها وسرية آلياتها وأدواتها يتندر عليها الأمريكيون بأنها الوكالة غير الموجودة أصلا، فعوضا عن National security agency يقال أنها No such agency، ومجمل ما حملته الوثائق الجديدة يتصل بطلب الوكالة الاستخبارية الأمريكية التي تراقب كل الاتصالات السلكية واللاسلكية حول العالم، من المسؤولين البارزين في مواقع مختلفة داخل أمريكا كالبيت الأبيض، أو وزارة الدفاع الأمريكية وكذلك الخارجية والمالية، وكافة المؤسسات الرسمية أن يقدموا ما لديهم من أرقام هواتف تخص السياسيين البارزين حول العالم لإضافتها إلى قاعدة بياناتهم . وتؤكد الوثيقة التي نشرتها “الجارديان “البريطانية أن مسؤولا لم يكشف عن هويته قد سلم للوكالة أكثر من مائتي رقم هاتف، من بينها أرقام لخمسة وثلاثين من زعماء العالم. وأن موظفين بالوكالة قد تم تكليفهم على الفور بمراقبة اتصالات هذه الأرقام. أما عن تاريخ هذه الوثيقة فيعود إلى شهر أكتوبر تشرين أول من عام 2006، أي في بدايات منتصف الولاية الثانية لجورج بوش الابن، والذي سيطرت هواجس الأمن على ولايته الأولي والثانية، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001.
الدوافع والأهداف !
في الآونة الأخيرة، كثُر الحديث حول سلوك الإدارة الأمريكية نحو اعتمادها الأعمال التجسسية والتنصت ضد الدول على اختلافها، على نحوٍ أثار الدهشة والغضب من قِبل عامة البلدان التي تعرضت للتجسس وبخاصةً الدول الأوروبية. وهي تعلم مسبقاً بأن أعمالها ممنوعة وغير مقبولة لدى المجتمع الدولي مهما كانت المبررات، بسبب أنها تأتي بطرق التفافية – لصوصية- من شأنها أن تشكل ضربة خطيرة للتعاملات الدولية، وبشكلٍ أدق، فقدان للثقة المتبادلة، التي بموجبها تُحدد العلاقات الثنائية فيما بينها، ومع ذلك لجأت وبكل وقاحة إلى ذلك الفعل.
ربما مجموع الهزائم المتتالية التي شربتها الولايات المتحدة على مدار العقد الماضي، كانت سبباً في تطوير سياستها التجسسية حول العالم، اعتقاداً منها في أنها تساعد في تعويض خسائرها السياسية والعسكرية والاقتصادية، والإبقاء على ما أمكن من امتداداتها داخل سياسات الدول وقراراتها بشأن القضايا التي تهتم بها في كل زمان. من خلال استخدامها تقنيات متقدمة، تتيح لها من خلال وكالة الأمن القومي ووكالة الاستخبارات المركزية، مراقبة وفرز المعلومات عبر قاعدة بيانات خاصة للاستفادة منها.
إن انكشاف فصول متطورة لفضائح التجسس الأميركي على دول في العالم وخاصةً الحليفة والصديقة، توضح بصورة واضحة مدى إصرار الولايات المتحدة على السيطرة على العالم إلى أطول مدة ممكنة، في إطار التنافس القائم بين واشنطن وأوروبا وباقي أقطار العالم على مختلف الأصعدة السياسية والعسكرية وخاصة السيطرة الاقتصادية. بسبب أنها ترى نفسها إلى حد الآن بأنها دولة عظمى، وفي اعتقادها بأنه مسموح لها بعمل أي شيء وبدون قيود- أدبيّة أو أخلاقيّة-، وإن أضرّ ذلك العمل بكل شيء. وهذا يشمل كافة العمليات التجسسية والتنصتية، التي لن تكلّفها في حال انكشافها سوى القليل من الاعتذار، وبالتالي لن تكون مضطرّة بالتعهّد، للكف عن مواصلة تجسسها، وإن تعلق الأمر بالمزيد من الفضائح.
أسئلة كثيرة فرضت نفسها في هذه القضية ، منها كيف يمكن لدولة مثل الولايات المتحدة تتصدر قائمة الدول صاحبة الدعوة إلى الحرية والديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان أن تسمح لنفسها بانتهاك حرمة الحريات الخاصة للمواطنين، ليس فقط في دول عدوة ومنافسة ومنظمات وتنظيمات معادية، بل أيضاً للدول الصديقة والحليفة بمؤسساتها ومواطنيها، وكيف يمكن أن يمتد هذا الاعتداء على الحريات الخاصة إلى مواطني الولايات المتحدة نفسها، وكيف يمكن أن تمتلك الولايات المتحدة بعد الآن إعطاء نفسها حق التدخل في الشؤون الداخلية للدول وممارسة التسلط على سياساتها بحجة الدفاع عن حقوق الإنسان في هذه الدول؟
كيف يبرر المسؤولين الأمريكيين الفضيحة ؟!
حرص عدداً من كبار المسؤولين الأمريكيين الحاليين والسابقين في الإدارة الأمريكية على تبرير كل هذا التجسس الأمريكي على العالم وعلى الحلفاء وعلى الأمريكيين أنفسهم، قالوا ذلك في برامج حوارية وتلفزيونية وتصريحات صحفية . وكان على رأس هؤلاء دينس ماكدونو كبير موظفي البيت الأبيض، وديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي السابق، ومايكل هايدن الرئيس السابق لوكالة المخابرات المركزية ووكالة الأمن القومي الذي اعتبر أن قيام الحكومة بجمع البيانات عن الأمريكيين والرعايا الأجانب “كان دستورياً”، وتم الإشراف عليه من قبل السلطات التنفيذية والتشريعية، ومثل هذا الاعتراف يزيد الكارثة هولاً ويؤكد أن المسألة ليست أزمة أجهزة استخباراتية بل أزمة النظام الأمريكي كله، بدليل ما سبق أن نشرته صحيفة “واشنطن تايمز” في مقال للسيناتور رون وايدن، وقالت فيه انه “تبين لاحقاً أن وكالة الأمن القومي الأمريكي لم تكن تجمع المعلومات عن المواطنين فحسب، ولكنها كانت تعرف المعلومات التي يحتويها هاتف كل مواطن أمريكي عن سابق عمد وإصرار” .
من جهته أكد مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية جيمس كلابر على أن التعرف على نوايا زعماء الدول الأخرى هدف رئيسي لأنشطة الاستخبارات الأمريكية. ووصف كلابر – في كلمة أمام لجنة الاستخبارات بمجلس النواب الأمريكي – هذه الجهود بأنها “ركيزة مهمة” لسياسة بلاده الاستخباراتية.
وقال: “معرفة نوايا هؤلاء القادة ركيزة أساسية فيما نقوم بتجميعه وتحليله”، مضيفا أن واشنطن لا تتجسس على الدول “بصورة عشوائية”. وأشار كلابر إلى أن بعض حلفاء واشنطن يتجسسون على مسؤولين وهيئات استخباراتية أمريكية بشكل روتيني ، مبينا إن التقارير المتداولة حول أنشطة الاستخبارات الأمريكية تسببت في أضرار بالغة وأنه لا توجد دول لديها نفس القدر من الرقابة كما تقوم الولايات المتحدة، مبررا أي خطأ بأنه فني أو بشري.
لكن مدير وكالة الأمن القومي الأمريكي كيث ألكسندر وصف تقارير إعلامية في فرنسا وإسبانيا وإيطاليا بشأن تجميع الوكالة بيانات الملايين من المكالمات الهاتفية بأنها “كاذبة تماما”. وأوضح ألكسندر أن الكثير من البيانات التي تداولتها وسائل إعلام غير أمريكية عكفت على جمعها هيئات استخباراتية أوروبية وأطلعت عليها وكالة الأمن القومي في وقت لاحق.
وفي مقابلة تلفزيونية قال الرئيس الأمريكي إن ثمة مراجعة لعمليات الأمن القومي في الولايات المتحدة لضمان ضبط القدرات التقنية المتنامية لوكالة الأمن القومي.
وكانت رئيسة لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ الأمريكي، ديان فينشتاين، قد صرحت بأنه كان من الخطأ أن تتجسس الولايات المتحدة على قادة دول صديقة. وقالت فينشتاين إن البيت الأبيض أخبرها بأن كافة أنشطة المراقبة ستتوقف.
عين التجسس .. من ميركل إلى هولاند
من هي أكثر الأسماء التى تنصت على هواتفها الخاصة وكالة الأمن القومي الأمريكي؟
أقرب الحلفاء في واقع الأمر من الأوروبيين مثل الألمان والفرنسيين والبرازيليين والمكسيكيين والإيطاليين. فقد أعلنت برلين أن هاتف المستشارة “أنجيلا ميركل” قد تعرض للمراقبة من قبل المخابرات الأمريكية، وبدورها صرحت غداة وصولها إلى العاصمة البلجيكية للمشاركة في القمة الأوربية بأنه لابد من مراجعة العلاقات مع أمريكا، مؤكدة أن العلاقات بين الحلفاء تبني على أساس من الثقة وأنه “لا تجسس بين الأصدقاء”.
الرئيس الفرنسي الذي كانت بلاده بنوع خاص ملعبا للتجسس والتنصت الأمريكيين وجه انتقادات حادة في أثناء اتصال هاتفي مع أوباما، بعد تقرير لصحيفة اللوموند الفرنسية أكد اعتراض الأمريكيين ملايين الاتصالات الهاتفية في فرنسا.
وفي الوقت ذاته ذكرت مجلة اسبريسو الإيطالية الاسبوعية أن إيطاليا من بين الدول الأوربية التي تجسست عليها وكالتا الاستخبارات الأمريكية والبريطانية، ونقلت المجلة على موقعها الالكتروني عن الصفحي السابق بصحيفة “الجارديان” جلين جرينوالد” قوله :” تقوم وكالة المراقبة الوطنية بتنفيذ عمليات تجسس كثيرة على الحكومات الأوربية أيضا، من بينها الحكومة الإيطالية”. والشاهد أن حكومات دول أمريكا اللاتينية، التي تعد تاريخيا الخلفية الاستراتيجية للولايات المتحدة لم تكن بعيدة عن أعمال الفضائح التجسسية الأخيرة، وتبدي هذا في مواقف عدد من قادة ورؤساء القارة اللاتينية، فقد أحدث رئيس المكسيك الجديد أنريكو ينيتو” ضجة واسعة بعد معلومات عن دخول الوكالة الأمريكية إلى بريده الالكتروني الخاص.
وقد أعتبر الرئيس المكسيكي السابق “فيشنيتي فركس” أن لا جديد في الأمر فعمليات التجسس الأمريكية تجري حول العالم من زمن “أما رئيسة البرازيل “ديلما روسيف”، فقد استغلت معلومات تفيد بأن الوكالة تتجسس على حكومتها، لتحول الانتباه عن مشاكلها السياسية، فالغت زيارة رسمية إلى البيت الأبيض وهاجمت واشنطن في الجمعية العمومية للأمم المتحدة
تحليل المشهد يقودنا إلى الاعتقاد بأن هناك تصميما أمريكيا على أخضاع دولتين بالذات في أوروبا هما فرنسا وألمانيا للتنصت والتجسس الأمريكي وغياب شبه تام عن أية عمليات تجسس على بريطانيا، حيث الأنباء تشير إلى وجود تحالف سري استخباراتي أمريكي “بريطاني ـ كندي ـ استرالي ـ نيوزيلندي على تقاسم المعلومات، وعدم التجسس إلا بإذن من كل دولة على الأخرى، وهذه قصة أخرى في حاجة إلى حديث منفصل.. لماذا ألمانيا بالذات ومتى بدأت واشنطن التجسس على ألمانيا؟
غير خاف على أحد أن ألمانيا ربما أكثر من فرنسا كانت ميدانا في زمن الحرب الباردة للمواجهة مع المعسكر الشيوعي، في ظل التقسيم إلى ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية، وفي هذا السياق يفهم كيف كانت واشنطن تراقب كل شاردة وواردة على الجانب الآخر، لكن ما لا يمكن فهمه هو تجسس واشنطن على ألمانيا الموحدة، لكن لهذا أسباب، فالتجسس على ألمانيا لم يبدأ مع ميركل بل ربما سبقه إلى زمن سلفها المستشار “جيرهارد شرودر” الذي كان يخضع أيضا للتنصت من قبل وكالة الأمن القومي، لسبب واضح وهو أنه عارض الاجتياح الأمريكي في العراق. وقد كان بوش مرتابا من الاشتراكيين الألمان، نظرا لعلاقتهم بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يعد بمثابة بطرس الأكبر الثاني، أي الرجل الذي عاد ليبني أمجاد روسيا القيصرية الامبراطورية مرة أخرى. ويبدو كذلك أن التنصت على ميركل قد بدأ قبل موعد ظهور تلك الوقائع أي قبل عام 2006، وهناك من يرجح أن الأمر بدأ في عام 2002 أي في السنوات الأولى لإدارة بوش الابن، وهناك من يربط هذا التنصت بوجود أحدي الخلايا التى شاركت في الهجوم على واشنطن ونيويورك في 11 سبتمبر 2001، على الأراضي الألمانية، ووقتها كانت ميركل زعيمة المعارضة، ولم تتولي منصب المستشارية إلا بعد ذلك بثلاث سنوات.. من أين يتم التجسس على الألمان؟
بحسب مجلة “يرشبيجل” الألمانية يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تتابع ميركل وغيرها من المسؤولين الألمان، من خلال الطابق الرابع في سفارة أمريكا في برلين، حيث النشاط الحثيث لخلية التجسس الأمريكية، القابعة على مرمى حجر من مباني الحكومة الالمانية. وفي دلالة على استياء برلين من وكالة الأمن القومي الأمريكي شدد وزير الداخلية هانس بيتر فريدريش لهجته تجاه واشنطن وصرح لصحيفة “بيلد أوم سونتاغ” بالقول “أن التجسس جريمة ويجب محاكمة من يمارسه”… ما الذي تخشاه واشنطن لجهة ألمانيا، هل تخشى نهضة ألمانيا الموحدة من جديد لتقود تحالفا أوروبيا ربما لن يكون صديق للولايات المتحدة في العقود القادمة ولهذا تريد أن تحصل على معلومات استباقية عن النوايا الالمانية؟ هل تخشى واشنطن من الصيحات القومية التى تظهر اليوم في ألمانيا وربما تشكل خطرا لاحقا على الأمريكيين؟
ام أن أنها تخشى تقاربا ألمانيا روسيا بعد أن باتت روسيا نظيفة من أفكار الشيوعية الهدامة؟ وربما كانت تخشى من علاقات ألمانيا مع الصين القطب القادم الذي يشكل حجر عثرة للأمريكيين، لاسيما وأن التعاون الاقتصادي ماض على قدم وساق بين الألمان والصينيين، وكثير من المصانع الالمانية قد نقلت أنشطتها إلى الجانب الصيني لوفرة الأيدي العاملة ورخص الأسعار.
التجسس على إسرائيل
هل يمكن لأحد أن يتصور قيام واشنطن بالتجسس على تل أبيب التي يراها كثير من المؤرخين والمحللين السياسيين الابنة الكبرى البكر” للولايات المتحدة الأمريكية؟
“يقدرون في إسرائيل أن الولايات المتحدة تتنصت عليها” …. هكذا جاءت افتتاحية صحيفة “هاآرتس” يوم الأحد 27 أكتوبر المنصرم، تقول بعض سطور الافتتاحية المشار إليها حتى الساعة يغيب اسم إسرائيل عن قائمة الدول الصديقة، التي تبين لها مؤخرا بما فاجأها أن الولايات المتحدة تتنصت على أحاديث زعمائها، وقد عدت هؤلاء فكانوا 35 زعيما.
لكنها لم تعد الجميع، ويطلب عدد من الدول المتضررة ومنها ألمانيا وفرنسا والبرازيل الآن في حزم توضيحات من واشنطن على أثر الكشف عن وثائق الوكالة الأمريكية للأمن القومي، على يد المسرب أدوارد سنودن.
والمؤكد أنه إلى الآن تذكر إسرائيل من الجهة العكسية فقط بصفتها شريكة محتملة للأمريكيين في مهمات تجسس على أصدقائها، كما في الخبر الذي نشر في الصحيفة الفرنسية “لوموند”، التي تتهم بصورة غير مباشرة وبالاعتماد على تخمينات بالإشارة الخفية جدا الموساد بمشاركة في مراقبة قصر الاليزية.. هل يعني ذلك أن واشنطن لا تتجسس على تل أبيب؟ الذي قرأ المقابلة الصحيفة التي أجرتها صحيفة معاريف الإسرائيلية مع مدير الموساد الإسرائيلي السابق “داني ياتوم” يدرك أن واشنطن تفعل ذلك وأنه لا استثناء لديها.. فواشنطن بحسب “ياتوم” تتجسس على من تريد فهي ترى في نفسها قوة عظمي ومن حقها فعل ذلك، وتفعل ذلك أيضا مع إسرائيل منذ زمن”.
وأضوف “ياتوم”… أن الولايات المتحدة لا ترى أحد أبعد من متر، وعندما تقرر التنصت على أحد فإنها تفعل ذلك فلا خجل، وأنه من الممكن جدا أن تكون واشنطن تتجسس على إسرائيل لسببين الأول هو متابعة تطورات المفاوضات مع الفلسطينيين، واستكشاف نوايا تل أبيب مسبقا، لاسيما وأنه طالما بقيت هذه القضية معلقة دون التوصل إلى تسوية، ستبقي مصالح أمريكية كثيرة مهددة في الشرق الأوسط، ولذلك بات على الأمريكيين قراءة ما في صدور الإسرائيليين وما في عقولهم.
والسبب الثاني معرفة توجهات إسرائيل بالنسبة للبرنامج النووي الإيراني، وحسب ياتوم فمن المهم لواشنطن معرفة طريقة تفكير نتانياهو بخصوص المفاوضات وما الذي تفكر فيه إسرائيل حيال إيران، وأشار ياتوم إلى أن هناك اهتماما كبيرا بهذا الأمر وهم بحاجة للمعلومات الكافية لمناقشة إسرائيل بناء عليها.
دول الشرق
تطرح وثائق الأمن القومي الأمريكي علامة استفهام جديدة ومثيرة بدورها :” إذا كان الأمريكيون يتنصتون على الحلفاء فكيف الحال مع دول الشرق الأوسط العربية والإسلامية؟ ثم أبعد من ذلك ما هو الحال بالنسبة لدولة مرشحة أو كانت حتى وقت قريب، وربما ستعود لاحقا، إلى دائرة المواجهة المسلحة معها مثل إيران، أما الهم الأكبر فيبقى بالنسبة لروسيا القيصرية، ذات الآرث التاريخي في المواجهة مع واشنطن، عطفا على الصين القطب القادم والمناوئ للولايات المتحدة الأمريكية؟
بدون تطويل ممل نشير إلى البيانات الواردة في موقع “كريبتوم” المتخصص في نشر الوثائق السرية، إلى أن واشنطن رصدت أوراقبت أو تجسست على 7.8 مليار اتصال في المملكة العربية السعودية، ومثلها في العراق، في حين وصل سقف عمليات التجسس على مصر إلى 1.9 مليار اتصال، و 1.6مليار اتصال في الأردن. أما أكبر عمليات التجسس فكانت في أفغانستان، حيث تم التنصت على 21.98 مليار عملية اتصال فيها، وأتت بعدها باكستان بـ 12.76 مليار اتصال والهند بـ 6.28 مليارات اتصال، وأتت في رابع مرتبة بين دول الشرق الأوسط إيران مع التنصت على 1.73 مليار اتصال في إيران، بحسب الوثائق.
الصين تصعد اجراءاتها الأمنية لمواجهة التجسس الأمريكي
قالت الحكومة الصينية إنها قررت تصعيد اجراءاتها الأمنية، وذلك عقب ذيوع المعلومات القائلة إن وكالة الأمن الوطني الأمريكية تتنصت الى ملايين المكالمات الهاتفية في اوروبا وغيرها بما فيها المكالمات الخاصة برؤساء دول حليفة للولايات المتحدة.
وقالت هوا تشونيينغ الناطقة باسم وزارة الخارجية الصينية “أسوة بالكثير من الدول، ننظر باهتمام الى هذه التقارير” ، واضافت “تشعر الصين بالقلق من التقارير التي تحدث عن تجسس وتنصت على مكالمات هاتفية، وهي منتبهة لتطورات الأمور ، مبينة “سنتخذ الاجراءات اللازمة للدفاع عن أمن معلوماتنا” دون التطرق الى مزيد من التفاصيل.
اسبانيا تحقق في التجسس الأمريكي
أعلن مكتب المدعي العام في إسبانيا أنه تم فتح تحقيق أولي في مزاعم بأن مدريد كانت هدفا للمراقبة والتجسس من قبل وكالة الأمن القومي الأمريكي. وأكد مكتب المدعي العام في مدريد أن التحقيق يهدف إلى تحديد ما إذا كانت إسبانيا يجب أن تنظر في فتح تحقيق رسمي في هذه الواقعة وما إذا كانت أنشطة وكالة الأمن القومي الأمريكي تجاه مدريد يمكن اعتبارها جريمة. وكان رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي قد استدعى السفير الأمريكي لدى مدريد جيمس كوستوس للحصول على تفسير لما تم الكشف عنه مؤخرا من خلال ملفات سربها إدوارد سنودن وتشير إلى تعقب الوكالة الأمريكية لأكثر من 60 مليون مكالمة هاتفية في إسبانيا في غضون شهر.
التجسس الأمريكي يمتد ليشمل الفاتيكان
ذكرت مجلة “بانوراما” الإيطالية في تقرير لها أن عملية التجسس الأمريكية لم تتوقف عند المستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل”، بل امتدت لتشمل المكالمات القادمة والصادرة من الفاتيكان. وأضافت الصحيفة الإيطالية أن أحد الصحفيين الذين كانوا يعملون بمكتب رئيس الوزراء السابق “سيلفيو بيرلسكوني” قال إن المخابرات الأمريكية تتبعت العديد من المكالمات الهاتفية في الفاتيكان.
وأشارت “بانوراما” إلى أن وكالة الأمن القومي الأمريكية تصنتت على نحو 46 مليون مكالمة هاتفية في إيطاليا خلال الفترة من 10 ديسمبر 2012 وحتى 8 يناير 2013.
التجسس الأمريكي يطال جوجل وياهو
في غضون ذلك، قالت وكالة الأمن القومي الأمريكية المسؤولة عن التجسس الإلكتروني، ، إنها لا تستهدف الفاتيكان، ووصفت تقريرا لمجلة إيطالية بأنها فعلت ذلك بأنه “غير صحيح”.
وذكرت مجلة بانوراما، أن وكالة الأمن القومي تجسست على مكالمات هاتفية خاصة بالفاتيكان ربما شملت مكالمات أثناء المناقشات بشأن من يخلف البابا السابق بندكت. ووفقا للمجلة التي لم تكشف عن مصدر معلوماتها فإن الوكالة الأمريكية تنصتت على 46 مليون مكالمة هاتفية في إيطاليا في الفترة من العاشر من ديسمبر 2012 إلى الثامن من يناير 2013 بما في ذلك مكالمات مع الفاتيكان. وقالت المجلة في بيان صحفي قبل نشر تقريرها كاملا الخميس إن وكالة الأمن القومي تجسست على مكالمات هاتفية للبابا. وقال الفاتيكان انه لا علم له بمثل هذا النشاط.
مشروع قرار بالأمم المتحدة لمواجهة التجسس الأمريكي
فى تضامن دولى غير مسبوق للتصدى للانتهاكات الأمريكية للحريات، كشفت مصادر دبلوماسية بالأمم المتحدة عن مشروع قرار ألمانى برازيلى بالجمعية العامة، يطالب بوضع نهاية لعمليات التجسس الأمريكية، وانتهاك الحياة الشخصية للمواطنين وقادة العالم، على حد سواء، فى أعقاب سلسلة التسريبات الأمنية التى كشف عنها إدوارد سنودين، المتعاقد السابق مع المخابرات الأمريكية.
وفى إطار الحشد الدولي لمواجهة خطر “التجسس” الأمريكي على قادة العالم، كشفت مصادر دبلوماسية بالأمم المتحدة عن مشروع قرار ألماني – برازيلى بالجمعية العامة للمنظمة الدولية سيطالب بوضع نهاية لعمليات التجسس وانتهاك الحياة الشخصية التى تقوم بها الولايات المتحدة، فى أعقاب سلسلة التسريبات الأمنية التى كشف عنها إدوارد سنودن وأدانت كل من رئيسة البرازيل ديلما روسيف والمستشارة الألمانية انجيلا ميركل عملية التجسس الواسعة النطاق التى قامت بها الوكالة الأمريكية، وذلك بعد حالة الغضب العارم التى اجتاحت أوروبا وامريكا اللاتينية فى أعقاب التأكد من أن وكالة الأمن القومى اطلعت على عشرات الآلاف من تسجيلات التليفونات الفرنسية بالإضافة إلى مراقبة هاتف ميركل، وهو ما دفع ألمانيا للإعلان عن إرسال مجموعة من كبار قادة المخابرات الألمانية إلى واشنطن خلال الأسبوع الحالى سعيا للحصول على إجابات من البيت الابيض.
ومن ناحيتها، أكدت البرازيل سعيها للتعاون مع دول أخرى من أجل إصدار قرار تتبناه الجمعية العامة للأمم المتحدة يضمن خصوصية مستخدمى شبكة الانترنت والاتصالات اللاسلكية. وكانت شبكة “فوكس نيوز” الأمريكية قد أشارت فى هذا الإطار إلى اتخاذ رئيسة البرازيل ديلما روسيف خطوة نادرة بإلغاء رحلتها الرسمية إلى واشنطن، كما أدانت الولايات المتحدة فى خطاب أدلت به فى الأمم المتحدة فى سبتمبر الماضي.ويتزامن هذا التحرك الدولى مع مساعى المستشارة الألمانية إلى حث الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبى للتوصل إلي”اتفاق بعدم التجسس” مماثل للاتفاق الذى تسعى فرنسا وألمانيا للتوصل إليه مع الولايات المتحدة، بعد الكشف عن أحدث موجة من فضائح التجسس الأمريكي.
الى ذلك ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية إن وكالة الأمن القومي الأمريكية تتجسس على جميع دول أمريكا اللاتينية ، وأن الجزء الأكبر من الوثائق الأمريكية السرية التي حصل عليها سنودن والتي نقلها الى هونغ كونغ، لم يتم نشرها بعد.
كلمة اخيرة
ماذا يعني هذا كله، وكيف تقبل الدول أن تعيش تحت رهبة برنامج “بريزم” الأمريكي للتجسس الذي يعمل بمثابة “مخبر عالمي” قادر على الاختراق الإلكتروني وهو الأكفأ والأنشط في الالتقاط والتنصت واعتراض الهواتف والإنترنت، وكيف يمكن الثقة في الشركات الكبرى التي تتعاون مع أجهزة الاستخبارات الأمريكية بهذا الخصوص التي وقعت اتفاقات مع تلك الشركات خاصة “ياهو” و”مايكروسوفت” و”غوغل” و”يوتيوب” و”فيسبوك” و”أبل” وغيرها؟
ما يحدث ليس أقل من “حرب أمريكية ناعمة” يشنها الأمريكيون على كل العالم دون تمييز، وعلى الأخص الدول الإسلامية والعربية التي تأتي في مقدمة قائمة التنصت الأمريكية، لكن الأخطر أن الأمريكيين يتقاسمون معلوماتهم بشكل خاص مع ثلاثة أجهزة استخبارات: البريطانية والألمانية و”الإسرائيلية” .
هي حرب حقيقية لا يستطيع الأمريكيون إخفاءها أو الدفاع عنها لأن هذه وبتلخيص شديد هي “أمريكا” وعلى المتضرر أن يدافع عن نفسه ويراجع سياساته .