هل هي المفارقة الواحدة بعد الألف، بل ربما الواحدة بعد العشرة آلاف، في عهد نظامنا الجديد “الديمقراطي”، أن يُجرّم بعقوبة قاسية مَنْ ضمِن له الدستور حقّ التعبير عن الرأي، فيما يُترك طليقاً مَنْ يتجاوز على القانون في وضح النهار؟
إدارة جامعة القادسية في الديوانية أصدرت للتوّ قراراً بالفصل لمدة سنة دراسية كاملة في حق 4 طلاب لأنهم تظاهروا سلمياً داخل حرم الجامعة قبل إسبوعين. هذا قرار في غاية الجور في حق الطلبة وعائلاتهم، يُعيد الى الأذهان ما كانت عليه حال العراق في العهد السابق، يوم كان نظام الحكم شمولياً دكتاتورياً لا يسمح لأحد أن يعبّر عن رأيه بحرية، ويبيح لقوات أمنه المسلحة العمل داخل الجامعات وسواها للمراقبة والقمع.
ممّا نُقل عن رئيس مجلس الوزراء، ومما كتبه وزير التعليم العالي في توجيهات، تعليقاً على ما جرى في تلك الجامعة، فهمنا أن موقف الرجلين هو إلى جانب صون حرمة الحرم الجامعي التي جرى انتهاكها بإطلاق النار على الطلبة المتظاهرين من مسلحين جاءوا من خارج الجامعة.
رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي، بحسب ما نُقل، قد أجرى إثر الحادثة اتصالاً هاتفياً مع وزير التعليم العالي عبد الرزاق العيسى وطلب منه تشكيل لجنة تحقيقية لمنع وقوع أي ظلم أو تعسّف على طالب أو أستاذ، لا سيما بعد بث مقطع فيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي يظهر فيه أستاذ جامعي يوبّخ أحد الطلبة المتظاهرين بطريقة غير مألوفة في الحياة الجامعية إلا في ظل الانظمة الدكتاتورية. طلب رئيس مجلس الوزراء تضمّن أيضاً وضع خطة وتقديمها إلى البرلمان لمنع الزيارات السياسية إلى الجامعات والمعاهد العراقية.
الوزير العيسى من جهته كتب توجيها تعهّد فيه “بإعادة النظر بالقيادات الجامعية التي لم تحافظ على استقلال الجامعات وجعلت منها على مقربة من محك الاستعراضات الانتخابية المبكّرة التي تهدّد هوية المؤسسة الأكاديمية العراقية”.
فما عدا ممّا بدا الآن لتُقدِم إدارة جامعة القادسية على إجراء ما كان يُمكن تصور اتخاذه إلا في ظل نظام قمعي، كنظام صدام أو نظام القذافي أو نظام بشار الأسد؟!
ما الذي يبقيه نظامنا الجديد “الديمقراطي” ليكون ماركة مسجلة خاصة بنظام صدام وأشباهه؟ وما الذي يميّز به نظامنا الجديد نفسه عن نظام صدام الذي سعينا للخلاص منه ومن ظلمه بكل السبل؟!
كيف تأتّى لإدارة جامعة القادسية أن ترى بعين مظاهرة الطلبة، السلمية المنصوص على الحق فيها في الدستور، ولا ترى بالعين الأخرى ما تعرّض له الحرم الجامعي من انتهاك سافر بإطلاق النار من مسلحين غير مخوّلين بالدخول بأسلحتهم إلى الجامعة، وإرهاب الطلبة باستخدام هذا السلاح؟!
نقلا عن المدى