يعدنا السيد صبحي ناظم في مقالاته عن عبد السلام محمد عارف بسبر أغوار الرجل، لكننا لا نجد بعد كل ما كتب غير محاولة لإنشاء كراسة عسكرية مقيتة في التنظيم والتدريب وصنوف الأسلحة والمراتب، أما عبد السلام الذي يريد سبر غوره فيبقى بعيداً عنه كل البعد. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ما الداعي لكتابة كل هذه الانطباعات الشخصية التي يخرج منها القارئ أطرشاً لا يعرف من هو رئيس جمهوريته الأسبق. وكان للكاتب لو اراد أن ينشر انطباعاته الشخصية في كتاب خاص به مثلما فعل طباخ الفوهرر. ولكي لا نطيل كما أطال العميد الركن المتقاعد، الدكتور نفسه، لا بد أن نقول أولاً أن كريمة السيد رئيس الجمهورية قد قبلت في كلية الطب بجامعة بغداد رغم معدلها الذي لم يكن يتجاوز الاثنتين والخمسين درجة، وما هي غير أشهر قليلة حتى وجدت نفسها في كلية اخرى لأن دراسة الطب لأهلها من التلاميذ النابهين لا لها. أما الوالد عبد السلام فهو قاتل من البداية إلى النهاية، ففي ليلة ثورة تموز مثلاً وقبل أن تتحرك القوات المهاجمة إلى بغداد يخبر ضباطه بأن مهمة الثورة هي القضاء على ثلاثة، الشيوعيين، والنصارى، والشيعة- ولا تتعبوا أنفسكم كثيراً في السؤال هل أنا سني أم شيعي، فهذا لا يخصني بقدر ما يخصكم. وعبد السلام هو الذي استعدى الجنود من دار الإذاعة بصوته على قتل وسحل العائلة المالكة: أقتلوهم، اسحلوهم، وهذا ما تم له. وعبد السلام هو أول من تآمر على ثورة تموز حينما التقي عبد الناصر في سورية في أول أسبوع من الثورة، وهو الذي أراد اغتيال رفيق الدرب والسلاح في مقر وزارة الدفاع وبطريقة همجية جبانة. ثم إن عبد السلام هو أول من فتح ملاعب كرة القدم للمشانق التي صعدها العراقيون أمام المئات من المتفرجين في وضح النهار. وعبد السلام هو الذي أعدم رفيق الدرب والسلاح في دار الإذاعة بلا محاكمة، وهو الذي خرب الصناعة العراقية الخفيفة بقرارات التأميم البائسة التي كان يغازل بها عبد الناصر. وهو مهندس قطار الموت، وما أدراكم ما قطار الموت الذي دهنت جدرانه بالقار، وسار من بغداد إلى النقرة يحمل المئات من خيرة العراقيين، وكان القصد أن يصلوا أمواتاً لولا لطف الله. وعبد السلام هو الذي أخذ صك الرشوة من الكويتيين وخبأه عنده، وهو صاحب الحرس القومي الذي أهان مئات العراقيين والعراقيات. وهو أول من شرعن الطائفية المقيتة في العراق، ومازلنا ندفع ثمنها غالياً من أرواح أبنائنا وبناتنا حتى الساعة. لم يكن لتلميذ شيعي في زمن عبد السلام أن يدخل إلى الكلية العسكرية، أو كلية الطيران إلاّ ما ندر من أبناء الذوات الشيعة أصحاب المصالح، في الوقت الذي فتح رفيق دربه كل الكليات العراقية المدنية والعسكرية للفقراء أياً كانوا. وعبد السلام هو الذي حضر في الحفل الذي غنت فيه أم كلثوم على شرفه، ولكن في ليلة العاشر من محرم، ونهض بنفسه إلى المطربة ليحييها وهو رئيس جمهورية العراق. أما حرب الشمال، وأما علاقات الجوار، فهذه قصة محزنة أخرى. وأما خطابات الرئيس وما فيها من سفه فقصة أخرى هي أيضاً، وكلها مسجل. لو نظرتم إلى صور الرئيس في كل مراحل عمره لخرجتم بانطباع واحد لا يختلف عليه اثنان، هذا الرجل صورة مجسدة للغباء.
وهل تريدون المزيد عن عبد السلام محمد عارف؟ لكن الوقت ثمين، وكان لي أن أقرأ لافتة في أحد أكشاك بيع الكتب القديمة في لندن تقول: القراء لا يسرقون، واللصوص لا يقرأون، وفي هذا الكفاية.