ان تقدم اي دولة رهنا بكفاءة ادارات المؤسسات فيها، فقوة الدولة وتقدمها تتمثل في رصانة وقوة نظامها الاداري الذي يتمثل في حياديته والالتزام الامين بستراتيجية الدولة وتحقيق الاهداف المحددة فيها باقل كلفة وافضل نوعية واحسن اداء . لكون الادارة هي تحديد عملية التنظيم المؤسسي بالاضافة الى كونها موجهة نحو مهام محددة مثل الاشراف والتخطيط واعداد الموازنات والتنظيم والتحكم ، للعمل على نجاح هذه المهام بروح الفريق الواحد ليبدع ويبتكر من خلال الانجاز الجماعي لاهداف المؤسسة وتحقيق المصلحة العامة بالابتعاد بشكل نهائي عن تحقيق المصالح الذاتية من خلال تداخل سلطة القانون مع المنفعة العامة في معادلة الادارة. والحفاظ على هذه السمات للادارة يتطلب ضرورة فصل الادارة عن السياسة حماية ووقاية لهذه الادارة من الدخول في المشاكل والخصومات والمساومات والتسويات السياسية نظرا للطبيعة الفنية للعمل الاداري .
ان تقدم الدول الان ارتبط ارتباطا وثيقا بفصل الادارة عن السياسة ادراكا منها بانه ( لا توجد دول متقدمة واخرى متخلفة ، بل توجد ادارات متقدمة واخرى متخلفة) فالفرق بين الدول المتقدمة والدول المتخلفة انما يتضح الى حد بعيد من خلال الفرق بين مستويات اداء العمل الاداري في كل منها . هذا المفهوم جعل دولا فقيرة بمواردها ازدهرت بفضل كفاءة ادارتها مثل اليابان، واخرى تمتلك الموارد الهائلة اللازمة للتنمية والبناء ولكنها متخلفة لعدم كفاءة ادارتها في استغلال هذه الموارد.
وعند الرجوع الى التاريخ نرى ان امريكا في القرن التاسع عشر وحتى بداية القرن العشرين كانت رغم امتلاكها للموارد تتعثر في استغلال هذه الموارد بسبب ادارة ( نظام الاسلاب ) السائد انذاك . هذا النظام الذي كان متمثلا في ان الوظائف في المؤسسات الحكومية كانت غنائم للحزب الحاكم ضمن نهج المحاصصة لهذا النظام . وعندما ادرك الامريكيون ان هذا النظام سبب فشلهم وتعثرهم في التنمية قاموا بالغائه اثر تتوج جهود لجنة الخدمة الامريكية في الكونغرس بصدور قانون هاشت عام 1938 الذي بمقتضاه تم استقلالية الادارة عن السياسة وحظر على الموظفين الحكوميين القيام باي عمل لصالح حزب سياسي والاخذ بمبدأ الجدارة في التعيين والغاء نظام الاسلاب .
ورغم التجربة السيئة للامريكيين مع هذا النظام نقلوا هذه التجربة الى العراق عند احتلاله من خلال نظام المحاصصة لتحطيم هذا البلد والعمل على وقف اي تنمية فيه ، واطروا هذا النظام بقاعدة الاستعمار القذرة ( فرق تسد) لتتضاعف المأساة وتكتمل رؤيتهم لوطن محطم ، ووقف عملية التنمية فيه تماما . مستفيدون من طمع وجهل السياسيين واستغلالهم لنظام الاسلاب اسؤا استعمال . فبدلا من العمل في بناء مؤسسات الدولة بالكفاءات التي تحدث فرقا جوهريا في مستوى الاداء والنجاح، اخذوا بتعيين انصارهم والمواليين لهم في هذه المؤسسات رغم عدم كفاءتهم واهليتهم مما اجهض تحصين المؤسسات الاقتصادية والعسكرية وضعفت قوة التماسك المشترك بين الموارد البشرية ومؤسساتهم وفقدت القدرة على الاداء المشترك.ولم يعد هناك مناخات تنظيمية تسودها الثقة والاحترام المتبادل بين افراد المؤسسة وفقدت ادارات المؤسسات القدرة على تامين الولاء الدائم للموارد البشرية تجاه المؤسسة التي يعملون فيها بسبب خلق مساحة من القلق الاداري نتيجة للتجاذب بين الاطراف وانعدام الولاء وانخفاض الاداء وتهديد الامان وتعكير صفوف العمل وبالتالي خلق التاثيرات السلبية وعدم استغلال طاقات الافراد بالاتجاه المطلوب نتيجة توظيف طاقاتهم نحو الصراع وبالتالي انحسار روح العمل الجماعي اثر انخفاض روح المعنوية الناتجة عن الثرثرة والمتاعب النفسية .
ان فصل الادارة عن السياسة يؤدي الى استقرار التنظيم الداخلي للمؤسسة والذي يولد شعورا لدى كافة افراد التنظيم بحصانة المؤسسة . هذا الشعور الذي يتحقق من خلاله الامان والاستقرار الوظيفي وتصبح الادارة قادرة على مواجهة الصراعات البسيطة والمعقدة من اجل ضمان سلوكيات الافراد والجماعات داخل التنظيم وتامين كفاءة وفاعلية الاداء التنظيمي . اضافة الى تمكين ذوي الاختصاص في مجال الادارة من ادارة هذه المؤسسات وفق نظرة علمية تتضمن مجموعة من المبادئ الفكرية الثابتة والقوانين العلمية التي تميزها عن غيرها من العلوم. فهؤلاء يعرفون بان وظيفتهم تتركز في مجالات وظائف التخطيط والقيادة والتنظيم واتخاذ القرار والتوجيه والرقابة وادارة هذه الوظائف بذكاء ومعرفة تماشيا مع متطلبات الموقف . لا كما هو الحال الان في مؤسسات الدولة العراقية الذي يتميز بوجود مدراء فيها لا يعرفون عن الادارة الا ( اجراء اللازم وحسب الضوابط والتعليمات ) رغم ان الظروف قد تتطلب تغييرا في خطة او تبديلا في التنظيم او اتخاذ لقرار ضروي او اهتماما بتوجيه او كيفية الرقابة .لتتلكأ الادارة بين اجتهادات المرؤسين لتفسير هذه الضوابط والتعليمات أو التهكم على المدير لمعرفتهم بأن كثير من الاجراءات هي ضمن صلاحياته وكذلك ضياع تلك ألاجراءات بين الروتين المتراكم وبضياعها قد تضيع مصلحة عامة أو تضيع حقوق ألافراد .
فيا ايها السياسيون كفاكم اثخانا للجراح بجسد هذا الوطن واعلموا انه باق وانتم زائلون … فأبدأوا بتصحيح مساركم والا سيلعنكم التاريخ ويلفظكم الوطن كما لفظ طغاة من قبلكم وستصبحون لعنة على افواه الناس وانتظروا ( حوبة العراق) فيكم ايها المنتشون المغفلون …