22 ديسمبر، 2024 7:23 م

ما من شكّ إن جميع العراقيين يؤيدون ويطالبون بخروج القوات الأمريكية لتجنب حرب “المحاور” ويرون ان سياسية الولايات المتحدة الأمريكية كان لها الكثير من الأدوار العدائيّة في العراق وما يحصل من خراب له، والقصف الأخير أكّد هذه السياسة السوداوية ليطال منشآت مدنية، فضلا عن سقوط الشهداء. ولكن لننظر إلى المشهد العراقي دون عواطف وإنفعالات ومن زاوية مختلفة، ولنتساءل، هل ان ماحدث من قصف للقوات الأمريكية والبريطانية ثم الرد من قبلها وماسيجري لاحقا من عمليات رد متبادلة…هي حرب تخصّ العراقيين؟ بمعنى هل هي حَرب عراقيَّة؟ هذا السؤال يَتجدّد طالَما تَسقطت دماء وأرواح عراقية. فالعراقيون يسألون ما المُبرر لِهذه الدِماء؟.
ليس خفيّاً ان من يقود التصعيد هي فصائل مُسلّحة تَحمل الكثير من المُتناقضات. فهي تؤمن “بالثورية” ومُعبّأة “بالعقيدة”، في الوقت نفسه تضع قدمها الأخرى في النظام السياسي العراقي القائم. فالأغلبية العظمى للفصائل المُسلحة – ان لم يكن جميعها- شاركت في إنتِخابات عام 2018 وغَنِمت مَكاسباً سَواء أكانت في السلطة التشريعية أم السلطة التنفيذية. كما إنها ترفع شعار “السيادة” وبدلا من دعم الجهود السياسية للدولة في تحقيقها نجدها ترفع السلاح خارج منظومة الدولة التي تستلمون رواتبه الشهرية منها. كما إنها تعلن بيان الحرب بإسم “الشعب العراقي” و “كرامته”، في الوقت نفسه تُقسّم هذا الشعب إلى “وطني وخائن” و “عدو وصديق”. لذلك عَجزت هذه القوى أن تُقنع العراقيين بمسلكها المُتناقض ومُتبنياتها الفكرية المتقاطعة مع بناء الدولة من جهة، ومن جهة أخرى والاهم إقناعهم بإستقلاليَّة قًراراتها. إضف الى ذلك إنَّ العراقيين مُتّفقون إنَّ الفساد الإداري والمالي الذي تُعاني مِنه دولتهم هو الخطر الحقيقي الذي يتطلب محاربته ودون ذلك من مشاكل هو صدى لهذا الفساد، ومنها وجود القوات الأجنبية التي قَدِمت بطلب حكومي عندما إنهارت القوات الأمنية عام 2014 بسبب الفساد نفسه.
إنَّ هذه الحرب الحاصلة الآن ليست حرب عراقية ولاتخصّهم من قريب او بعيد. فليست سوى حرب بالوكالة يدفع ثمنها العراقيون أنفسهم، ومحاولة لتحريك مشاعر الكراهية إتجاه أمريكا ومن ثم توظيف هذا الملف والحصول على مكاسب داخلية في نيل المقبولية لدى الراي العام ومكاسب خارجية تخص الدول الموالية لها. ولن تنفع كل هذه الجهود في إقناع الشارع العراقي الذي يبدو انه في قطيعة مع هذه الفصائل التي يراها بعيدة عن واقعه وهمومه، ومن أنها قوى لاتستمع لغير صوت الكلاشنكوف ولاتعيش خارج بودقة الحرب ولا يمكنها ان تنتقل من القتال إلى السلم والبناء.
ان المشكلة التي يعاني منها العراق في حقيقتها مشكلة داخلية بحتة، أما التدخلات الخارجية فهي نتيجة عن الفشل الداخلي الذي تقوده القوى السياسية الحالية منذ 16 عاما. تراكميَّة الفشل دفعت الشارع العراقي الخروج في مظاهرات تشرين 2019 مُؤمنةً بضرورة التغيير السلمي لمنظُومة الحُكم، وعلى الرغم من كلّ المُحاولات الخارجيَّة للدفع نحو الحرب الأهليّة فقد أثبت العراقيون إنّهم مُتمسكون “بالسلم” خياراً أساساً لأيّ تغيير مَع قناعة “كفانا حروبا”. ومن هنا نطرح سؤالا مٌهماً، هل يمكن للشعب الذي آمن بالخيارات السلمية وإتّبع آلياتها ان ينتقل إلى العنف والحرب؟ والجواب كلا، فعلى الرغم من الظروف القاسية التي تدفع بالشعب العراقي للتحول إلى وحش بغيض إلا أنه لم يغادر موقعه السلمي في التعامل مع القوى السياسية الحاكمة. و وفقاً لذلك فإن جميع فصائل الكلاشنكوف لاتنتمي ولاتنسجم مع ذهنية الجمهور العراقي وثقافته السلمية ولن تكون المُعبّر عَنه بأيّ صُورة من الصور، فالعراق له طرقه السياسية السلمية وان طالت، أما الحروب وإن حَدثَت على أرض العراق فإنها لن تكون حرب عراقية.