بعد أن أثبتت العملية السياسية فشلها الذريع في العراق وبعد مرور خمسة عشر عاما كان لزاما علينا البحث في جوهر القضية وان الحل يكمن في وضع معالجات جوهرية وليست حلول ترقيعية او آنية.
ان الحل لمشاكل العراق الراهنة يكمن بتغيير العملية السياسية برمتها وفي النظام الذي يحكم هذه العملية مع الاقرار بأن شكل النظام السياسي في العراق وضع في ظروف الاحتلال الامريكي وان هذا الوضع لم يعد قائما الآن وليس بالامكان الاستمرار عليه لما سببه من اذى وتدمير للعراق.
لذا علينا اولا ان نقوم بتغيير الأسس الخاطئة بدءا من تغيير الدستور بشكل جذري واصدار قانون جديد للانتخابات، وقانون للاحزاب، وقانون لضمان حقوق الدولة العراقية ، وحرية الصحافة وعدم ترك العراق ليكون دولة فاشلة اصبحت نهبا للاحزاب والكتل السياسية .
إنّ الدول هي عبارة عن مؤسسات، والحكام هم بمثابة مدراء يديرون هذه المؤسسات. وان مبدأ وضع الرجل المناسب في المكان المناسب ينطبق على الوضع في العراق تماما، حيث يجب اختيار الافراد بشكل دقيق وان يكون هؤلاء غير تابعين لأحزاب ولاينفذون سياستهم وانهم يجب ان يملكون خبرة وكفاءة وتفان في العمل.
وقد اثبتت السنوات السابقة فشل كل قطاعات الدولة واهمها القطاع الصناعي فبعد ان كان العراق من الدول التي تصنع كل ماتحتاجه تقريبا اصبح يستورد كل شيء ويستنزف عملته الصعب على عمليات الاستيراد هذه وان هذا الفشل جاء نتيجة المحاصصة الطائفية وبعد ان زجت الاحزاب السياسية الفاسدة برجالاتها كوزراء ومستشارين ومدراء عامين وهم لايملكون اي كفاءة علمية بل ان بعضهم لايملك حتى الشهادة الابتدائية وهذا الكلام ينطبق وبصورة اكثر سودا على القطاع الصحي الذي اصبح واقعا مريرا بعد ان فقد النظام الصحي في العراق كل مقوماته وماكان يتمتع به واصبحت المستشفيات والمؤسسات الصحية عاجزة تماما عن توفير ادنى مستلزمات العلاج للمواطنين.
إنّ التغيير السليم يتطلب فعلا وضع دستور جديد، وهذا يعني اعادة النظر بكل محتوياته، فذلك ليس مستحيلا لان العراق يملك الكثير من الكفاءات العلمية العراقية ورجال القانون الاكفاء والعلماء والمفكرين الذين يستطيعون وضع دستور واضح المعالم لعراق ديمقراطي فدرالي، واقامة توازن حقيقي بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية مع ايجاد ضوابط لهذا التوازن. وعلى سبيل المثال، فإنّ قانون الانتخابات يجب ان ينظم بشكل واضح حيث يتم الغاء نظام القوائم بحيث يتم اعتماد الترشيح الفردي. وهناك مشكلة كبيرة اخرى يواجهها العراق وهي استشراء الفساد المالي والاداري والمحسوبية في التعينات والوظائف. ان كل البيانات التي تصدرها المنظمات الدولية المعنية بالشؤون الاقصادية والشفافية والفساد الاداري والمالي تضع العراق في اخر سلسلة الدول التي يستشري فيها الفساد. ان سنّ القوانين لايكفي وحده لمكافحة الفساد بل يجب ان تكون هناك ارادة قوية من قبل المسؤولين لاستئصال هذه الافة المستشرية.
والابتعاد عن الطائفية والحزبية الضيقة والانتماءات العشائرية والقبلية.
ونلاحظ على سبيل المثال أنه بعد مرور اشهر طويلة على الأنتخابات فلازال رئيس الوزراء عادل عبد المهدي هو من يتولى حقيبة الداخلية والدفاع ومناصب اخرى لعدم قدرة الكتل والاحزاب السياسية الاتفاق على تسمية وزراء لهاتين الوزارتين الأمنيتين المهمتين ولايرجع سبب عدم التوافق الى حرص الاحزاب على مصلحة العراق العليا بل الى مصالحهم الشخصية الضيقة وانهم يختلفون في تسمية الشخصيات التي تنفذ ماسيعود عليهم من مكاسب حزبية ومادية من هذه الوزارات ، وهذا بحد ذاته مخالف لما ينص عليه الدستور ودليل واضح على فشل وعجز الاحزاب السياسية وعدم اهليتها على قيادة العراق وتغيير واقعه المدمر الى واقع افضل.
هناك مسألة اخرى وهي حسب رأيي وجوب تحول الاقتصاد العراقي الى اقتصاد السوق وضرورة الابتعاد عن جعل الدولة المُوَظِف الاول في البلاد ورفع العبء المالي عن كاهل الدولة وهذا يترتب عليه تشجيع الاستثمار وفسح المجال لرؤوس الاموال الصغيرة عن طريق الحوافز المادية والاعفاءات الضريبية وأعادة دعم المدارس المهنية الموجودة وتطوير عملها كالمدارس الثانوية للصناعة والتجارة من اجل اعداد وتأهيل كادر وسطي عملي يكون له دور فعال في المجال الصناعي والتجاري، وكذلك تنظيم دورات قصيرة الامد تسغرق من 6 الى 9 اشهر من اجل تأهيل ارباب الحِرف ورفد السوق بهم.
وهناك دول شابهت ظروفها سابقا لظروف العراق حاليا مثل اليابان والمانيا حيث يمكن الاستفادة بتجربة تحولهما نحو التطور ، ان نجاح التجربة البابانية والالمانية يأتي لان هاتين الدولتين ركزتا بعد الحرب مباشرة على الجانب العلمي حيث فتحت عدداً كبيراً من المدارس المهنية المتخصصة والتي لعبت دورا كبيرا برفد سوق العمل بالكادر الواسط المؤهل.
وهنا يجب التذكير بالفساد والرشوة التي تضرب القطاع التربوي وقد سمعنا عن فضائح كبيرة في المؤسسة التعليميه ومنها نجاح الطالب بالواسطة او المحسوبية وعن تسريب الاسئلة والاعتداء على الاساتذة ، وفرض اعضاء منتمون للاحزاب السياسية في الكوادر التعليمي للكليات والمعاهد العلمية وهم لايملكون أدنى المقومات لذلك ويجب فورا القضاء على هذه الظواهر السلبية والتخلص منها،
الآن يزداد المشهد السياسي تعقيدا وعلينا ان نختار بين دولة مدنية مستقرة طموحة وبين دولة فاشلة !!!!