تتعرض سياسة الولايات المتحدة في جميع مناطق العالم الى الفشل الواضح ويكاد يكون الفشل الامريكي من نصيب جميع ملفات المصالح الامريكية اللامشروعة في المنطقة العربية وجوارها وفي بقية مناطق العالم. ان هذا الاخفاق في الخطط الامريكية ولم يكن في عهد ادارة ترامب بل ان هذا التراجع كان قد سبق ولاية الادارة الامريكية الحالية بسنوات، لكنه اصبح حادا وواضحا جدا في الادارة الحالية لحماقة رئيسها، وألحق ضررا بليغا في السياسة الامريكية وسمعتها الدولية. انعكس هذا التراجع على علاقة الولايات الامريكية مع حلفائها التقليديين، انعكاسا سلبيا. الاتحاد الاوربي وفي الفترة الاخيرة، اخذت علاقته مع الولايات المتحدة بالتذبب وفي احيان اخرى؛ في اختلاف الرؤية والاجراء واكبر مثال على هذا الاختلاف؛ هو المعالجة الاوربية للمحافظة على الصفقة النووية مع ايران، فدول الاتحاد الاوربي، المانيا وفرنسا بالاضافة بريطانيا بطريقة مخالفة لرؤية امريكا ترامب. مع ان هذا التوجه حتى الان لم يؤتي أكله، لكنه مع هذا يظل يسير في اتجاه معاكس للرؤية الامريكية. فهذه الدول تسعى لوضع برنامج اقتصادي للحل او للحفاظ على الاتفاق النووي مع ايران. من اهم الملفات التى فشلت امريكا ترامب في إدارتها، إدارة علمية وواقعية، تأخذ بنظر الاعتبار قوى ومراكز الصراع الفاعلة والمؤثرة في تلك الملفات، من بين اهم هذه الملفات،هو الملف النووي الايراني بالاضافة الى غيره. قرارات الادارة الامريكية الحالية، هوت بسمعة الولايات المتحدة الى القاع على خلاف ما يفترض ان تكون عليه، كدولة عظمى تحتل الموقع الاول في الاقتصاد والعسكر والسيطرة المالية او التحكم المالي في العالم حتى الان، لتصبح في قرارتها وتهديداتها المتواترة على اغلب دول العالم، دولة لاتحترم القانون الدولي ولاتحترم تعهداتها واتفاقاتها مما انعكس سلبا على اقرب حلفائها الاقربين في علاقتهم معها، مع ان اغلبهم أو ان بعضهم وبالذات الدول التى لاتمتلك او لم تصنع لها قوة للدفاع الذاتي عن امنها بمعزل عن الحماية الامريكية لها؛ فقدوا الثقة بالجانب الامريكي وحل محلها الشك وعدم اليقين بالحليف الامريكي، دول الخليج العربي مثلا. في العود على اهم ملفات الاخفاق الامريكي وبأختصار وتركيز شديدان:
1- الملف النووي الايراني: ففي هذا الملف وحتى الان لم تحقق الولايات المتحدة اي هدف من اهدافها حين انسحبت من الصفقة النووية ومن ثم فرضت عقوبات غير مسبوقة وقاسية على الجانب الايراني الذي تمكن الى الان من احتواء الضرر والايذاء اللذان احدثتهما هذه العقوبات الاقتصادية عليها، بمختلف الطرق والوسائل والاساليب من غير ان ترضخ للإرادة الامريكية، مما وضع الادارة الامريكية في خانق لامخرج لها منه، الا التسليم بشرط ايران القاضي بالغاء العقوبات او تخفيفها قبل اي مفاوضات…ايران سوف تلجأ الى الخروج من الصفقة النووية اذا لم يقدم الاوربيون ما يجعل ايران تستفيد من موارد الصفقة من قبيل السماح لها بتصدير نفطها من خلال اوربا، لانعتقد ان هذا سوف يحدث. هنا تبدأ الطامة الكبرى التى وضعت امريكا ترامب نفسها فيها؛ ايران حين تعيد العمل بمركز اراك او تزيد تخصيب اليورانيم بدرجة 20%، في هذه الحالة لم يبق امامها لصناعة القنبلة النووية كما يقول خبراء هذا المجال سواء ستة اشهر او سنة على ابعد احتمال. وفي ذات الوقت سوف لن تدان، لأنها في هذه الفاعلية التى تقع ضمن حدود معاهدة عدم الانتشار النووي، لاتتنصل من تعهداتها الدولية.. لكن الوصول هذه النسبة او اعادة العمل بمركز اراك لأنتاج البلوتونيوم والذي لايحتاج الا لأشهر ليتم منه صناعة قنبلة نووية، بمعنى ادق وكما يقول خبراء هذا الاختصاص؛ان الانتقال من البرنامج النووي السلمي الى العكسري امر وارد وهين وسهل، من غير ان يشكل ادانة دولية اي عندما يظل ضمن البرنامج النووي السلمي، في حدود ما تطالب به معاهدة عدم الانتشار النووي. السؤال هنا ماهي الطريقة أو الكيفية التى تواجه فيها الولايات المتحدة هذا التداخل والاشتباك في وضع لايبدوا المخرج منه وارد في ظل اشتباك الارادتين الايرانية والامريكية الا استعمال القوة العسكرية او النزول عند الطلب الايراني بالغاء العقوبات او تخفيفها. وهذا امر صعب على الادارة الامريكية تحت الظرف الحالي. أما استخدام القوة العسكرية فهذا امر مستحيل (الا أذا ما حدث ما يدفع الى الضربة العسكرية المحدودة او الواسعة، اضطرارا وليس الحرب الحرب المفتوحة) لناحية صراع القوى الدولية وتنافسها.. ووضع الولايات المتحدة وسط هذا الصراع والتنافس الذي اخذ في الايام الاخيرة، يظهر بوضوح( الحرب التجارية مع الصين وسباق التسلح الذي تريد امريكا سحب الروس الى اتونه..)…بالاضافة الى ان ايران دولة كبيرة وتضاريسها في اغلبها جبلية.. أذن كيف الخروج من هذا المأزق الامريكي في ظل الظروف الحالية الا أذا تغيرت الرؤية السياسية للحل مع ايران وواقع الوضع في الادارة الامريكية سواء الحالية او التى ربما سوف تأتي بعدها؟ نعتقد بأن الرؤية الحالية سوف تتغير اجلا تحت ضغط الواقع والصمود الايراني كما تغيرت في التعامل مع الملف النووي الكوري الشمالي. والعلم، علم الله جل جلالة..
2- كوريا الشمالية على الرغم من تبجح ترامب بقوة صداقته مع الرئيس الكوري الشمالي؛ تشكل كوريا وجع للرأس الامريكي وفي ذات الوقت تشكل هزيمة للهدف الامريكي في كوريا الشمالية. فكوريا الشمالية على الرغم من اجتماعات الرئيسين الكوري والامريكي والمتكررة؛ قامت كوريا الشمالية باجراء عدة تجارب سواء حاليا على صواريخ قصيرة المدى، قالت انها صواريخ جديدة وبتقنيات جديدة او الصواريخ متوسطة المدى قبل اشهر..أما قول الرئيس الامريكي، في تعليق له على تجارب كوريا الشمالية الاخيرة من انها امر مؤسف ولكنها لاتؤثر على قوة ومتانة صداقتي مع الرئيس الكوري الشمالي، فهذا قول ينم او يعكس انعدام الخيارات الاخرى امامه..
3- الفشل الذريع في الحرب التجارية مع الصين والتى افتعلتها امريكا ترامب، فهي اي هذه الحرب التجارية لم تدفع الصين بالنزول الى الإرادة الامريكية والتسليم بما تريد، بل على العكس قامت بأجراءات مقابلة ورادعة. هذا جانب اما الجانب الاهم وتحت هذه الظروف الاقتصادية والوسائل الامريكية لبسط سيطرتها؛ لجأت الصين مع الروس والهند وغيرهم من الدول الاخرى الى بناء نظام مالي بعيدا عن هيمنة الدولار الامريكي ولو انه في البداية، لكنه وفي المستقبل سوف يتوسع مما يعني بداية انهاء سيطرة الدولار على الاقتصاد والمال في العالم..
4- دول الخليج العربي( السعودية والامارات والبحرين) وعلى ما يبدوا من التحركات الاخيرة قد فقدت ثقتها بالحليف الامريكي، فهي تتوجس من السياسة الامريكية لجهة التنصل عن التعهد والالتزام بما تعد وتتعهد به الولايات المتحدة. ربما تغدر بها بعد استخدامها واموالها في تصريف خططها اتجاه ايران او في امكنة اخرى من منطقتنا العربية، وتتفق مع ايران وفي ظرف سياسي ما وفي وضع مغاير عن ماهو موجود الآن، بمعزل عنها كما حدث لأكثر من مرة. بالاضافة الى الامر الاخر، وهو الخشية من انفلات الوضع او ان بواخرها التى تحمل النفط عرضة لهجمات ايرانية كما حدث في وقت سابق. لذا نلاحظ ان الامارات (وهذا امر مفرح ومفيد لعموم المنطقة) مدت يد التعاون مع ايران في الحدود البحرية وربما غيرها. بالاضافة الى سلطنة عُمان والتى هي اصلا في علاقة ودية مع ايران. وتغير الخطاب السعودي اتجاه ايران ولو بدرجة قليلة جدا، لكنها تنبأ بان القادم سوف يكون افضل لناحية العلاقة مع ايران وبالذات ان ايران رحبت بهذا الانفتاح..على محدوديته..في النهاية نقول ان المنطقة والعالم مقبل على تغيرات كبرى والذكي والشاطر من يعرف كيف يدير دفة الصراع واتجاهاته في استثمار قوى صراع القوى الدولية العظمى والكبرى على مناطق النفوذ بما يحفظ مصالح دولته وشعبه مستقبلا، من دون التضحية بالاستقلال واحداث جروح عميقة في جسد السيادة قد لاتندمل في وقت قليل هذا اذا اندملت…كما هو حصل الان في دول الخليج العربي وغيرها..