23 ديسمبر، 2024 3:45 ص

فشل النظام الصحي والبيئي في العراق في معالجة إضطراب طيف التوحد

فشل النظام الصحي والبيئي في العراق في معالجة إضطراب طيف التوحد

لمن لا يعرف منكم ما هو إضطراب طيف التوحد، ففي الحقيقة هو ” وباء ” لا تريد أن تعترف بانتشاره المؤسسات الصحية في جميع دول العالم، ومنها منظمة الصحة العالمية رغم وجود الدليل العلمي على ذلك. إنه يحصل في الأفراد في جميع أنحاء العالم، بغض النظر عن العرق أو الثقافة أو الخلفية الاقتصادية. فوفقًا لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) الأمريكية، فإن التوحد يحدث في كثير من الأحيان في الأولاد أكثر من الفتيات، وبنسبة 4 إلى 1 من الذكور إلى الإناث، كما قدرت تلك المراكز في عام 2014 أن ما يقرب من طفل واحد من بين 59 طفلا مصابا بالتوحد. في حين أكدت دراسة علمية أخرى من نفس المراكز أن هناك طفل واحد مصاب بالتوحد من بين كل 36 طفلا يولدون في الولايات المتحدة الأمريكية سببه التطعيمات التي تعطى للأطفال، حيث إرتفعت الإصابات بالتوحد 277 ضعفا منذ عام 1977 ولغاية عام 2018، كما في الدراسة الموضحة في الرسم البياني المرفق.

المصيبة الكبرى هي أن العالم، من مشرقه لمغربه، لم يكف التحدث عن خطورة جائحة كورونا التي لم يصب بها 1 من كل 36 شخصا من بين سكان العالم كما يحدث للأطفال الذين يصابون بالتوحد في أمريكا على سبيل المثال (فما بالكم بالعدد في الدول الأخرى؟)، في حين أن العالم نهض للتخلص من هذه الجائحة ولكنه لا يهتم لــ “وباء ” التوحد. إن خطورة هذا الإضطراب النفسي هي أن دول العالم لم تعر أي أهمية لمعرفة أسبابه الحقيقية لأجل العمل على التخلص منه باعتباره أكثر الأمراض و/أو الحالات النفسية الإجتماعية الصعبة حدوثا في العالم، علما أنه ثبت أن التسمم البيئي وبعض مكونات اللقاحات كالنانو ألمنيوم هي من أهم أسباب حدوثه. لا بل أن الطامة الكبرى، أن المؤسسات الصحية المعنية في الدول العربية، والعراق على وجه الخصوص، لا تعرف لحد الآن كم هو عدد المصابين بالتوحد والمشاكل السلوكية النفسية الأخرى التي تصاحبه، في حين نرى تلك المؤسسات الصحية لا تعير إنتباها بل وتصرف أموالا هائلة على علاج أمراض أخرى وترك التوحد ينهش جسد العوائل التي لديها طفل/أطفال مصابون بالتوحد أو غيره من المشاكل المصاحبة له.

فلنتصور كيف وكم ستكون المشاكل كبيرة في هذه الدول حيث يولد طفل واحد مصاب بالتوحد من بين كل 36 طفلا يولدون، ناهيكم عن المشاكل السلوكية النفسية الصعبة الأخرى، مثل إضطرابات نقص الإنتباه وفرط الحركة ADHD وADD (اضطراب نقص الانتباه)، وقلة التركيز وصعوبة النطق والتعلم وغيرها من المشاكل الأخرى. هذه المشاكل ستعمل على تدمير المجتمعات بسبب كثرة المصابين بها سنة بعد أخرى وعدم وجود تخطيط مركزي علمي من المؤسسات الصحية في تلك الدول لكي تعمل على الحد من ظهور تلك الحالات وعلاج المصابين بها حاليا، رغم توفر آليات خاصة لعلاجها بشكل جيد ومؤثر، أنا واحد ممن إستعملها لعدة سنوات حيث أعطت نتائج باهرة غير متوقعة.

وكما هي حالة الطب التقليدي بعلاج أعراض المرض وليس سببه، فقد إنتشرت الآن في جميع الدول العربية ومن ضمنها العراق على وجه الخصوص مراكز تعني بـ “علاج التوحد” في حين أنها في الحقيقة مراكز ربحية فقط وتعني بعلاج الأعراض وليس الأسباب رغم توفر علاجات فعالة للتوحد وما يصاحبه من مشاكل سلوكية أخرى

بمتابعتنا لهذه الحالات في العراق، وجدنا أنه من أكثر الدول العربية التي يتواجد فيها مصابون بالتوحد وكل ذلك سببه الإخلال بالنظام البيئي والسموم البيئية الكثيرة المنتشرة في العراق المعروفة أسبابها والتي تعرض ويتعرض لها مواطنوه من دون أي إصلاح جذري للنظام البيئي في العراق وأكبر دليل على ذلك هو عدم إمتثال مؤسسات الدولة كافة بتطبيق أحكام ومواد قانون حماية وتحسين البيئة رقم 27 لسنة 2009 الذي بقي على الرفوف منذ إقراره من قبل البرلمان العراقي. كما أننا لم نجد أي مؤسسة صحية حكومية قد أولت هذا الإضطراب النفسي الخطير عند الأطفال أي إهتمام منها على الأطلاق، وتُرك الأطفال وعوائلهم يعانون الأمرين في إيجاد مركز مهني متخصص لعلاج أطفالهم، ولكنه لا يوجد في العراق لحد الآن، مع الأسف.

لهذا أصبح واجبا على السلطات الصحية في العراق وعلى من يهتم بهذا الموضوع الصحي والإنساني المهم التفكير في تأسيس مركز للإستشارات الغذائية والصحية وعلاج طيف التوحد والمشاكل السلوكية والمعرفية الأخرى عند الأطفال والكبار على حد سواء، ونحن لا مانع لدينا من إدارة مثل هكذا مركز لما لنا من خبرات لسنوات طويلة في هذا المجال في العديد من دول العالم المتحضر من أجل أطفال العراق الذين تخلت عنهم مؤسسات الدولة كافة لحد الآن.

وكان الله بعون أطفال التوحد وعوائلهم

بروفيسور متخصص بعلم الفسلجة والعقاقير الطبية، ومستشار بإدارة المؤسسات الصحية وخبير دولي بالصحة البيئية والتغذية العلاجية
[email protected]