18 ديسمبر، 2024 6:51 م

فشل النظام الجزائري في صنع قوة ناعمة في فرنسا

فشل النظام الجزائري في صنع قوة ناعمة في فرنسا

الجزائر في ظل النظام الجزائري الحاكم لا تملك أي قوة ناعمة في الفضاء الأوروبي، الأمر الذي جعلها من دون أي تأثير رمزي أو مادي داخل عمق المجتمع الفرنسي.

كثر الحديث في هذه الأيام في وسائل الإعلام الجزائرية التابعة للقطاع الخاص وعلى مستوى أحزاب المعارضة حول ضرورة ممارسة الجزائر الضغط على فرنسا لكي تعترف بجرائمها في مرحلة الاحتلال وتقدم الاعتذار للشعب الجزائري.

في هذا الخصوص تجمع معظم التعليقات على أن الورقة الجزائرية القوية في مثل هذه المعركة تتمثل في المصالح الفرنسية الاقتصادية في الجزائر وفي دور الجالية الجزائرية في الانتخابات الرئاسية الفرنسية القادمة، وهنا نتساءل هل يملك النظام الجزائري أي سلطة معنوية أو مادية على الجالية الجزائرية، أم أن هذه الجالية لا تربطها به أي علاقة رمزية أو مادية خاصة وأن هذا النظام لم يستثمر في هذه الجالية، وأكثر من ذلك فإن القوانين التي أصدرها عام 2016 تنتهك حقوق أفرادها، حيث تمنع حاملي الجنسية المزدوجة منهم من الوصول إلى المناصب الحساسة في البلاد.

لكي يتضح لنا واقع هذه الجالية ودور النظام الجزائري في تحويل أفرادها في المهاجر إلى مواطنين من الدرجة الأخيرة، ينبغي أن ندرك أنه في فترة الاستقلال وكذلك في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي رفع النظام الجزائري شعار محاربة الغزو الثقافي، وكان المقصود من ذلك في الحقيقة التصدي للغة الفرنسية في الجزائر وفي أوساط الجالية الجزائرية خاصة في المهجر الفرنسي، ولكن هذه الشعارات لم تتجسد في الواقع إلا بشكل سطحي لأن اللوبي الفرنكوفوني المتغلغل في مفاصل أبنية الحكم ومؤسساته عرقل كل المحاولات التي حاول القيام بها باحتشام ما يسمى بتيار التعريب الذي كانت تغلب عليه النزعة التقليدية.

في عهدي الرئيسين الراحلين هواري بومدين والشاذلي بن جديد ظهر الاهتمام الشكلي بالجالية الجزائرية في فرنسا، وتم تشكيل جهاز سياسي في اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني وأنيطت به مهمة رعاية شؤون المغتربين الجزائريين في فرنسا وأوروبا، وذلك بقصد حماية هؤلاء من فقدان هويتهم الثقافية واللغوية الوطنية والروحية. ونتيجة لذلك أنشئت هيئة تحمل اسم “ودادية الجزائريين في أوروبا” كان مكتبها المركزي في باريس، ولكن هذه الهيئة اكتفت بحل المشاكل الإدارية التي كانت تسلطها القنصلية والسفارة الجزائريتين على أفراد الجالية الجزائرية، وبالسعي لاستقطاب هذا وذاك إلى صفوف الحزب المذكور.

جميع المعطيات تبرز أن ما سمي بمشروع حماية الجالية الجزائرية ثقافيا واجتماعيا وسياسيا لم يتحقق، وجراء ذلك أصبح أفرادها يواجهون التهميش الاقتصادي والعزلة الاجتماعية في ضواحي المدن الفرنسية الكبرى. إلى جانب ذلك لم تؤسس ودادية الجزائريين في أوروبا لأي علاقة حوارية جدية بين المغتربين الجزائريين وبين المحيط الفرنسي. وبسبب كل هذه الإخفاقات فقد انعدم وجود قوة ناعمة للجزائر في فرنسا بشكل خاص، وفي أوروبا بشكل عام، علما أن تعداد أفراد الجالية الجزائرية في فرنسا يفوق تعداد سكان بعض الدول في العالم العربي وحتى في أوروبا. فالنظام الجزائري منذ الاستقلال أدار ظهره للمثقفين والسياسيين الفرنسيين الذين وقفوا إلى جانب حركة التحرر الوطني الجزائري، ودفعوا جراء مواقفهم المعادية للاستعمار ودعمهم لاستقلال الجزائر ثمنا غاليا.

وبالفعل فقد فشل النظام الجزائري وحكوماته المتعاقبة في تكريس علاقة الارتباط بهذه النخب الفرنسية وتحويلها إلى قوة ناعمة للجزائر، كما فشل في تأطير الجالية الجزائرية وربطها بالوطن، وتوفير أسباب الازدهار الاجتماعي والحماية المادية والثقافية لمكونها البشري الهائل، حيث لم يوفر لأفرادها أي شكل من الرعاية أو الدفاع عن هويتهم ضمن فضاء التعددية الثقافية في المجتمع الفرنسي، بما لا يؤدي إلى الصدام أو يتعارض مع التعايش السلمي المتحضر معه.

النظام الجزائري لم يكون مؤسسات الرعاية الاجتماعية والاقتصادية في المهجر، ولم ينشئ المراكز التعليمية المتطورة باللغة العربية والأمازيغية، والمنابر الإعلامية التي تنطق بقضايا الجالية الجزائرية، علما أن المجلات الجزائرية التي أنشئت في فرنسا مثل البديل وآفاق عربية وحوار باءت بالفشل جراء ابتعادها عن عالم المهاجرين الجزائريين، حيث نجد مجلة البديل التي أسسها الرئيس الراحل أحمد بن بلة منغمسة في معارضته للنظام الجزائري بطرق بعيدة عن نبض الجالية الجزائرية، أما مجلة آفاق عربية التي كانت تمولها السفارة الجزائرية فقد انغلقت على نفسها واكتفت بالمسائل الثقافية العامة.

في هذا السياق ينبغي التذكير بانعدام المؤسسات السياحية والاستثمارية والبنكية الجزائرية في فرنسا، فضلا عن انعدام المؤسسات والجمعيات التي تربط بين أفراد الجالية الجزائرية من جهة، وبينهم وبين المحيط الثقافي والاجتماعي والسياسي في الفضاء الفرنسي والأوروبي من جهة أخرى.

لا بد من الإشارة إلى أن المركز الثقافي الجزائري في باريس، ليس سوى مجرد وهم سياسي ولا قيمة له تذكر، حيث أنه لم يعرّف المجتمع الفرنسي بالثقافة الوطنية الجزائرية، ولم يشرك المثقفين الجزائريين المتواجدين في فرنسا وفي البلدان الأوروبية في بناء الجسور الثقافية والفكرية والفنية مع الجالية الجزائرية أو مع المواطنين الفرنسيين.

وباختصار فإن الجزائر في لا تملك أي قوة ناعمة في الفضاء الأوروبي، الأمر الذي جعلها من دون أي تأثير رمزي أو مادي داخل المجتمع الفرنسي، مما أفقدها العلاقة مع فرنسا ومثقفيها ومفكريها وسياسييها المدافعين عن حقوق الأقليات المهاجرة، ومع أبناء الجالية الوطنية في آن واحد.

نقلا عن العرب