18 ديسمبر، 2024 8:07 م

فشل الدولة فى أفريقيا وحصارها بين مطرقة الوباء وسندان العنصرية

فشل الدولة فى أفريقيا وحصارها بين مطرقة الوباء وسندان العنصرية

تنامت في الآونة الأخيرة ظاهرة التمييز العنصري ضد الأفارقة في الصين نظرا للفراغ الاجتماعي والوظيفي، وذلك عقب تسجيل عدد من الإصابات بفيروس كورونا لدى الجالية النيجيرية في مدينة كانتون بإقليم غوانجو جنوب البلاد، فبعد أن أعلنت الصين في وقت سابق أنّها سيطرت إلى حدّ كبير على الفيروس، تم اكتشاف عدد من الإصابات في صفوف الجالية النيجيرية مما أدّى إلى موجة تمييز بحقّ الجاليات الأفريقية عامة. لم تنفِ السلطات الصينية الأمر، وقدّمت وعوداً بـتحسين تعاملها معهم في قادم الأيام، دون أن تقدم اعتذاراً رسمياً عن ما تعرضوا له.
وفي وقتها ؛ كتب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي (موسى فكي محمد) على تويتر ” لقد دعا مكتبي السفيرَ الصينيّ لدى الاتحاد الإفريقي ليو يوشي ليُعرب له عن قلقنا الكبير لمزاعم سوء معاملة أفارقة في كانتون واتخاذ تدابير تصحيحية فورية في إطار علاقاتنا الممتازة”.
– الصين تمارس التمييز العنصرى تجاه الطلاب الافارقة وبلادهم ترفض عودتهم.
مع توسيع بكين نفوذها في القارة الأفريقية؛ تنامى في المقابل عدد الطلاب الأفارقة الوافدين إلى الصين، بحيثُ باتوا يشكلون ثاني أكبر عدد من الطلاب الأجانب هناك، وقد بلغ عددهم عام 2018 حسب وزارة التعليم الصينية 80 ألفاً ، وتضم مدينة ووهان وحدها أكثر من 4 آلاف منهم. ولكن هل الصين وحدها هي من مارست العنصرية تجاه الأفارقة لا هناك كثير من الدول العربية والشمال أفريقية خذلت الطلاب الأفارقة حتى بلادهم التي رفضت إرسال طائرات لإجلاء أبناءها، وعلى رأسهم عملاق القارة ” جنوب أفريقيا” التي طلبت من طلابها في الصين الالتزام بالتعليمات الجامعية، وحذرت من أن المغادرة دون إذن ” يُمكن أن يكون لها عواقب بعيدة المدى”. وعليه فشلت الدولة الافريقية في حل أول أزمة من تداعيات جائحة كوفيد19 وهي الحفاظ على أبناءها الطلاب في الخارج ..
إنّ فشل الدولة في أفريقيا أمر لا خلاف عليه، فدائماً ما نجدها في ذيل مؤشرات الاحتياجات البشرية الأساسية (غذاء ومياه شرب صالحة للشرب ورعاية صحية وتعليم متطور) على عكس ذلك نجدها متصدرة لقوائم مؤشرات الفقر والصراعات والانقلابات العسكرية وانتهاك حقوق الانسان ، ولكن علينا أن نعترف ان هناك دول تحاول الصحوة من حالة الركود والتخلف وتنهض بشعبها، ولكن ماتزال الأغلبية تعاني الانهيار .
فعلى الصعيد السياسى أصبح عدم الاستقرار السياسى هو السمة الغالبة على البيئة السياسية في جل الدول الأفريقية، وليس أدّل على ذلك من عدم استقرار العلاقات المدنية العسكرية، فضلا عن تأبيد السلطة، وتفشى العنف والحروب الأهلية، وعلى الصعيد الاقتصادى يبقى الفقر، والتخلف عن ركب التنمية، والتبعية للاقتصادات المتقدمة من أبرز السمات الاقتصادية للدول الأفريقية، أما على الصعيد الاجتماعى فقد بات الإنسان الأفريقي في غربة عن مجتمعه مشتت بين الثقافتين الأصيلة والوافدة فأصبح بين حالين: إما فاقد لهويته، أو متقوقع في إطارها الضيق، مما أدى إلى إخفاق عملية بناء الدولة الوطنية فى الدول التعددية الأفريقية، بل والأكثر من ذلك أن بعض الدول غير التعددية كالصومال، انقسم مجتمعها وتشرذم إلى إثنيات لم يكن أكثر المتشائمين يتوقع وجودها في ذلك المجتمع الصومالى الموحد عرقاً وثقافة.
هـكـذا اسـتـقـلـت أفـريـقـيـا عـن الاسـتـعـمـار الأجنبي وهـي مثقّلة بالعديد من المشاكل حتى صنعت منها أزمـات استعصى معها الـحـل، وبخاصة إشكالية بناء الدولة.
مما سبق أعلاه يمكن طرح التساؤل التالي هل الدولة الأفريقية شبه المنهارة قادرة على مواجهة جائحة كوفيد 19 ؛ التي من المتوقع أن تضرب القارة مع ضعف بنيتها الصحية؟ تأتي الإجابة على لسان وزير التنمية الألماني (غيرد مولر) والذى أعرب عن قلقه من تداعيات جائحة كورونا الراهنة لبعض الدول الأفريقية، وقال ” إنّ الحكومات في أفريقيا استخلصت دروساً من وباء إيبولا، وعبرّ عن أمله في أن يكون للطقس والبنية العمرية في أفريقيا تأثيرا على منع تفشي وباء كورونا. ورأى الوزير الألماني أن المسألة في أفريقيا لا تتعلق بمكافحة الجائحة وحسب، مشيراً إلى أنه من الممكن حدوث توترات واضطرابات ومجاعات وتداعيات لها تصل إلى حد خطر “انهيار” الدولة في بعض المناطق مثل منطقة الساحل الأفريقي.
والحقيقة المحزنة في أفريقيا ليس الخوف من هجمة جائحة كوفيد-19 على أكثر الفئات ضعفًا؛ ستكون شرسة وقاتلة، ولا من سوء البنية التحتية الصحية الأفريقية، وإنما القلق والخوف الحقيقيين على الأشخاص الذين تحيط بهم النزاعات والصراعات وكذلك اللاجئين؛ فقد يؤثر نقص الاستجابة وقلة الموارد الموجهة لحمايتهم على العالم بأسره، إذ يعتبر فيروس كوفيد-19 بالنسبة إليهم تهديداً إضافياً مميتا. ولسبب وجيه دعا الأمين العام للأمم المتحدة [أنطونيو غوتيريش] إلى وقف إطلاق النار على مستوى العالم، إذ يحتاج العاملون في المجال الإنساني إلى كل المساحات الممكنة للتصدي لهذه الجائحة.
وفي الجانب الاقتصادي؛ وبحسب تقديرات صندوق النقد والبنك الدوليين فإنّ أفريقيا لا تزال تحتاج إلى 44 مليار دولار لمكافحة تفشي وباء كوفيد-19 رغم تعليق خدمة الديون على كثير من دول القارة الافريقية وتعهدات كبيرة بالدعم.
وخصصت المؤسستان الدوليتان مع دائنين رسميين آخرين 57 مليار دولار لدعم الأنظمة الصحية وخطط التعافي الاقتصادي في أفريقيا لعام 2020، وفق بيان مشترك لزعماء أفارقة، فيما قّدم القطاع الخاص 13 مليار دولار. وجاء في بيان مشترك من المنظمتين: إنّها بداية مهمة، غير أنّ حاجات القارة عام 2020 تقدر ب114 مليار دولار في سياق مكافحة كوفيد-19، مما يترك فجوة في التمويل تقدّر ب44 مليار دولار.
كورونا والعنصرية الأمريكية تجاه الأفارقة …

مشهد آخر من تداعيات جائحة كورونا؛ من خلال مقطع الفيديو الذي بُث للحظات وفاة جورج فلوريد الأمريكي من أصول أفريقية ، شرطي أمريكي أبيض يجثم بركبته على رقبة القتيل جورج فلوريد والذى استمر لدقائق ينادى ويقول : “لا أستطيع التنفس” حتى فارق الحياة .
سلطت وفاة جورج فلويد في ذروة جائحة كوفيد-19؛ الضوء على أوجه التفاوت الكبير الموجود في الولايات المتحدة. فالوباء قد ألحق أضراراً بالغة بالمجتمع الأمريكي الأفريقي، سواء من حيث عدد الوفيات أو التأثير على الاقتصاد غير الرسمي الذي يسمح لجزء كبير من هؤلاء السكان بالبقاء أحياء.
ورداً على مقتل فلوريد؛ خرجت المظاهرات واجتاحت أحداث العنف المدن الأمريكية بداية من مينيابوليس وسانت بول وصولاً الى البيت الأبيض، لم تكن الأحداث مفاجئةً على الصعيد الاحتجاجي، فالتاريخ الأمريكي حافل بالاحتجاجات، لكن الجديد في هذه الموجة هو ما تمر به البلاد نتيجةً للأزمة الاقتصادية وتنامي الحوادث العنصرية وجائحة كورونا التي تهدد حياة الملايين، فخطورة الفيروس لم تخفف من حنق وغضب شرائح واسعة من الشعب. ان ما نريد التركيز عليه هنا هو: هل ان الولايات المتحدة الأمريكية التي تصدر نفسها كزعيمة للعالم، والتي تدعي انها تمثّل قيم “الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان” نجدها امام هذه التحديات الاخيرة عاجزة عن سد الثغرات الراسخة في بنيتها الاجتماعية، الأمر الذي يفضح مُجددًا هشاشة السلم الأهلي في تلك البلاد.
– أوربا والعنصرية العلمية في ظل تنامي كورونا
منذ تفشي الفيروس، انطلقت موجة أوربية من العنصرية تجاه الأفارقة ، وعلى الرغم من أن الفيروس ليس عنصرياً ، أي لا يميز بين غني أو فقير، كبير أو صغير لا يفرق بين عرق أو طائفة أو دين ولا بين أصحاب النفوذ أو الشخصيات، إلا ان الغرب لن يتوقف عن ممارسة العنصرية بكل أشكالها تجاه الأفارقة . حيث أثار الطبيب جان بول ميرا – رئيس وحدة العناية المركزة في مستشفى كوشين الفرنسية – ، عاصفة انتقادات محلية وعالمية، بعد أن قدم خلال مقابلة تلفزيونية اقتراحاً وُصف بالعنصري من قبل وسائل إعلام فرنسية.
فخلال مقابلة على قناة – إل.سي.أي- الفرنسية مع مدير الأبحاث في معهد الصحة الوطني الفرنسي كاميل لوشت الذي كان يتحدث عن لقاح السل – بي سي جي – ، الذي يتم تجربته في عدد من الدول الأوروبية لعلاج كورونا، قال ميرا: ” إن أردت أن أكون مستفزاً قليلاً، ألا يجب علينا إجراء هذه الدراسة في أفريقيا حيث لا توجد أقنعة أو علاج أو رعاية، كما حصل في بعض الدراسات المتعلقة بالإيدز مثلاً، وتابع متسائلاً لماذا لا يتم تجربة اللقاح في أفريقيا، حيث نعلم بأنهم معرضون للخطر ولا يحمون أنفسهم”
– أفريقيا تدعو مجلس حقوق الانسان لنقاش عاجل حول العنصرية
استنكره نشطاء في عدة دول أفريقية ما اعتبروه عقلية استعمارية، وشددوا على أن القارة الأفريقية ليست مخبرا للتحاليل، داعين الجهات الرسمية وقادة بلدانهم إلى حماية شعوبهم مما وصفوها بالعنصرية المقيتة .
وفي رسالة وقعتها 54 دولة تشكل المجموعة الأفريقية التي تنسق جهودها حول مسائل حقوق الإنسان، طالب سفير بوركينا فاسو في الأمم المتحدة بجنيف، ( ديودوني ديسيري سوغوري) ، بتنظيم نقاش عاجل حول الانتهاكات الحالية لحقوق الإنسان المستندة إلى دوافع عرقية، والعنصرية الممنهجة والعنف الأمني ضد الأشخاص من أصل أفريقي والعنف ضد المظاهرات السلمية. ووجهت الرسالة إلى رئيسة مجلس حقوق الإنسان، النمساوية (إليزابيث تيتشي فيسلبرغر)، وطالبتها بتنظيم النقاش عند استئناف الدورة 43 للمجلس التي تعطلت في مارس/آذار نتيجة تفشي فيروس كورونا.
في النهاية تبقى إحدى المشكلات الرئيسية التي ستواجهها أفريقيا في الأسابيع المقبلة متمثلة في كيفية محاربة الفيروس بالضبط، إذ يقول الدكتور فرانشيسكو تشيتشي، أستاذ علم الأوبئة في مدرسة لندن للصحة والطب الاستوائي ان “الركود الاقتصادي وتدهور سبل المعيشة يعني الفقر وسوء التغذية وأزمة الوصول إلى الخدمات الصحية الروتينية، وهذا يعني الموت ، والموت لن يضرب فقط كبار السن ولكن أيضا الأطفال والشباب. لذلك توجد معادلة صعبة حقا هناك”. ونختم افتتاحيتنا بالسؤال عن الجهة التي تتحمل المسئولية المستقبلية على الجانبين / صعود كوفيد 19 من جهة ومن جهة اخرى منطق التمييز العنصري ضد الافارقة ام المستعمر الأوربي القديم والمعاصر أم القادة الأفارقة والنخب السياسية الأفريقية ما بعد الاستقلال ؟

كانت هذه إذن، بعض مسالك التفكير التي وددت تقاسمها معكم إسهاما مني في إغناء النقاش حول التحديات التي تواجهها القارة الأفريقية بالنظر إلى المقتضيات ذات الصلة بها ،وإلى واقع ما يدور حولنا من أزمات على المستويات الوطنية والإقليمية والعالمية.