18 ديسمبر، 2024 8:57 م

لعل اغلب الشعب العراقي من المهتمين بمسألة تشكيل الحكومة العراقية الجديدة التي كلف بمهام إعداد هيكلها السيد عادل عبد المهدي كانوا ينتظرون يوم الأربعاء 24 تشرين الأول كانوا يراقبون الساعة الثامنة مساءا ليعتلي مسرح البرلمان ويعلن الأسماء التي أعدها لهذا الغرض لما تشكله من أهمية بالغة في مستقبل العراق كدولة وكشعب للأربع سنوات القادمة وربما ما بعدها فلا يعرف المستقبل إلا الله لما سارت عليه الأحداث منذ تكليفه قبل ما يقارب الشهر وهي الفترة التي حددها دستور العراقي المعمول به حاليا لإعلان تشكيل الحكومة فقد رافقها كثير من الكلام عن عدم تحزب السيد عادل عبد المهدي ( رغم انتماءاته السياسية السابقة ) على أساس انه شخصية مستقلة وان من يختارهم من الوزراء سوف يعملون على نفس الأساس بعيدا عن انتماءاتهم الحزبية وعلى أساس إن بعض الكتل السياسية على الأقل أكثر من واحدة منها ذات أعداد المقاعد النيابية العالية لم ترشح أي شخصية تمثلها لشغل منصب وزاري وعلى أساس إن قسم من الكتل سوف تذهب إلى المعارضة (الايجابية) كما يحلو للبعض تسميتها ولم تعلن رغبتها بل أكدت عدم مشاركتها في تشكيلة الحكومة الجديدة بأي شخصية وان السادة الوزراء يمتازون بقوة الشخصية وقابلية مكافحة الفساد الذي نخر جسد الحكومات السابقة وأنهم من التكنوقراط الذين سيطبقون خبرتهم في وزاراتهم التي سيشغلونها وربما راح البعض يسميها لأهمية الواجبات التي تنتظرها بحكومة انجاز الخدمات وعلى هذا الأساس شدت شاشات التلفزيون قلوب الناس قبل عيونها.

ما يتداوله الجميع إننا بلد يسير بخطوات حثيثة نحو الديمقراطية وبلا شك هذا ما يتمناه كل مواطن عراقي ودستورنا وحسب ما أقرته المحكمة الاتحادية وفسرته إن الكتلة الأكبر هي من ترشح رئيس مجلس الوزراء ولكن ما حصل في هذه الدورة الانتخابية لم يكن في حسبان احد ولم تعطي المحكمة الاتحادية رأيها في إن الكتلة الأكبر تعتبر صاحبة اكبر مقاعد في عدد نوابها في البرلمان أم إن الكتلة السياسية الكبيرة هي التي تظم اكبر عدد من الأحزاب السياسية المنضوية تحت جناحها والمؤلفة لها ولتجاوز هذا الإشكال فقد اتفقت كتلتا سائرون والفتح على إخراج منصب رئيس مجلس الوزراء من قبضة حزب الدعوة طيلة الدورات الثلاث الماضية كما سمعنا من شاشات التلفاز وتصريحات قيادات الكتل السياسية ولهذا السبب تم ترشيح السيد عادل عبد المهدي بشخصيته المستقلة وفق شروط وضوابط اتفق عليها جميع الأطراف المعنية (السيد عادل عبد المهدي من جانب وكتلة سائرون والفتح من جهة ثانية) وبمباركة من باقي الأطراف على خجل أو تمشية للحال الذي أوشك أن يدخل البلاد في مأزق سياسي جديد أو مجبرين لأي سبب ولكن ما تحت الطاولة أو خلف الكواليس كانت الأمور تجري بشكل مختلف كما اتضح في جلسة البرلمان لمساء هذا اليوم فالأخوة الكرد بزعامة السيد مسعود برزاني كانوا يصرون على عدم إستيزار أي وزير إلا منهم حسب تقسيم الحصص على الأساس القومي واستحقاقهم بنسبة 18% وخسارتهم لمنصب رئيس الجمهورية وبخلافه لا يصوتون على الوزراء الجدد ولا يعترفون بما يجري والأخوة السنة كانوا يعلنون تمسكهم في ترشيحهم لاستحقاقهم من الحقائب الوزارية وللشيعة موقف لا يختلف عن هذه المواقف .

بعد أن حاول الرجل طيلة الفترة التي قضاها عاكفا على مباحثاته يسترضي كل الأطراف ويلبي لهم شروطهم طرح برنامجه الحكومي للفترة المقبلة وحقيقة كان منهاج مثالي حالم بتحقيق الكثير من الانجازات التي يطالب بها المواطن العراقي وهو بجد يمثل حلمه الوردي ولكن ما أن بدأت مرحلة التصويت على المرشحين لشغل الحقائب الوزارية حتى بدأت أصوات المعترضين بالتعالي وبدأت العصي توضع في دواليب مسيرة الحكومة قبل أن تبدأ ساعات عمرها الأولى وبدأت الاعتراضات تحت حجج مختلفة والمطالبة بتأجيل التصويت إلى جلسة أخرى بعد عدة أيام لتمكين السادة أعضاء البرلمان من مراجعة سيبيات المرشحين وعرضها على الجهات الأمنية والقضائية لمعرفة شمولهم بقضايا فساد في الحكومات السابقة ودراسة الموقف القانوني منهم أو لا وبعد سجال تعددت أطرافه بدأت القاعة تفقد حضورها رغم مناشدة السيد رئيس البرلمان من النواب بعدم ترك الجلسة وإنقاص النصاب إلى دون الحد القانوني وفي نهاية المطاف تم التصويت على بعض الوزراء والاعتراض على البعض الآخر وبذلك صارت الموافقة على الحكومة على مراحل وربما تتعدد كظاهرة ينفرد فيها العراق عن كل دول العالم رغم محاولات السيد رئيس مجلس النواب المرشح في إقناع النواب دون جدوى.

لقد نجح السيد عادل عبد المهدي في كشف مواقف النواب سواءا ككتل أو كأشخاص فان من يعترض له أسبابه وهي وان كانت صادقة ووفق القانون إلا أنها تحمل بين ثنايها أهداف خاصة اغلبها تسعى إلى إفشال هذه الحكومة منذ لحظة ولادتها وقبل أن تبدأ خطواتها الأولى فنقلها على الهواء مباشرة ساهم في هذا الكشف المهم.

من حق المواطن أن يعرف جدوى تأخير تشكيل الحكومة فمن خلال سير الأحداث وتصريحات السادة أعضاء الأحزاب إن المشاركة فيها هو أكثر واهم الأسباب الداعية إلى عدم إنجاح السيد عادل عبد المهدي ومن حق المواطن أن يعرف لماذا انسحب أعضاء كتلة سائرون التي تعتبر اكبر داعم للسيد رئيس مجلس الوزراء المرشح وهي من اكبر الكتل الداعمة له وربما يعصب في رأسها موضوع ترشيحه أصلا والكثير من السياسيين يعتبرون أنها فرضته على باقي الكتل ومن الملاحظ إن السيد النائب صباح ألساعدي المنتمي لها كان من أكثر النواب الداعين إلى تأجيل التصويت على الحكومة .

كل يوم يمضي تتكشف حقائق جديدة لم تكن معروفة من قبل فالمعرقلات وان لبست الثوب الوطني إلا إنها تثبت غير ذلك ويبقى المنصب هو الطموح الأكبر لكل السياسيين وما يحمل بين ثناياه من مزايا وامتيازات لا يمكن الاستغناء عنها وتبقى المطالب الشعبية تأتي في درجة اقل أهمية بنظر من يشترك في السباق والأجدر بهم أن يعوا خطورة المرحلة التي يمر بها العراق ويتركوا الاعتماد على الغير في تأشير نقاط الخلل ومعالجتها فالقائد الحقيقي الناجح من لا يهتم إلى المنصب بل إلى ما يمكن أن يقدمه لشعبه من خلال موقعه في أي مكان كان .