يبدو ان جريدة الصباح، واحدة من مفاصل الفساد المستشري في شبكة الاعلام العراقي، التي تئن تحت سطوة الفاسدين في الادارة، وتحكمهم بمقدرات الاعلام الممول من المال العام، والذي وفقاً لتأسيس هذه الشبكة في العام 2004 وفقاً للامر الصادر من سلطة الائتلاف المؤقتة (CPA) ذي الرقم (66) أريد لها ان تكون كهيئة الاذاعة البريطانية، مؤسسة اعلامية صحفية حرفية ومهنية، لكنها تحوّلت منذ انطلاقتها الى مرتع للفساد، فمن ادارة الشركة اللبنانية التي “لهفت” ملايين الدولارات الى هيمنة رئيس الشبكة الحالي “المستقيل” او “المقال” – لا ندري بالضبط لغموض موقف رئيس الوزراء ولتعمية الرأي العام من قبل ادارة الشبكة ومجلس الامناء ولعدم صدور امر ديواني بهذا الشأن -، فما مرّ عامٌ والشبكة ليس فيها فساد، حتى بلغ الامر صفقة اقرار قانون الشبكة الجديد في 8 حزيران 2015، واللغط الذي دار حوله والشبهات التي حامت حول من اوحى ومن كتب ومن سافر ومن وقع، ومن مرر ومن صوّت!
واستثماراً للحظة الجريئة التي قام بها منتسبون في شبكة الاعلام العراقي في تظاهرات 28 آب 2015 في ساحة التحرير علانية دون خوف، برفع صور رئيس مجلس الامناء الحالي علي الشلاه، ومدير عام الشبكة محمد عبد
الجبار الشبوط، وعليهما علامة “الاكس الحمراء” ومطالبتهما بالاستقالة والتمهيد للمحاكمة، بدا لزاماً كشف مستور جريدة الصباح، ورئيس تحريرها عبد المنعم الاعسم، المثقف اليساري العتيد، صاحب المقالات المطوّلة عن بناء دولة المؤسسات، لنكتشف انه ايضاً لا يختلف شيئاً عمن يخفون تحت وداعة الادعاء بـ”المدنية” سواد الانانية المفرطة بوصفها المدخل الواسع للفساد.
فالرجل الذي ولد في العام 1940 في مدينة المحمودية، وتتلمذ صحافياً في اوروبا الشرقية في اوائل الثمانينات، هو متقاعد، ويقيم في العاصمة البريطانية لندن، حتى انتدب لرئاسة تحرير جريدة الصباح بغفلة من الزمن، وبقلة خبرة ودراية وانتهازية مجلس الامناء، ممثلة بالسيد علي الشلاه، الذي صدّع الرؤوس باصراره على الاعسم رئيساً لتحرير، واقتطف هنا من بيان الاعلان عن تسميه الاخير، والذي نشر على موقع شبكة الاعلام العراقي، في 10 اذار 2015، بذات يوم توقيع عقد عمل الاعسم.. حيث هلل البيان وطبّل للاختيار الفذ بما نصّه: [ “في ظل أجواء ديمقراطية، صوت مجلس أمناء شبكة الاعلام العراقي على اختيار الكاتب والاعلامي عبد المنعم الاعسم، رئيسا لتحرير صحيفة “الصباح” اليومية (…) وقال رئيس مجلس الامناء د.علي الشلاه، خلال مؤتمر عقد أمس على هامش تسنم رئيس التحرير الجديد مهامه: ان “هذا اليوم يعتبر ايجابيا في مسيرة
شبكة الاعلام العراقي، ومسيرة جريدة “الصباح” التي تعد عمودا رئيسيا من اعمدة الشبكة”].
ومنذ العاشر من اذار وحتى يوم افتتاح مطبعة جريدة الصباح الجديدة والتي كلفت 30 مليون دولار! لم يكتب سوى عمود واحد يتيم، في مديح الشبوط، غاب الاعسم شهوراً ليخرج على الناس بعمود اشبه باعلان مدفوع الثمن عن براعة السيد الشبوط، وفرادته، وبانه “الرجل الاوحد” على حد تعبيره، ولنتأمل ما اجادت به قريحة المثقف التنويري الاعسم في مديح السيد الشبوط وفقاً لما جاء في مقاله اليتيم المنشور في جريدة الصباح: [ “بالمناسبة.. وللحقيقة، فأن هذا المشروع – اي مشروع مطبعة جريدة الصباح – ولد شأن اي مشروع استثنائي، في عقل واحد هو محمد عبد الجبار الشبوط”]!.
واجدني انظر بأسى الى تاريخ هذا الرجل الذي ادعى انه معارض نظام الرجل الاوحد الطاغية صدام، ليصل به التزلف في ارذل العمر الى تبويس واستجداء رضا “العقل الواحد” السيد الشبوط.
ولربما في أمر سرٌ، وحتى نبخس للرجل رأياً قد يعتقده صحيحاً، اذا ما علمنا ان الشبوط يمسك بالاعسم، كمسكةِ المُعلم للولد، حين ضرب بيان التهليل والتطبيل الذي خرج به الامناء بمديح السيد الاعسم، ونزع منه رئيس تحرير الصباح اهم صلاحية، واكبرها، واسماها، واجلّها، وابركها، واخطرها، وهي صلاحية كتابة المانشيت الرئيس للصفحة الاولى لجريدة الصباح، وهل يبقى لرئيس تحرير صحيفة من
لزوم اذا ما سحبت منه تلك الصلاحية؟! وهل يرتضي صحفي مدرك لكرامة المهنة والحرفة والخبرة لنفسه، وهو رئيس تحرير ان تسحب منه صلاحية وضع المانشيت الرئيس لصحيفته؟!
السيد الشبوط الذي لا يثق بأحدٍ سوى “عقله الاوحد”، اصدر – “فرماناً شبوطياً” – قراراً بوصفه مديراً عاماً لشبكة الاعلام العراقي، بتاريخ 4 آب 2015، نص على ما يلي: [ الى رئيس تحرير جريدة الصباح السيد عبد المنعم خطّار الاعسم.. تنسب عدم نشر اي مانشيت في صحيفة الصباح قبل موافقة المدير العام بأيٍ من طرق الاتصال].
ومنطوق الكتاب، الذي صدر بالعدد (مكتب/ اعلام/ 344)، يشير بشكل لا لبس فيه ولا مواربة، بسحب صلاحية وضع اي مانشيت في الصحيفة من قبل رئيس التحرير عبد المنعم الاعسم، والاخير سكت، وينبت ببنت شفه!
ولعل الاعسم، الذي لا تصل فيه احلام النوم واليقظة، الى مسؤول صحفة في جريدة الصباح، وجد نفسه رئيساً لاهم واكبر صحيفة عراقية، تطبع يومياً 50 الف نسخة، فرفع شعار “بعد ما ننطيها”، وهذا الامر الذي تحدث به الاعسم بعد مضي ايام من تسلمه المنصب العتيد، حين قال لمن يسميهم بـ”الغرفة القيادية” في جريدة الصباح، انه “جاء ليبقى رئيساً لتحرير الصباح”، لكن الرجل المأسوف على احلامه
ان عقده ينتهي في 10 ايلول 2015، والقرار هو بيد مجلس الامناء لا بيد الشبوط!
ولتفسير تلك المقولة البعثية “جئنا لنبقى” التي استوحاها الرفيق الماركسي المعارضي القديم، كدلالة على توقف الزمن في عقل الاعسم، في زمن التغييرات والهبة الشعبية الاحتجاجية للقضاء على الفاسدين، والشروع بالاصلاحات النوعية في جسم الدولة العراقية، نكشف انها من بناة احلام “شلة الفساد المُعشش في الصباح” وعلى رأسها عدنان شيرخان، صانع الالعاب البهلوانية الامهر في الجريدة، الذي ساق له الحجج والمبررات لبقائه، بدءاً من تذكيره بأن على عليه طلب ود “الكرد” حتى يبقى، فهبَّ الاعسم لنشر حوار مطوّل مع السيد رئيس الجمهورية فؤاد معصوم، ليمد حبلاً يظنّه منجياً له حتى تدور الدوائر، وليجعل من التحالف الكردستاني سدّه المنيع اذا تقرر عزله من المنصب. فالاعسم لم يسارع الى اجراء حوار مع السيد رئيس الوزراء، رغم ان تحديات العبادي وتعقيدات منصبه والمسؤوليات الجسام اكبر من معصوم.
وفي الخفايا نكشف المستور، بان السيد الاعسم المثقف المتنور، هو فاسدٌ، ويتقاضى راتبين من الدولة العراقية، الراتب الاول بوصفه متقاعداً، والثاني بوصفه يشغل منصباً تنفيذياً بخلاف الضوابط والشروط المرعية في تعيين من تعدى به العمر “السن القانوني” للعمل في الدولة العراقية، ولهذا حكاية ايضا، مفادها، ان السيد الشبوط كان يُصر على
ان يمنح السيد الاعسم مكافأة مقطوعة وقدرها (500) الف دينار لا غير، لكنه مجلس الامناء، جعلها (مليون دينار) لتقفز بعدها الى (5 ملايين) دينار عراقي، على رجل لم يقدم حتى اللحظة رسالة واضحة في جريدة الصباح، ولم يستطع ان يضع مانشيتاً بارادته، فهو موظف بحشم وخدم مسلوب الارادة براتبين، احدهما يبلغ 5 ملايين دينار عراقي.
ولاننا في زمن الكشف عن الفاسدين، نطالب بهيئة النزاهة بالتحقيق الفوري مع الاعسم وادارة شبكة الاعلام العراقي، عن تقاضي رئيس تحرير الصباح راتبين، احدهما تقاعدي، خلافاً للضوابط، فحتى مجلس الامناء طالبه بوقف راتبه التقاعدي طالما، هو يتقاضى راتباً عن منصب تنفيذي.