23 ديسمبر، 2024 12:42 ص

فساد شركات التنمية الأجنبية في العراق

فساد شركات التنمية الأجنبية في العراق

أتيحت لي الفرص كمهندس ، العمل مع عدة شركات محلية وأجنبية ، ومن المفترض والمُنتظر من هذه الشركات ، المساهمة في التنمية والبناء ، لبلد يحتاج الى بنية تحتية من القاع حتى القمة ، بلد مهدم ومُهمَل على جميع الأصعدة ويحتاج الى عملية (نفض) شاملة للغبار الذي يكلله من الباب وحتى المحراب .

فعلى الصعيد المحلي، تُصنف شركات (نص ردن) ومغمورةِ إلى الدرجة الأولى (بقدرة قادر) ، وبشكل يؤهلها الدخول في المناقصات الكبرى ، كنتيجة لصفقات مريبة مع الجهة المستفيدة ، ولكون هذه الشركات عديمة الخبرة ، وينقصها رأس المال ، وهدفها الكسب السريع لا المبادئ ، ولكونها ترضى بأقل العطائات غير المدروسة للفوز بالمناقصة ، تقوم بتأمين المال التشغيلي من عتاة المرابين ، والنتيجة أهدار المال وحدوث الخصومة ، وتوقف العمل ، ويبقى البلد ، الخاسر الوحيد .

أما بالنسبة لشركات التنمية وشركات ما يسمى (أعادة الأعمار) الأجنبية أو العربية (لا أقصد بذلك الشركات العملاقة العالمية والمعروفة لدى الجميع) ، فحدّث ولا حرج ، فرغم خبرة (الفساد) الهائلة التي أوغل بها أصحاب الشأن عندنا ،الا انهم لا يزالون تلاميذا يتعلمون فذلكة وفلسفة الفساد من هذه الشركات ، وبمستوى عال جدا .

هنالك فروع لهذه الشركات المعنية بالطاقة أو الأعمار في البلد ، وبكوادر من المهندسين العراقيين ، ومن المتحمسين والمهتمين فعلا بأعمار البلد ، ولكن لا حول لهم ولا قوّة ، أذ يجب عليهم الألتزام بلوائح وسياسة الشركة الأم في أمريكا أو أوربا ، وتراهم غارقون حتى أذانهم في بيروقراطية مقيتة ، وسياقات معرقلة للانتاج عجيبة وغريبة وغير منطقية ، وتراهم منهمكون في السياقات الكتابية ويخلّفون جبالا من الأعمال الورقية التي سيطويها النسيان كأرشيف ينتهي لا محالة الى حاويات الأزبال ، وقيمة هذا العمل أقل بكثير من قيمة الورق المسطر عليه ،عمل لا فائدة منه سوى انه شاق ، لكنه عقيم ، وكل مَن يقف بوجه هذه السياقات المتشابكة التي تؤدي الى نقطة البداية ، سيتم الأستغناء عنه ، مثل ما حصل معي عدة مرّات ، كان أغلبها بأرادتي ، والغريب ان الكفاءة والخبرة هي ﺁخر ما يهمهم ، على عكس الشائع عنهم .

لقد أعترف سياسيو (أمريكا) أنفسهم ، أنهم كانوا على علم بهجمات 11 أيلول ، ولكن (البيروقراطية) هي التي عرقلت سرعة رد فعلهم (هذا اذا استثنينا مبدأ نظرية المؤامرة الوارد جدا) ، فحَدَثَ ما حَدَث ، وكنتُ اسأل نفسي ، كيف وصلت (أمريكا) الى ما وصلت اليه ، وهي تسلك هذه الطرق الغبية؟ ، ولكنها المعايير المزدوجة مرة أخرى ، فما يتحرّك بصاروخ داخل أمريكا ، سيمتطي السلحفاة خارجها !.

في أحد المرات ، أخبرني زميلي المهندس عن حاجة إحدى الشركات اللبنانية المعنية بصيانة محطات الماء إلى مهندسين ، وأنا منتظرٌ المقابلة ، أسترعت إنتباهي خارطة لمواقع محطات الماء في بغداد ، فتوجّه أحدهم وكان لبنانيا وحال بيني وبين الخارطة قائلا ( إنها أسرار دولة لا يحق لي النظر إليها ) ! ، فما كان مني إلا أن خرجت من الباب الذي دخلتُ منه ! ، ثم لماذا الإتجاه إلى هذه الشركات ولدينا من المهندسين الخبراء بهذا الشأن بالذات ما يحيل التراب إلى ذهب ؟! .

لا أريد الخوض بدوري في نظرية المؤامرة ، ولكني تسائلتُ مرارا ، كيف تغطّي هذه الشركات نفقاتها الهائلة في البلد ؟ ، ابتداء من أجور الحراس الشخصيين ، وترتيبات الأمن ، ورواتب المنتسبين ، وأجور المساكن الفخمة في أرقى أحياء بغداد ، وفوق ذلك المخاطرة ،كل ذلك دون ممارسة عملية انتاجية حقيقية ، من المفترض انها من صلب أختصاص هذه الشركة ، فكيف تغطي خسارتها ؟
الجواب أن هذه الشركات لا تخسر على الأطلاق ، بل تربح ربحا وفيرا ،خصوصا وأن هذه الشركات تمثل الرأسمالية بأعتى صورها ، بمعنى أخر ، أن هذه الشركات تتحرك الى حيث المصالح فقط لا المبادئ ، لا أفهم بأحابيل السياسة والأقتصاد ، ولكن ربما يتم أعفاء هذه الشركات من الضرائب في بلدانها بأعتبارها عاملة في منطقة ساخنة كالعراق خصوصا ان كانت منظمة “إنسانية” ، فلماذا تعمل والتهرب من الضرائب ، يدر عليها مالا وفيرا ؟ ربما عملها عندنا يتيح لها غسل الأموال والأتصال بسماسرة الأستثمار ، بعيدا عن عيون دولها ، هل هو للتجسس الصناعي أو الإقتصادي ، بل ولتهريب الأموال من صفقات وهمية بتسهيل داخلي ؟ أترك للقارئ الكريم الاستنتاجات الاخرى .

الأجدر أن تكون للدولة كوادر متخصصة وعلى درجة عالية من المهنية ، لمراقبة عمل هذه الشركات ، وانتزاع المفسدة منها كأنتزاع القمل الماص للدماء من الرأس ، هذه الشركات التي طالما جنت الفوائد بتجارتها بأزماتنا ، تحت شعار الأعمار أو البناء .