17 نوفمبر، 2024 11:25 ص
Search
Close this search box.

فساد السياسيين …وراء فساد قطاع الاتصالات وتأثير ذلك في الأزمة المالية

فساد السياسيين …وراء فساد قطاع الاتصالات وتأثير ذلك في الأزمة المالية

لا يخفى على احد اهمية قطاع الاتصالات في الحياة الاقتصادية لشعوب الارض خصوصا بعد هذا التطور الهائل في النظم المعلوماتية ، وبات موردا مهما للدخل القومي لكل بلدان العالم ، ومحفزا للنمو الاقتصادي والاستثمار فيها ، الا ان العراق يعد الاستثناء من هذه القاعدة للاسف بسبب السياسات الخاطئة في الادارة وفساد القائمين على هذا الملف ، بعد ان كان بلدنا هو الرائد في هذا المجال على مدى عقود القرن الماضي ، وكان مثالا يحتذى في المنطقة ومركزا تدريبيا لأعداد اطقم الادارة والتشغيل لبلدان المنطقة ، ويكفيفنا فخرا ان اول قمر صناعي عربي (عربسات) تم اطلاقه من جزيرة غويانا الفرنسية بقيادة عراقية عندما كان مدير عام الاتصالات في العراق المهندس عبدالجبار امينا عاما لمنظمة الاتصالات العربية ، فبالاضافة الى الوظيفة الخدمية لقطاع الاتصالات لعموم مواطني الدولة العراقية ، فانه يحتل ايضا موقعا مهما في الموضوع الامني وقد حققت من خلاله الدوائر الامنية والمخابراتية قصص نجاح تتعلق بالامن الوطني العراقي ،

وفي سنوات الحصار ، واستمرارا لمبدأ الادارة الوطنية لهذا القطاع ، فقد استطاع الوزير المبدع الدكتور احمد مرتضى احمد وزير النقل والمواصلات حيث كان قطاع الاتصالات يقع ضمن مهام هذه الوزارة من احداث نقلة نوعية في الادارة وخلق مصدر تمويل عالي المردود للدولة العراقية في احلك سنوات الحصار في عقد تسعينيات القرن الماضي من خلال التوسع الافقي والعمودي في مشاريع هذا القطاع من خلال تعظيم موارد هذا القطاع دون الاعتماد على تخصيصات من وزارة المالية وكان لي الشرف ان اكون مدير تنفيذ احد هذه المشاريع ، وكما معلوم فان الحصار الخانق لم يسمح للعراق بالتعامل الروتيني مع دول العالم المتقدمة في توريد مفردات هذا القطاع ومواكبة ، لكن بعقلية المخلص لوطنه ، استطاع هذا الوزير من توفير مسلتزمات التوسع واضافة خدمة الانترنيت ، مع الاخذ بنظر الاعتبار الوضع العام لطبيعة النظام الشمولي واحتكاره لوسائل الاعلام من خلال فتح مقاهي في بغداد والمحافظات للانترنت بادارة الدولة ، ، كذلك انشأ هذا الوزير شبكة من القابلوات الضوئية تغطي عموم العراق في فترة قياسية جدا باستثاء دولة كردستان المستقلة وبسبب انتهاك سيادة العراق المستمرة من قبل الطيران الاميركي وقتذاك فقد اهتدى وزير النقل الى استخدام التموية في مد القابلو الضوئي وبمبلغ بخس جدا قد ابالغ ان قلت لا يتجاوز 10% مقارنة بالسعر المقدم من احد الشركات الصينية على مذكرة التفاهم ، وقد تفاجأ الاميركان من وجود مثل هذه الشبكة وبهذه الامتداد في ظل الحصار خلال لقاء عقد بعيد سقوط النظام السابق بين ممثلي شركة بكتل الاميركية وممثلي عدد من مشاريع والدوائر الهندسية في العراق حضرته انا شخصيا ممثلا لمشروع مترو بغداد ،

وبعد سقوط النظام السابق وانفتاح العالم بأسره على العراق وراحت دول العالم تتسايبق لتقديم الدعم الفني والمالي وأطفاء الديون، لم تستغل هذه الحالة لأعادة بناء المؤوسسات العراقية باستغلال الكفاءات العراقية المشهود لها دوليا ، فلم يرتقي ايا من مسؤولي السلطة الجديدة الى مستوى العمل الوطني الجاد في تطوير اي قطاع خدمي او انتاجي ويجعله ذا مردود مالي يوظف لتطوير مفردات القطاع ذاته فضلا عن رفده لميزانية الدولة كما كان في السابق ، وسعوا الى تبديد ميزانية البلد في تخصيصات عنوانها تطوير مرافق الدولة ، وواقعها كانت تذهب الى جيوب الفاسدين مع استمرار مسلسل انهيار تلك المؤوسسات

وكانت اولى الخيبات احالة قطاع الاتصالات الى مجموعة شركات اوراسكوم المصرية لصاحبها سايروس ببضعة ملايين من الدولارات، الذي استغل جهل الحكام الجدد في الادارة وأستولى على البنى التحتية لقطاع الاتصالات من ابراج ومحطات وأبنية جزءا ليجعله جزءا من مكونات شبكة عراقنا دون ان يدفع فلسا واحدا للدولة ، شخصيا نبها الى خطورة ذلك وقتئذ ، رغم ذلك قامت اوراسكوم ببيع خطوطها بارقام خيالية مستغلة جهل المواطن بهذه الخدمة الجديدة على المجتمع مع تقديم خدمة متدنية جدا ، ليخرج سايروس محملا بالمليارات بعد ان كان على شفا حفرة الافلاس ، استثمرها في بناء معامل لانتاج السمنت في عدد من الدول الافريقية العربية وغير العربية ، ولم يحرك ساكنا ايا من المسؤولين ،

وبدلا من تقييم هذه التجربة المرة ماليا وفنيا ومن وجهة نظر مصلحة وطنية وامنية والاطلاع على تجارب الاخرين في هذا المجال لاستخلاص العبر واختيار صيغة تعود بالفائدة على الدولة والمواطن العراقي معا ، ادخلونا مرة اخرى في نفق عقود رخص الجوال لشركتي زين الخليجية وآسيا المسجلة في كردستان بمساهمة قطرية ، واقل ما يقال عن هذه العقود انها صيغت بشكل يتوافق وفائدة الشركات المتعاقدة مقارنة مع ما يتوجب من حقوق للطرف الاول وهي الحكومة العراقية كما تقتضي العقود العالمية في رجحان كفة رب العمل او الطرف الاول ،

فلو تسنى للمختصين تقييم عمل شركات الاتصال ، لوجدنا كم هائل من المخالفات وعدم الالتزام ببنود العقد ، وهذا يقودنا الى التساؤل ان تضمنت تلك العقود بنودا تتيح للحكومة امكانية ألغاءها دون ان يترتب على ذلك اي التزام مالي من قبل الحكومة ، فعلى سبيل المثال رداءة الخدمة ، يعتبر مخالفة للعقد ، عدم الاذعان لشروط التعاقد كذلك ، وألأهم عدم الأيفاء بالألتزامات المالية في اوقاتها لصالح الحكومة العراقية ، حيث تماطل هذه الشركات في تسليم الحكومة العراقية الاموال لسنوات رغم مرور العراق بأزمات مالية ، حيث كانت تهرع الدولة الى الموظف المسكين للاستقطاع من راتبه وتستحي ان تطلب من هذه الشركات مستحقاتها ، لآن هذه الشركات محمية من رؤوساء كتل واحزاب ممن استغلت نفوذها لفرض اسهم في هذه الشركات او قيام الاخيرة في تقديم خدمات للاحزاب والكتل على شكل دعم مالي لها او بناء ، من المخالفات الاخرى عدم احترام شركات الاتصال لآلتزامتها تجاه الزبائن ،

ولم يكتفي الفاسدون بهذا التواطيء المذل والمهين ، بل ذهبوا الى ابعد من ذلك من خلال المضايقة على اي جهد وطني سواءا من القطاع الخاص او الحكومي في المنافسة ، لذلك فشلت الكثير من المحاولات لأنشاء شركات اتصالات وطنية (امنية ، اتصالنا، الوطنية ) ، كان يمكن لها ان تستاثر بحصة من سوق الاتصالات النامي في العراق وان تبقي العملة الصعبة داخل العراق لخدمة لا تستحق المجازفة بخروجها ، خصوصا ان شركات الاتصال استأثرت بعدد كبير جدا من المشتركين ، فمثلا مشتركي زين يقدرون باكثر من 17 سبعة عشر مليون شخص ومثله لآسيا سيل واقل من ذلك لكورك ،

اننا نجد الكثير من المفارقا التي يجب التوقف عندها واعادة حسابات وتقييم التجربة ودراسة اوليات الاحالة لتحديد الخلل وتطبيق القانون بحق من اخفق في ضمان مصلحة البلد الوطنية من هذه العقود منها

1- كان لشركات الاتصال هذه دورا سلبيا في الظروف الامنية التي مر بها البلد حيث لم تسهم في الحد من استغلال عصابات الاجرام والاحتراب الطائفي ظاهرة عدم تدوين المعلومات الشخصية لمقتني الارقام ، الا بعد سنوات وكان للتدوين تأثيرا ايجابيا على المشهد الامني

2- كذلك لم يتم الضغط على شركات الاتصال للالتزام بتعريفة اجور المكالمات على اساس الثواني التي تعهدت بها الشركات من خلال العقود المبرمة الا بعد سنوات من توقيع العقد مما جعلها تستحوذ على اموال طائلة ،

3- كلفة المكالمة هي الاعلى في المنطقة ، علاوة على تدني مستوى الخدمة ، وسط صمت الجهات المسؤولة

4- لم تسلم هذه الشركات مستحقات الحكومة في وقتها التعاقدي اطلاقا ويعضها ليومنا هذا ، ولو كانت الحكومات وطنية ومخلصة ، لكان هذا الامر وحده كفيل بالغاء عقود العمل معها دون ان يكلف الدولة اية تبعات مالية لهذه الشركات وفق المعايير الدولية ، اضافة الى فرض فوائد مالية عن التأخير هذا طبقا لاعلى فوائد معمول بها في البنوك المحلية ،

5- لغاية الان لم تتحرك الجهات الحكومية في حث شركات الاتصالات على استبدال ابراج الاتصالات المنتشرة في الضواحي السكنية ذ ات ألأضرار البيئية والصحية الخطيرة ، يدفع فاتورتها المواطن البسيط

6- لم تتم محاسبة شركات الاتصال عن ابتزازها للمواطنين عن التحكم بنفاذية الرصيد خلال فترة قصيرة جدا تعد الاقصر بين المعمول بها ، والتي تعني اجبار المواطن على استخدام غير مبرر يدر على الشركات ذاتها بالنفع المادي ، والدليل هنالك تفاوت في نفاذية الرصيد بين شركة واخرى من الشركات العاملة في العراق

7- كذلك ظاهرة مصادرة الارقام في حالة عدم التعبئة لفترة قصيرة جدا وهي ظاهرة تحسب ضمن اسلوب ابتزاز المواطنين ،

8- من غرائب عمل الحكومات العراقية ، هي فرض ضريبة باهضة على الاتصالات تبلغ 20% ، وهي نسبة كبيرة وكبيرة جدا بالمقارنة مع كلفة الخدمة التي تقدمها شركات الاتصال داخل العراق مقارنة بدول الجوار ، ومع ذلك تتم جبايتها من شركات الاتصال التي لا تسلم استحقاقات الحكومة أصلا في وقتها ، فكيف لها ان تسلم تلك الضريبة المستوفاة ، ومن يضمن صدق أقيام الضريبة المستحصلة في ظل عدم وجود شفافية في عمل تلك الشركات ، ثم ان مبرر فرض الضريبة قد انتهى والمتمثل بالحرب ضد داعش ، اما آن الاوان لانهاء تلك الضريبة التي تفيد شركات الاتصال من خلال تشغيل تلك الاموال المستحصلة في البنوك لأستهتارها في تسليم ما مستحق عليها

9- وقبل ان نستغرق في تسجيل الكثير من الملاحظات او بالاحرى المخالفاب ، نستغرب لحكومات لا تهتم بالامن القومي للدولة خصوصا في ظروف امنية استثنائية كتلك التي رافقت حكومات ما بعد 2003 الى يومنا هذا ، فلا يختلف اثنان على ان قطاع الاتصالات يعتبر الركن الاساسي في المنظومة الامنية الوطنية ، لذلك تحرص كل الدول على تطويع هذا القطاع لخدمة امنها القومي من خلال العديد من الاجراءات اولها ان يكون هذا القطاع وطني الـتأسيس لبلد يعاني من مشكلات امنية ، او فرض شروط تضمن مصالحها في الظروف الطبيعية ، فأن لم تكن هنالك شركات وطنية ووفق شروط خاصة ، فأنه يتم اختيار الشركات الاجنبية بعناية خاصة ووفق اجندة تحفظ الامن الوطني ، الا ان العراق يبدو وبسبب عدم مهنية القائمين على ادارة الدولة قد اغفلوا هذا الامر ، ونختصر الكلام بان شركات الاتصال العاملة في العراق منشأها دول تتهمها الحكومات العراقية المتعاقبة ومن دون استثناء على ان لها دورا غير محمود في الأحداث الامنية المؤسفة التي شهدها العراق طيلة الفترة الماضية

أحدث المقالات