ان ما حدث في مجلة شارلي ايبدو الفرنسية الساخرة ، يحدث كل يوم بل كل ساعة في عدة بلدان ، طبعا هذا لا يعني انني لست متعاطف مع اسر الضحايا ، ولكنني اعتبرهم ضحايا السياسات الفرنسية الحمقاء ، قبل ان يكونوا ضحايا ارهاب فالصحيفة اليسارية المتطرفة التي رسمت طريقها واضحا ، تحت شعار حرية التعبير صرحت في مواجهة كل شيء ، وكل دين والسخرية منه من خلال كتابات او رسوم كاريكاتيرية تسخر من الرموز الدينية ، وفي سياق حرية التعبير القاتلة تلك نشرت المجلة ولمرات عدة رسوم كاريكاتيرية مسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم منها ما حدث بداية عام 2006 حيث احتوى غلاف المجلة على عبارة محمد يطغى عليه المتشددون معيدة نشر رسم كاريكاتيري مسيء للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، كانت قد نشرته مجلة دنماركية ، وما حدث عام 2011 من رسوم مسيئة ارفقت بعبارة الف جلدة اذا لم تمت ضاحكا ، مطلقة تسمية شريعة ايبدو على المجلة بدلا من شارلي ايبدو زاعمة ان النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو رئيس تحرير هذا العدد ، في سخرية واضحة من الشريعة الاسلامية ، وفي بداية عام 2013 اعادت الجريدة نشر ارشيفها من الرسوم الكاريكاتيرية ، وهو كما تزعم المجلة عبارة عن سيرة مصورة لحياة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم حينها رفعت ضدها دعاوى من جهات اسلامية ، ولكن القضاء الفرنسي ، وبطريقة مريبة ، برأ ساحتها ، والغريب ان هذه الرسوم المسيئة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم قد رفعت بشكل كبير مبيعات المجلة ، ما ادى ربما الى اغرائها فاستدرجت الى الحادث المؤلم الذي اودى بحياة اثني عشر واصابة اخرين .
المشكلة ان التنوير الاوربي اسقط المقدسات ، ولكن فرنسا الدولة العلمانية تضع رجلا على طريق التنوير ، واخرى على طريق الكثلكة ، التي ترفعها كشعار لاوربا وهذا من اوضح امارات التخبط الفرنسي الذي يمكن ان يرصد في الموقف من تركيا ، حيث ان الاتجاه العام للسياسة الفرنسية هو منع تركيا من الانضمام الى الاتحاد الاوربي بذريعة ان الاتحاد الاوربي هو محيط كاثوليكي ، طبع هذا المحيط الكاثوليكي هو اليوم محيط مسيحي عام بعد الموجات الارثوذكسية التي جاءت من اوربا الشرقية ، وفي سياق هذه السياسة يجيء دعم فرنسا للتحرك التركي على صعيد الشرق الاوسط لبلورة دور اقليمي تركي فاعل في المنطقة قد يجعل تركيا في غنى عن الانضمام الى الاتحاد الاوربي، فهي تدعم تركيا في اتجاه وتعارضها في اتجاه اخر ، فالتنوير الاوربي الذي تتبنى فرنسا نصفه وتستعير النصف الاخر من الكاثوليكية ، كان قد شكل الدين خارج اطار منظومة الدين نفسه ، مطلقا العنان للفن والسينما في الاساءة للدين ، ففي عام 1972 صور المسيح في احد الافلام كممثل استعراضي ، وفي عام 1975 جاء فلم المسيح يصلب من جديد لمخرج غربي راى ان المسيح لم يعد مثلا صالحا لهذا العصر ، ولو انه عاد لصلب على يد اتباعه وفي عام 1990 عرض فلم يصور عيسى كرجل شهواني ذو علاقة بمريم المجدلية التي تزوجها فيما بعد ، ورغم قداسة عيسى وموسى وكل الانبياء عليهم السلام الا انه قد يعذر من لا يكون مدافعا عن عيسى امام مسيحي ينال منه ، او عن موسى امام يهودي ينال منه ، ولكن ما هو العذر عندما تطال الاساءات محمد صلى الله عليه وآله وسلم تحت شعار حرية التعبير المزعوم ، فاوربا تعرف ان الاسلام يحكم بقتل كل من يسب النبي او يسيء اليه ، لماذا لم يفهم الاوربيون هذه الحقيقة ، وان الحادث المؤسف الذي وقع في المجلة الفرنسية المثيرة للجدل يمكن ان يندرج في سياق التخبط الاوربي ، وبالخصوص الفرنسي ، الذي يرصد على صعيدين :
الاول ان الحكومات الاوربية وتحديد الحكومة الفرنسية قد اندفعت بطريقة طائشة وخفيفة في اتجاه دعم ما اطلق عليه الربيع العربي ، رغم ان هذا الربيع كان قد انحرف عن مساره عندما دعم من دول عربية لا تعرف أي مفردة من مفردات الممارسة الديمقراطية ، فلا يعقل ان نستعين باستبداد الاسرة الحاكمة السعودية او الاسرة الحاكمة في قطر في مواجهة الاستبداد الذي يمارسه نظام الاسد في سوريا ، خاصة وان مسار الاحداث في سوريا قد برز تيار يطلق على نفسه تسمية سلفي ، والسلف الصالح منه براء ، هذا التيار ذو نفوذ سلطوي وليس ديني فحسب ، داخل السعودية ، كان لهذا التيار فتاواه التي اججت صراعا طائفيا يشير الى ان للصهيونية يدا في ذلك ، وكان الجهاديون يتوافدون من اوربا بعلم المخابرات الاوربية التي تركيا التي مثلت غرفة عمليات الجماعات المسلحة ، ليدخلوا الى سوريا ، وقد اجتهدت فرنسا في دعم تلك الجماعات وتسليحها بهدف معلن هو دعم ثورة الشعب السوري ، ولكن الهدف الحقيقي الذي لم يعلن كان هدفا استعماريا صيغ بالتنسيق مع القوى الصهيونية ، وقد تكون فرنسا في دعمها للارهاب محكومة باجندة صهيونية تهدف الى تمزيق دول ما سمي بالربيع ، على غرار ما يجري في ليبيا ، ولكن ما بذرته بالامس تذوقه اليوم.
الثاني ان تطلع دول اوربية منها فرنسا للاضطلاع بدور قيادي داخل الاتحاد الاوربي دفع باتجاه تبني السياسة الامريكية ، التي تهيمن بذراعها العسكري على اوربا من خلال حلف شمال الاطلسي ، الذي يتكون من القوة الامريكية بنسبة 95 في المائة ما جعل اوربا مندفعة في تبني الطرح الامريكي اليميني المتطرف الذي يصطدم بالاسلام من خلال الدعم غير المحدود لكل السياسات الاسرائيلية في فلسطين باجهاض أي مشروع فلسطيني على صعيدي الامم المتحدة او مجلس الامن وعلى كل الاصعدة التي لامريكا يد طولى فيها ، وهذا امر جعل اوربا جارة العرب والمسلمين متصادمة مع جيرانها ، ليست على مستوى الحكومات فهذه لا تمتلك شرعية شعبية ، وانماعلى مستوى الشعوب التي يدفعها الاحباط الى التطرف ، وثمن هذا التصادم لا بد ان يدفع .