في خضم الوضع المشوَّه والمُلتَبس على الناس البسطاء لعِب الفن العربي في كثير من منتوجه الدرامي دوراً مسانداً في ترويج وتعميم الخطاب الرسمي الذي كان يقفزفي طروحاته فوق الحقائق المؤلمة والفاضحة ليرسم صورة مزيفة عن بطولات عربية لاوجود لها على ارض الواقع إلاّ في فيما يروجه الاعلام الرسمي ، وقد ساهمت الحكومات العربية لاكثر من نصف قرن في خلق ومساندة اسماء معينة في الوسط الفني من خلالها مررت ما كانت تريد ايصاله من اكاذيب وحقائق مُظَلَلة ومُظلِلة معتمدة بذلك على سذاجة الكثير من اولئك الفنانين بعد أن وجدت فيهم محدويةً في الوعي والتفكير إضافة الى اقتصار طموحهم على نيل الشهرة والمجد والثروة لاأكثر ، من دون ان يكون في حسبانهم ان يكرسوا فنهم لتحقيق متعة فكرية وجمالية تساهم في إيقاظ الوعي لدى الفرد .
يأتي عادل امام في مقدمة الفنانين الذين كانوا غارقين حتى آذانهم بكل الخرافات والاظاليل التي كانت تنتجها السلطة ، وكان خير وسيط لتمريرها الى عقول الناس البسطاء عبر مُجمل أعماله الفنية ، مساهمة بذلك في الاساءة لعقول الناس البسطاء واستغبائهم، وغالباً ماكانت اعماله تنتهج سياسة التعميم ،التي لم تخرج عن اطار التسفيه والسخرية والتسقيط للعديد من القضايا الشائكة والمعقدة في المجتمعات العربية كالجنس والدين والارهاب دون الخوض في معالجة الاسباب والمقدمات التي انتجتها ، بل كان ينمذج القضايا ويعممها من غير ان يتناولها موضوعياً بالنقد والتحليل بل كان يضع مايتناوله من شخصيات وموضوعات ضمن اطار نمطي مكرر في كل اعماله .
في الاعوام الاخيرة التي سبقت سقوط نظام مبارك لم يعد عادل امام يملك ذاك البريق الذي كان عليه ، ولم يعد يمتلك الاهمية الجماهيرية الكبيرة التي تربع عليها لاكثر من ثلاثة عقود خصوصاً بعد ظهور عدد من النجوم الشباب الذين زاحموه على عرش النجومية ،وجاء هذا الانهيار بطبيعة الحال منسجما تماماً مع ماكان يمر به النظام السياسي نفسه من اختناقات وانهيارات ، لذلك عندما جاءت اللحظة التي سقط فيها النظام سقط هوايضاً معه بكل المجد الذي بناه باعتباره جزءا منه ومن منظومته الايدلوجية خصوصا بعد التصريحات التي ادلى بها في الفترة المحصورة مابين 25 ينايركانون الثاني 2011 وحتى يوم سقوط نظام مبارك التي أساء فيها الى الشباب المعتصمين بميدان التحرير وكانت تحمل نفس عبارات التخوين الجاهزة التي اعتاد النظام نفسه أن يسوقها عبر اجهزته الاعلامية .
انتكاسة للديموقراطية
وشاء الحظ أن يخدمه مرة اخرى من حيث لايدري وذلك بعد نجاح الثورة باشهر معدودة عندما أخطأت جماعة اسلامية برفع دعوة قضائية ضده تتهمه فيها بالاساءة للاسلام، وليصدر بالتالي وفقاً لهذه الدعوى حكما قضائيا من المحكمة يقضي بسجنه لمدة ثلاثة اشهر، هنا جاءته الفرصة الذهبية التي لم يكن ينتظرها عندما وقفت الى جانبه ولمساندته معظم القوى اللبرالية والعلمانية واليسارية احتجاجاً ورفضاً للقرار القضائي الصادر ضده وانطلاقاً من ايمان تلك القوى بحرية الفكر والتعبير ، على اعتبارأن الحكم الذي صدر بحقه ماهو إلاّعودة الى الوراء وانتكاسة للديموقراطية وحرية الرأي التي ناضلت من اجلها ،فكان رد الفعل هذا غاية مايتمناه إمام ليعود مرة اخرى الى واجهة المشهد الفني بزخم وقوة كما كان عليه في مامضى من الايام التي سبقت التغيير السياسي في 25 يناير كانون الثاني ، وليبدو امام العالم نموذجا للفنان الذي يدافع عن حرية الرأي والتعبير .
ورغم ماحصده من نتائج كبيرة من هذا الحكم القضائي إلاّ أنه لم يستثمرها بالشكل الصحيح ليعيد تقييم ماكان يقدمه بل وجدناه يعود مرة أخرى ليقدم لنا في مسلسل فرقة ناجي عطالله ماكان حريصا على تقديمه فيما مضى من تزييف وتسطيح وتسخيف للحقائق ،فإذا بنا مرة اخرى نشاهد شخصية اليهودي في هذا العمل كما تعودنا أن نراه في مجمل الاعمال الدرامية العربية : ساذجا ،بخيلا ،جبانا ،غبيا ، ومن السهولة جدا ان يتم الضحك عليه من قبل العربي ناجي عطالله وفي عقر داره !. وليأخذنا إمام مرة اخرى في وهم ِالبطولات الزائفة التي ننتصر فيها دائماً على اليهود رغم خساراتنا الدامية معهم على ارض الواقع ، هذا يقودنا بالتالي لان نسأل انفسنا : اذا كان اليهود ودولة اسرائيل بهذا الشكل من الضعف والسذاجة ،كيف إذن تمكنوا من تحقيق الانتصارات تلو الانتصارات العسكرية في صراعهم مع العرب ؟ كيف تمكنوا من بناء دولة اسرائيل والحفاظ عليها وسط الصراعات الكبيرة التي يخوضونها ضد العرب ؟ . كيف تمكنوا من تحقيق ذلك ،إن كانوا بهذا الغباء وهذه السذاجة وهذا الجبن ؟
لاينبغي للفن ان يقع في قبضة الاوهام والخرافات التي اعتاد الاعلام الرسمي العربي صنعها وتسويقها الى المواطن العربي . انما ينبغي عليه ان يتحلى بالجرأة والمصداقية في رؤية الحياة وفي نقد الذات .