عندما انتكست الولايات المتحدة في فيتنام وساد الاحباط نفوس الامريكيين نتيجة ضياع جنودهم وسط غابات هانوي ليفتك بهم مقاتلوا (الفيت كونغ) اصبح من الضروري ترميم الانكسار النفسي للأمريكيين والعمل على اعادة الثقة بالجندي الامريكي وقدراته الخارقة.
فكان امام صناع السينما في هوليود ابتكار شخصية (رامبو) لتتحول فيما بعد الى ايقونة للجندي الامريكي الذي لا يقهر، وبالفعل تمكنوا من اعادة بعض الهيبة لصورة جيشهم المهزوم في فيتنام، وإظهار اهل فيتنام بأنهم الاكثر جهلا وحبا للقتل رغم انهم يدافعون عن ارضهم، بينما حمل رامبو ما لذ وطاب من خصال الفضيلة والخير والشجاعة رغم انه يغزو بلاد غير بلاده.
وعلى طريقة رامبو تسير اغلب الاعمال الدرامية العربية التي تتعاطى السياسة، ومنها المسلسل الاخير للنجم عادل امام فرقة ناجي عطا الله، ومن المعروف ان الزعيم عادل امام وهكذا يلقب في مصر اتجه للإعمال السياسية منذ فترة طويلة بهدف اتخاذ موقعه الوطني كأداة من ادوات القوة الناعمة المصرية التي ادت وتؤدي هدفا سياسيا يخدم استراتيجية الدولة.
وهكذا كان في فرقة ناجي عطا، التي تصورتها للوهلة الاولى فرقة موسيقية وتوقعت انها ستنافس (فرقة حسب الله) التي يعرفها القاصي والداني، لكن تبين لي بعد بحث واستقصاء ان فرقة ناجي عطا الله هي مجوعة تقوم بسرقة بنك لومي الاسرائيلي وهو من اهم واكبر واقدم البنوك في اسرائيل.
اما ناجي عطا الله فهو الملحق الاداري في سفارة مصر باسرائيل جسده عادل امام ليجمع بين اخلاق روبن هود، وبراعة وشجاعة توم كروز، ليطلع علينا بنسخة مصرية مزجت خصائص الاسطورتين هود الانكليزي وكروز الامريكي، لتركيب ايقونة مصرية تعيد الثقة للمصري بمصريته التي سحبت امارة قطر الصغيرة البساط من تحت اقدامها وزاحمتها على مناطق نفوذها وتأثيرها لحظة الشروع في انجاز هذا العمل قبل اكثر من عامين.
نعم حدث الهجوم الاسرائيلي على غزة وصدح صوت السيد حسن نصر الله لمواجهة العدوان الاسرائيلي وغاب صوت مصر التي واجه رئيسها المخلوع حسني مبارك النقد القاسي من نصر الله لتقاعسه او تخاذله عن اتخاذ موقف يرضي الشارع العربي او المصري على الاقل، وركبت الدوحة موجة الممانعة والمقاومة الا ان وزير الخارجية المصري انذاك احمد ابو الغيط لم يملك الا الدفاع عن سياسة بلاده في اغلاق المعابر بوجه الفلسطينيين الامر الذي جعله ومصر مادة للهذيان القطري الذي اراد تكسير ماتبقى من نفوذ ام الدنيا على محيطها العربي.
في هذا المسلسل روبن هود او توم كروز المصري ناجي عطا الله ينجح في تنفيذ عملية فريدة من نوعها ويخترق اسرائيل ويقوم بالسطو على بنك لومي بمجموعة مصرية من اصدقائه دون اشراك افراد فلسطينيين او لبنانيين حيث ترك لهم دور الاسناد البعيد وتلقي الاموال السخية من عطا الله،
وبعد احداث دراماتيكية نجح عطا الله في الحصول على 200 مليون دولار لينتقل من الاراضي الفلسطينية الى لبنان فسوريا فالعراق فتركيا ثم السفر من تركيا الى مصر قبل ان تتعرض الطائرة التي تقله وفرقته للخطف ويتغير مسارها الى افريقيا ويستقر المقام بناجي عطا الله وفرقته في الصومال ثم يترك الاموال التي سرقها من البنك الاسرائيلي الى جياع افريقيا بطيب خاطر.
اذن فرقة ناجي عطا الله محاولة عاطفية لاعادة الثقة في قوة مصر وتاثيرها وتذكير العالم العربي بانها الاكثر تضحية والاكثر ممانعة مثلما هي الاكثر اعتدالا كما اظهر الحوار بين ناجي عطا الله وابو حسين القيادي في حزب الله، لكن صناع العمل فشلوا في اقحامهم الكاريكاتيري المرتبك لعملية اسر الجندي الاسرائيلي جلعاط شاليط في دخول غير موفق على خطوط المقاومة اللبنانية التي تحملت في السنوات الاخيرة عبء المواجهة لوحدها.
والاهم من ذلك كله هو الجزء المتعلق بالعراق فمنذ المشاهد الاولى يظهر رجل المخابرات السوري وهو يقود السيارة مخترقا الحدود العراقية بثقة وهو يصف الاوضاع في العراق ويفرق بين تعامل العراقيين مع العرب ايام الديكتاتور وايامنا الحالية.
لم يعجبني ابدا منظر العراقيين وهم يحملون السلاح ولايجيدون استخدامه والأبشع ان فرقة الاغتيالات التابعة للموساد تسقطهم كبيادق الشطرنج، بينما فرقة عطا الله وحدها من تمكنت بمهارة من قتل كل افراد الفرقة التي تعقبتهم من سوريا عبر الحدود بسهولة.
ولم يعجبني كل الحوار وكل المناظر وكل اللوكيشنات والديكورات وكل الحوارات وكل ما قيل منذ ان دخل ناجي عطا الله حدود العراق الى ان وصل الاعظيمة لانه مازال اسير النظرة التائهة الضيقة التي ترى في العراق طائفية وقتل واحتلال وانفجارات وموت وفلوجة واعظمية وشكوى دائمة ورثاء للحال الذي وصل اليه العراق رغم انه افضل بكثير من حال اكثر الدول العربية التي استقبلت ناجي عطا الله باسترخاء كبير يختلف بشكل كبير عن التوتر الذي ظهر عليه العراق وهو بلاشك عراق 2006 ربما.