7 أبريل، 2024 5:03 ص
Search
Close this search box.

فرط التفكير بالماضي يبدد المستقبل

Facebook
Twitter
LinkedIn

إذا إستسلم المريض لهذا الهاجس، تحول الى هلوسة، يتراءى له خلالها شخص يحصي عليه مآخذ ما مضى، وفي الحقيقة هذا الشخص الموهوم.. هلوسة.. هو المصاب نفسه، يتحول الى رقيب حالي على ماضيه، و… قد فات الاوان

فرط التفكير بالأحداث الغابرة، يرهن الإنسان بالماضي أكثر من الحاضر، حاجبا عنه فرص التقدم نحو المستقبل، ومخيما عليه بكآبة الندم؛ فلا جدوى من البكاء على أطلال حدث لن يعود.. بل عودته من ثالث المستحيلات “الشمس لا تشرق من المغرب”.

فلا يتقهقر الزمن عائدا، إلا بمشرق الشمس من موضع غروبها، وهذا خلاف الفيزياء الكونية، التي قدرها الرب منازل… لكن تصح إستعادة الماضي في حال واحدة، هي الإفادة من موعظته لتعميق الحسنات وتصحيح الأخطاء.. سوى ذلك تبديد لطاقة الفكر وتعطيل عن السعي الى مستقبل متفائل.

فغالبا من تستهلك الإنسان أفكار سوداء، تجعله يلوك ما مر به ويعيد تركيبه وفق سيناريوهات تبتكرها المخيلة، التي تحل بديلا عن الحافظة في معالجة أحداث إنتفت في زمانها وماكنها لكنها تشغلنا.. سلبا وإيجابا.

الإنشغال سلبا يفتت قوة التماسك المعنوي، متسربا الى القدرة على العمل الفعلي الجاد، والزهو إيجابا بما تحقق يؤدي الى غرور أجوف يكتفي منجز فات وولى؛ لذلك يجب التوازن في منظور لوحة الحياة فرحا بالمتحقق والعمل على إحتواء الآتي.

الماضي كتلة موارة ينوء بها من يقع تحت سيطرتها، حزينا مشتت البال، يغيب عن لحظته الراهنة فينفلت المستقبل من بين أصابعه.

*المبالغة بالأشياء*

التفكير الزائد.. المفرط، يسمى (Overthinking) وقد اكدت الدراسات أن ٧٣٪ من الشباب بين عمر ٢٥ – ٣٥ و٥٧٪ من النساء و٤٣٪ من الرجال، يعانون من فرط التفكير، الذي يؤدي الى امراض نفسيه وجسديه؛ لأنه يتضمن عمليات فسيولوجيه وذكريات قديمه وتفكير عميق وتحليل للأحداث، من الممكن أن تجعله روتينا يوميا في حياة الشخص!

وهو مرض أبرز أعراضه عدم القدرة على إبطاء سباق الأفكار أو المخاوف أو العواطف الغامضة، واسترجاع الفشل بإستعراض الأخطاء السابقة مرارًا، في تكرار ضاغط.. قهري لا يمكن تجاوزه.

عندما ينشب هذا الداء السيكولوجي مخالبه في شخصية ما؛ تفقد الشعور والقدرة على العيش في اللحظة الحالية.. ندم مستمر على القرارات السابقة، يُهْدَرُ فيه وقت ثمين يمكن إستثماره بمنجز نافع.

إذا إستسلم المريض لهذا الهاجس، تحول الى هلوسة، يتراءى له خلالها شخص يحصي عليه مآخذ ما مضى، وفي الحقيقة هذا الشخص الموهوم.. هو المصاب نفسه، يتحول الى رقيب حالي على ماضيه، و… قد فات الاوان.

بالتالي تتحول الكآبة الى فعل منشود؛ بسبب إقتناع المصاب أن السيناريو الأسوأ سيتحقق يوماً ما؛ وبذلك سيجد الذين يعانون من هذه الأعراض أن أسلوب حياتهم معرض للخطر بسبب عدم قدرتهم على التحكم بفعالية أفكارهم وبالمشاعر السلبية التي تهاجمهم.

إذا عرف السبب بطل العجب؛ فاسباب الوقوع أسير الماضي، هي غالبا: حدث مفاجئ خارج عن سيطره الفرد.. انفصال او موت او خساره او خذلان او خيانه.. الوحده والعزله التامه.. الرجوع للصور والذكريات القديمه وقراءه دفتر المذكرات وإسترجاع تفاصيل الاحداث.

تجفيف تلك المنابع بقطع التفكير بها، من خلال التشاغل عنها قدر الإمكان، برغم قوة فرض نفسها.. قهرا عليه، يؤدي الى تلاشيها مع الوقت.. طال سنوات او قصر أياماً؛ لأن الزمن خير دواء كفيل بعلاج الأحزان وتفتيت العقد.

*الدواء ضرورة*

تفنيد الأعراض نوع من علاج.. بل علاج أشد فاعلية من التدخل الدوائي الذي لا غنى عنه في إكمال دورة الشفاء.. أؤكد على ضرورة مراجعة الطبيب المختص وتلقي علاجا دوائيا؛ لأنه يساعد الإجراءات الادائية التي نصحت بعا في أعلاه.

تفنيد الاعراض يقوم من تشخيصها، وهي: الوسواس القهري والقلق والخوف والاكتئاب والفراغ وعدم الاستقرار والحاجه للاهتمام وهالة من طاقة سلبية تحيط المرء وتعزله مع أحزانه عن العالم.

إن لم تجدِ كل هذه الوسائل في إنتشال المرء من الغرق في “مرض الماضي – Overthinking” وهي تجدي بنسبة 99% لكن لو حدث الـ 1% فإن هذا الواحد سيعاني تحول المشكلة من نفسية الى عقلية.. أي عضوية تعالج بالتداخل الطبي مع عضلة الدماغ وتلافيفها اللا نهائية، التي ما زالت متاهة للأطباء.

عضويا يصاب بالشراهة للأكل وقلة ساعات النوم، فيتشتت التركيز ويتبعثر المصاب غير مسيطر على تصرفاته، خاسرا الوقت وفرص النجاح.

ثمة تسعة وتسعون حلا يستطيع المصاب أن يذهب إليها، ولا يقف عند الواحد المؤدي الى الإنهيار، ابرزها: الاقتناع بأن الكمال البشري غير موجود، وبالتالي لا يمكن تحصيله تحت أي ظرف؛ لأن الله وحده هو الكامل، والكف عن التخمين بالاعتماد على الحقائق الموجودة، والابتعاد عن الخمول، وتفضيل التطبيق بدلاً من مجرد التفكير، والتفاؤل والبحث عن أسباب المشاكل إن وجدت؛ للتخص من أساسها، والتقليل من تبرير الأفعال، كما يجب التعامل بصدق مهما كانت النتائج، وتدوين النجاحات والأفكار الإيجابية؛ لتساعد على الإختيار الصحيح، والاسترخاء ومحاولة تفريغ العقل من الأفكار في نفس الوقت، ومهاره التأمل والهدوء الداخلي، والوعي بخطورة الـ Overthinking وكتابة الافكار بورقه ثم حرقها لتتخيل ان ما كنت تفكر به قد تلاشى واصبح رماد هشيم محترق.. لا تفكر بالاخطاء إنما عيش النجاحات.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب