23 ديسمبر، 2024 6:14 م

فرض الفاسدين واللصوص على الحكومة …جريمة بحق الوطن …

فرض الفاسدين واللصوص على الحكومة …جريمة بحق الوطن …

بعد احد عشر عاما من الانتظار الممل الذي شابه القلق الحذر والخوف من المستقبل ، تحركت المركبة السياسية المعطلة في العراق قليلا الى امام  بدفعات قوية من ايران وامريكا وتركيا وبريطانيا وفرنسا اضافة لدول الخليج عموما بعد مخاوفهم من  امتدادات تنظيم داعش الارهابي الزاحف صوب المنطقة الملتهبة في جهاتها الاربعة ، وأجبر قائدها المالكي بالقوة على الترجل و النزول منها وترك قيادتها دون جدل او نقاش ، واتاحة المجال للحيدر العبادي الذي رآه التحالف الوطني بديلا مناسبا لنوري المالكي خصوصا حين تعهد ان يقود المركبة باتجاهها الصحيح ، هذه هي الصورة المصغرة دون الدخول في تفاصيل الكيفية التي تنازل بها المالكي ، والتي جرت بعد الاجماع الوطني والدولي والاقليمي على تنحيه ورفضهم له ولولايته الثالثة الذي تشبث بها ليعيش اربعة سنوات أخرى قادمة حرا طليقا و بعيدا عن المسالة القانونية التي اذا ما اثيرت في فترة غريمه السياسي حيدر العبادي فانه بلا شك يواجه مرحلة من اشد مراحله السياسية التي تدفعه باتجاه الزوال عن الميدان السياسي …….
اذن فالعراقيون على امل ان يدرك الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة القادمة  ان مهمته لابد ان تكون وطنية قبل ان يمثل حزبه السياسي او طائفته المذهبية التي كانت سببا من أهم اسباب فشل سلفه نوري المالكي ، ويسعى باتجاه خلق اجواء سياسية سليمة قائمة على الشفافية والنزاهة والكفاءة على المستويين الفردي والجماعي لتكون حكومته حكومة اعمار وبناء على اسس وبرامج تخطيطية مبرمجة تبعد شبح المصالح والمنافع الشخصية ، خصوصا والعراق بأمس الحاجة الى وزراء مخلصين لا يتأخرون في توظيف طاقاتهم وكفاءاتهم في خدمته والعمل على الارتقاء بواقعه الخدمي والاداري ، ومعالجة الانهيار الحاصل في كل مؤسسات الدولة واستئصال جذور المحسوبية والمنسوبية التي حولت الدولة الى منتجع للفساد والفاسدين …..
ومن هنا أجد من الضروري ان اشير الى مسالة الفساد التي طلت براسها مجددا مع البدء بعملية البحث عن الشخصيات للفوز بالحقائب الوزارية في الحكومة المرتقبة، وحسب ما وردتها بعض وسائل الاعلام ان المرتشين واللصوص عادوا مرة اخرى الى الواجهة ، وبدأت مزايداتهم على هذه الوزارة او تلك مقابل صفقات مالية كبيرة بعشرات الملايين من الدولارات الامريكية لضمان وجودهم في الكابينة الحكومية التي يسعى العبادي بتشكيلها ، وهذا يعني ان محاولات فرض الفاسدين على التشكيلة القادمة للحكومة ظاهرة للعيان وهي جريمة كبرى التي تندرج في مصاف الجرائم الخيانة الوطنية  ، والتي يتطلب من الرئيس المكلف ان يكون صارما في رفض هذه النماذج غير الوطنية التي جردت نفسها من كل معاني القيم والانتماء الوطني الخلاق ، بل وان يكون بمستوى مسؤوليته الوطنية وبمستوى الثقة التي منحها له التحالف الوطني في ترشيحه لهذا المنصب السيادي الوطني الكبير   ويخوض من الان حربه الوطنية  بوجه هذه الجماعات التي تحاول تشويه صورته وصورة حكومته ومسارها قبل ولادتها ، بمعنى ان عودة الوجوه الفاسدة من اللصوص واصحاب الصفقات المشبوهة الى كابينة الحكومة القادمة نذير شؤم جديد الذي يعيد بالبلاد الى حقبتها الزمنية السوداء التي لم يجد فيها المواطن العراقي معنىَ حقيقيا لكرامته ووجوده الانساني ،  والذي يتطلب من العبادي نفسه قبل غيره ان يتخلص بالسرعة الممكنة من الفاشلين ووضع حد لفسادهم ونواياهم السيئة بحق الشعب والوطن ، وابعاد كل من كان طرفا مباشرا لتمزيق العراق على اسس طائفية ومذهبية وكشف دوافع ابعاده على الملأ بلغة صريحة وواضحة ليدرك المواطن حجم التضليل لهذا المسؤول او ذاك الذي مارسه طيلة فترة تبوئه بالمسؤولية ، ومن ثم تجريده من اية حصانة قانونية ليتمكن القضاء من ملاحقة كل الفاسدين من امثاله الذين نهبوا الثروات واباحوها لأنفسهم تحت كم هائل من طرق الاحتيال والصفقات المشبوهة ….
ولذا فان فرصة التحديث للحياة السياسية والاجتماعية والثقافية ، وبناء مجتمع عراقي جديد و متكاتف  تبقى معلقة على الرئيس المكلف ومدى قدرته على جمع الشمل الوطني ، وسعيه الجاد لتقريب وجهات النظر المختلفة ونبذ الخلافات بهدف الابتعاد عن لغة العنف التي سببت في زرع الكراهية والاحقاد الفئوية والطائفية ، وايجاد لغة الحوار الجادة بخطابات جديدة تصب في المصلحة الوطنية العليا للعراق…. مع التأكيد على عدم القبول بفرض الشروط التعجيزية من قبل القوائم الفائزة في الانتخابات بعدد أكبر من المقاعد ، وهي مسالة ينبغي على حيدر العبادي على عدم التعامل بها خصوصا هناك تلميحات من قبل دولة القانون بضرورة منحها المناصب السيادية التي تجيز لها مجددا خلق الفوضى السياسية من خلال هيمنته على الحقائب الوزارية المهمة كالدفاع والداخلية والمالية التي تمنحها دون شك القدرة على فرض نفوذه السياسي مجددا ، ومن ثم تكرار تجربتها الفاشلة في ادارتها للبلاد على اسس طائفية والمذهبية ، وما المح اليه نوري المالكي  في كلمته الاسبوعية خلال هذه الايام بان حكومة الاغلبية السياسية هي الحل الامثل لتجاوز العقبات السياسية امام حكومة شراكة وطنية التي يسعى حيدر العبادي لتشكيلها ، هو دليل واضح بان دولة القانون التي يتراسها المالكي وضعت في حساباتها صعوبة المهمة التي يواجه الرئيس المكلف ، وبدأت من الآن  تمهد السبيل لتمرير ما في جعبتها من اساليب العودة لهيمنتها على دائرة القرار السياسي التي خسرتها بسبب سوء الادارة والتنظيم لمؤسسات الدولة ومرافقها الحيوية ، وما تمخضت عنها من ازمات وآثار سلبية انعكست على سمعة الدولة وهيبتها ، وان تلك التلميحات ليست الا محاولة ضبابية مكشوفة للتأثير على مسار عملية اختيار شخصيات كفؤة لهيكلية الحكومة القادمة ، بمعنى ان حيدر العبادي سوف يواجه بعض من الصعوبات ، الا ان الغلبة ستكون بلا شك للعقلية السياسية الناضجة التي تفضل مصلحة العراق على المفاهيم والرؤى المغلقة على نفسها ، والتي فقدت من قيمتها السياسية والاخلاقية خلال فترة حكمها للبلاد على اساس طائفي ومذهبي ….